أثارت الشروط الجديدة لجوائز الأوسكار تحفظات عديدة لإصرار أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة المانحة لهذه الجوائز على ضرورة مراعاة من لا يحظون بالتمثيل الكافي (وفي مقدمتهم المثليون إضافة لمجموعات أخرى، مثل أصحاب البشرة الملونة وذو الاحتياجات الخاصة والنساء) سواء في الأدوار الرئيسية أو الثانوية، إضافة للقصة الرئيسية للفيلم، بل امتدت شروط التنوع لما هم خلف الكاميرا أيضا.
علي الجانب الآخر لا تخلو إنتاجات منصة «نتفليكس» من مشاهد إباحية صريحة وأخرى تحفز الأطفال على الاهتمام بالجنس، أو تلك التي تروج للمثليه الجنسية، ما يجعلنا نسأل هل هي فقط «الصدفه»؟ أم أنه مخطط متعمد « لتدجين» المشاهد العربي ومن ثم يصبح قبوله لهذه النماذج و المشاهد أو تلك العادات والقيم مسأله «طبيعية» وعاديه جدا؟
وهل يمكن اعتبار الأمر نوعا من الحرية في طرح ما يحلو من أفكار ورؤى ونماذج بشرية موجودة واقعيا ولا يمكن تجاهلها، خصوصا وأننا في عصر السماوات المفتوحة، وأن أي مستخدم يمكنه وببساطة إنهاء المشاهد المزعجة «بضغطة زر»، كذلك بإمكانه تفعيل خاصية «الحساب الآمن» سواء على تلك المنصات أو من خلال الشبكه العنكبوتيه برمتها فلا يشاهد ما لا يحبه ولا يرضاه، حتى السينما الإختيار الحر المستقل يمكن إنهاء المشاهدة بمغادرة القاعة في صمت؟
البعض يرى في هذه الانتاجات محاولة لتطبيق«الصوابية السياسية» أو الانحياز للفئات الأضعف المهمشة فنيا، رافضين بكل حال محاكمة الفن أخلاقيا ومؤكدين على دوره في كشف وتعرية المسكوت عنه» على كافة المستويات، فيما يرى البعض الآخر أن الإصرار على وجود هذه النماذج في أي عمل فني هو نوع من تقييد لحرية الإبداع و فرض وجهات نظر مسبقة خصوصا في ظل الجهل و التخلف الذي تعاني منه الكثير من المجتمعات العربية ما ينتج عنه الكثير من الأثار السلبية.
المحظور
مرة أخرى هل يمارس الفن نوعا من التأثير علي الواقع أم أنه يحمل فقط «مرآته العاكسة»، وماذا لو حطمنا المرآة ورفضنا رؤية الأشياء كما هي، هل سنغير من الواقع أم سنبدو فقط كمن يدفن رأسه في الرمال؟
هذه الأسئلة وغيرها الكثير وقفت أمامها عاجزة في نقاش جمعني بأحد الشباب المتابع بدأب لإنتاجات هذه المنصات، إذ نفى بشدة وجود أي مؤامرات من قبل إدارة المنصة الأبرز، مؤكدا أنها لا تهدف إلى لتقديم «محتوى مغاير» يضمن لها الربح عبر اجتذاب العديد من المشاهدين خصوصا وأنها تحرص على إدهاشك بصريا وعبر محتوى تشويقي مميز في أغلب الحالات.
صديقة أخرى تعترف بأن «نتفليكس» صحيح تقدم «المحظور» ولكن بصورة تبدو منمقة وعبر عالم مثير للتشويق، مؤكدة أن هذه المنصة لن تقتلك فأنت من يختار، وأن «تشويق المحظور» ليس إلا وسيلة لتصوير الواقع بكل ما فيه ومن فيه مهما بلغت قسوته.
هذه الآراء حتما هناك من يختلف معها ليس من باب التحفظ الأخلاقي فقط ولكن من منطلق أن مناقشة هذه «المحاذير» لابد وأن يكون في سياق علمي درامي محكم يهدف للبحث في الأسباب والظروف والملابسات وليس فقط من منطلق التعاطف والقبول، بتعبير أدق لا بد من التريث عند مخاطبة الجمهور على تنوعه وبالأخص الذين ينتمون لثقافات مختلفة، باختصار ضرورة مراعاة الخصوصية الثقافية للشعوب.
وهو ما تؤكد عليه د. سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس مشيرة لأن هذه الأعمال لم تراعي خصوصية المجتمعات وبالأخص الشرقية، كما أنها لم تراعي أيضا خصوصية «المثلي» سواء نفسيا أو اجتماعيا، كما لم تتمكن من مساعدتهم في إثبات اختلافهم المتعدد الأسباب بطريقة احترافية فنيا وعلميا.
غير أنها لا ترى في هذه المشاهد «المحشورة» مجرد وسيلة «رخيصه» لتحقيق الربح باللعب على غرائز مشاهد يبحث فقط عن المتعة، ولكنها للأسف وسيلة يمارسها الغرب لتدجين وترويض العقل العربي ليقبل مع الوقت بكل ما يتعارض وثقافته و تقاليده والأعراف التي تربي عليها، وفي المقابل لا نقدم البديل المناسب لمواجهة هذا الخطر عبر محتوى يجتهد ليكون مماثلا في الجودة سواء على مستوى الشكل أو المضمون.
و تواصل خضر قائلة: للأسف لدينا استثمار جيد في المباني والطرق ولكننا لا نستثمر في الثقافة والفنون للحفاظ على هويتنا وعلى الأجيال القادمة من مجمل محاولات تشويهها.
دعاوى مقاطعة
لا يوجد إحصاء دقيق حول عدد المشاركات العربية على منصة نتفليكس، ولكنها بالتأكيد تتجاوز الملايين بالأخص في فترة الجائحة وساعات الحظر الطويلة التي حتما رفعت نسبة المشاركة، فلماذا لا تحرص إدارة المنصة على احترام ثقافة وقيم المواطن العربي؟
الملاحظ أن هذه المنصة لا تترصد المشاهد العربي فحسب، ولكنها أثارت حفيظة مجتمعات أخرى لما تقدمه من محتوى مثير للجدل من دون الاهتمام بمدى ملاءمتها، ما يفسر دعاوى المقاطعة التي تنطلق كل فترة لعل آخرها أزمة الفيلم الفرنسي Mignonne Cuties أو «مينيون» الذي يتناول اهتمام الأطفال بالجنس،من خلال بطلة الفيلم الطفلة المسلمة التي تتمرد على أمها و قيمها وتتبع غرائزها، مما أثار غضب العديد من المشاهدين ومن ثم انطلقت دعوات مقاطعة المنصة والتي وصلت لأكثر من نصف مليون توقيع خلال يومين، الغريب أن المركز الوطني للاستغلال الجنسي للأطفال في أمريكا أبرز من تصدى لعرض الفيلم، كما هاجمه أعضاء من الكونجرس، إضافة لانتقادات عديدة على مستوى العالم.
أيضا وخلال 23 عاما اضطرت إدارة المنصة لحذف عدة أعمال فنية أو حلقات معينة من بعض الأعمال وذلك بناء على مطالب حكومية وفقا لما نشره موقع axios أكسيوس، ومؤخرا أيضا دخلت المنصة في صدام مع الحكومة التركية هددت بحظرها لتصبح معها أول دولة تحظر هذه المنصة بسبب إصرارها على طرح أعمال تروج للمثلية الجنسية وهو ما يتعارض و سياستها المحافظة.
مرة أخرى هل «تبشر» هذه المنصات أو الأكاديمية المانحة لجوائز الأوسكار بالمثلية الجنسية سواء عبر انتاجها الأصلي أو التي تمتلك حق عرضها؟ خصوصا وأن بعض هذه الانتاجات يقدم صور ورديه عنهم؟ بتعبير آخر هل هذه الأعمال مجرد وسيلة لتحقيق الربح أم محاولة لغزونا ثقافيا ؟
الناقد الفني طارق الشناوي وفي تصريحات سابقة يرى أن الفيصل في التعامل مع هذه النماذج سواء تلك التي تظهر عبر أعمال نتفليكس أو من خلال الأفلام التي يرغب صناعها في المنافسة على جوائز الأوسكار، يتعلق دوما بالرؤية الفنية أو بتعبير أدق يجب أن يكون التقييم فيها فنيا وفقط، مؤكدا أن هذا هو المهم في أي عمل فني سواء كان بطله أسود أو أبيض وأيا كانت ديانته أو هويته.
الشناوي بدوره لا ينكر أن بعض هذه الأعمال لا يتعامل وفق هذه المعايير ما يضرب بالفن (دوره ورسالته والهدف منه) عرض الحائط.