فن

المنتصر بالله.. تاريخ من الضحك الصافي 

في حلقة من حلقات برنامج المسابقات الشهير”من سيربح المليون” انتهز الإعلامي المخضرم جورج قرداحي فرصة مشاركة الفنان المصري المنتصر بالله في البرنامج مع حرمه وسأله عن سر تسميته باسمه الذي صار بمثابة أيقونة في الوسط الفني.

وبمزيج من الجدية والكوميديا الفطرية التي كان الفنان الراحل يجيدها تمام الإجادة قال المنتصر بالله إن والده بعدما فجع بفقد أكثر من مولود له وهم لا يزالون في عمر الزهور، قرر بسبب تدينه الشديد أن يضيف اسم الخالق تعالى إلى اسم أي مولود يرزق به فيما بعد.

فكان نصيبه اسم “المنتصر بالله” تماما كما كان اسم شقيقه “المعتز بالله”.

أغلب الظن أن هذه القصة المدهشة ولدت في نفس المنتصر بالله إيماناً عميقاً بضرورة الاحتفاء بالحياة إلى أقصى درجة، ومواجهة أية متاعب حياتية بالابتسامة التي تقهر الأحزان.

جعل المنتصر بالله مهمته على مدار مسيرته الفنية التي دامت نحو ثلاثة عقود أن يرسم تلك الابتسامة على وجوه جمهوره الذي أحبه بفضل تلقائيته الشديدة؛ والتمسك بالكوميديا الراقية البعيدة عن أي إسفاف أو ابتذال.

منذ منتصف السبعينيات تقريباً تألق المنتصر بالله على خشبة المسرح وعلى الشاشتين الفضية والصغيرة على حد سواء، ولعب جميع الأدوار، فهو الأمي والمثقف، وهو الخيّر والشرير، وهو العامل والموظف والثري، وفي كل أدواره لم تغب عنه الضحكة الصافية النابعة من القلب.

ولعل من حسن طالعه أن بدايته في السينما ارتبطت بأستاذ الكوميديا الراقية الراحل فؤاد المهندس، حيث برز المنتصر بالله في دور صغير في فيلم “فيفا زلاطا” كواحد من أتباع البطل زلاطا.

ولعل إيمان أستاذه فؤاد المهندس به هو ما شجع هذا الأخير على ترشيحه لدور آخر في مسلسل “عيون” حيث لعب المنتصر بالله دور صهره واستطاع أن يثبت حضوره في هذا المسلسل رغم وجوده وسط عمالقة التمثيل من أمثال المهندس والقديرة سناء جميل.

ثم انتقل إلى السينما من خلال أفلام مثل رائعة عاطف الطيب “سواق الأتوبيس” والذي أثبت من خلاله قدرته على لعب الأدوار الدرامية أيضا من خلال دور “ماهر” الثري الانفتاحي الذي كون ثروة من مشاريع استهلاكية.

وعاد المنتصر للتألق مرة أخرى على خشبة المسرح منتصف الثمانينيات من خلال مسرحية “عائله سعيدة جداً” التي أخرجها المبدع السيد بدير، وجمعته مع المخضرم أمين الهنيدي وقدما من خلالها كوميديا عائلية شديدة الرقي لازالت حتى يومنا هذا إحدى كلاسيكيات مسرح الثمانينات.

وفي السنوات التالية تنوعت أعماله ما بين المسرحية مثل “شارع محمد علي” التي جمعته ب”وحش الشاشة” فريد شوقي و الراحل وحيد سيف وآخرين، وكان المنتصر بالله أحد عوامل الجذب في هذه المسرحية إلى جانب استعراضات شريهان من خلال تجسيده لشخصية مطرب شعبي لا يملك أدنى مقومات الطرب؛ ولكنه يصر على أن يروي النكات في شكل أغنية.

وعلى صعيد الدراما التلفزيونية قدم المنتصر بالله العديد من الأعمال المميزة لا سيما مع رواد الدراما، أسامة أنور عكاشة مؤلفاً ومحمد فاضل مخرجاً، ففي مسلسل “في المشمش” الذي أبدعه كلاهما لعب المنتصر بالله دور الموظف المنافق المتملق لمديريه والذي لا يشفع له نفاقه في نهاية الأمر حين يقرر الفاسدون التضحيه به ككبش فداء.

وفي مسلسل “النوة” فهو “الكاني” أو كمال الإسكندراني، الشاب الخامل الذي يرتزق من تسلية الأثرياء والترفيه عنهم، لكن يتلقى في النهاية درساً ثميناً يجعله يدرك أنه لا بديل عن العمل الحقيقي كسبيل للكسب.

وفي عمل آخر لعكاشة ومن إخراج جمال عبد الحميد هو “أرابيسك” جسد المنتصر بالله دور “رمضان” تاجر التحف الذي أثرى من تجارة الآثار المهربة واستطاع الفنان الراحل أن يقدم دور الشرير بإتقان أثار إعجاب النقاد والجمهور حينها.

https://www.youtube.com/watch?v=AfkvcRnD0BQ

أما في السينما فعاد للتعاون مع المبدع عاطف الطيب في فيلم “ضد الحكومة”، والذي لعب فيه دور زكي وكيل المحامي الفاسد مصطفى (أحمد زكي) والذي يعاونه في الاستيلاء على أموال التعويضات الممنوحة للضحايا في القضايا التي يترافع فيها، لكن صحوة ضمير مباغتة لمصطفى تنعكس أيضا على زكي الذي لا يتخلى عن صاحبه رغم هذا التحول.

وكانت آخر أعمال المنتصر بالله التلفزيونية مسلسل “الصيف الماضي” الذي قدمه عام ٢٠١٠ ليدخل بعدها في دوامة صراع طويل ومرير مع المرض إلى أن رحل عن عالمنا في السادس والعشرين من سبتمبر عام ٢٠٢٠.

رحل المنتصر بالله ولم تغب ضحكته التي رسمها على وجوه الملايين، وأغلب الظن أن تلك البسمه لن تغيب برحيل صاحبها؛ بل ستبقى على وجوه محبيه لأنها كانت دائما وأبداً ضاحكة نابعة من القلب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock