في الوقت الذي لم تنصف فيه السينما الروائية بعد نصر أكتوبر عام ١٩٧٣ بتقديم أفلام تعبر بحق عن هذا الحدث الجلل؛ فإن السينما التسجيلية بدت أكثر انصافاً في هذا المجال.
ففي حين جعلت أغلب الأفلام الروائية من المعركه مجرد خلفية لمجموعة قصص غراميه كما هو الحال مع افلام مثل “الوفاء العظيم” و”بدور” وغيرها، كانت المعركة هي الحدث الرئيسي في أغلب الأفلام التسجيلية التي تناولت النصر.
فما إن تمكن المقاتل المصري من عبور أكبر حاجز مائي في العالم وتدمير خط بارليف المنيع حتى أقبل مبدعو السينما التسجيلية على الجبهة يصورون، بنهم واهتمام شديدين، ما كان يجرى فيها في ذلك الوقت.
ومن أبرز الأفلام التسجيلية التي تناولت النصر عند حدوثه فيلم “صائد الدبابات” للمخرج خيري بشارة الذي يبرز بطولة “عبد العاطي” الجندي المصري الشهير بصائد الدبابات حيث تمكن من تسجيل رقم قياسي في تدمير آليات العدو وقنص جنوده لا سيما في معركه الثامن من أكتوبر الشهيرة التي أسفرت عن إخفاق الهجوم الصهيوني المضاد وأسر قائد كتيبة دبابات صهيونية يدعى عساف ياجوري.
يرصد الفيلم مشاعر عبد العاطي ورفاقه على الجبهه حين حانت لحظة العبور في السادس من أكتوبر.. تلك اللحظة التي انتظرها هذا الجيل طويلا بعد أن قضى سنوات ست في الخنادق يحلم بيوم الثأر من العدو واستعادة الأرض والكرامة.
ويبرز الفيلم هذه المشاعر من خلال قصة طريفة يذكرها أحد الجنود وهي أن عيد ميلاده تصادف مع يوم العبور العظيم، وبدلاً ان يشعل رفاقه له شموعاً، اشعل صديقه عبد العاطي دبابات العدو احتفالاً بهذه المناسبة.
كان النصر ايضاً موضوع فيلم تسجيلي مميز آخر هو “جيوش الشمس” للمبدع شادي عبد السلام صاحب أفلام “المومياء” و”شكاوى الفلاح الفصيح” وغيرها من الأفلام التي تناولت الحضاره المصريه القديمه، ذلك الموضوع الأثير لدى هذا الفنان المتعدد المواهب.
وفي هذا الفيلم أيضاً بالرغم من تناوله لحرب اكتوبر، إلا أن روح مصر القديمة تطل من العنوان؛ حيث إن “جيوش الشمس” كان لقب الجيش في مصر القديمة، ذلك الجيش الذي خاض أول حرب تحرير وطنية في التاريخ وأسس أول إمبراطورية.
يبدو عبد السلام معنيّاً في فيلمه بشكل أساسي بالمقاتل المصري البسيط٫ صانع النصر؛ فيسلط الضوء عليه وعلى بطولاته وهو على جبهات القتال أو وهو جريح يتلقى العلاج، وذلك من خلال حوارات تجريها الممثلة القديرة الراحلة نادية لطفى مع الجنود المصابين.
أما فيلم “أبطال من مصر” للمخرج أحمد راشد فيربط ما جرى على الجبهة بما جرى في الداخل، موكداً من خلال الخطابات التي يبعث بها الجنود والضباط لذويهم في المدن والقرى أن هؤلاء الأهالي كانوا بمثابة جبهة صلبة اعتمد عليها الجيش في عملية إعادة البناء التي استمرت ست سنوات كاملة ثم انتهت بإحراز النصر.
في المقابل يلجأ المخرج الراحل حسام علي في فيلمه “حصاد” الى أسلوب مغاير في التاريخ لنصر اكتوبر؛ فهذا الفيلم التسجيلي المميز والمختلف ليس عن النصر المصري بقدر ما يرصد الهزيمة الصهيونية من خلال اعترافات العدو.
يبدأ الفيلم بعرض عسكري صهيوني قبل الحرب ويستعرض مدى الصلف والغرور الصهيوني والاستهانة بالعرب وهي اللغة التي تغيرت بطبيعة الحال في أعقاب حرب أكتوبر.
يأتي الرد على الصلف الصهيوني المشار إليه من خلال مشاهد متعاقبة للمعركة وللمقاتل العربي وهو ما يثبت خطاً كافة التوقعات التي أدلى بها وزير الحرب الصهيوني موشيه ديان.
ثم تتوالي صور الأسرى الصهاينة، بينما الجنود المصريون يحملون المصابين منهم عبر ضفة القناة لتلقي العلاج في سلوك حضاري رفيع، ويسلط حسام علي الكاميرا على وجوه الأسرى الصهاينة التي علتها الصدمة والدهشه وفي الخلفية تظهر أغنيه عبريه حزينه للغايه تعبر عن حال هؤلاء .
ويختم حسام علي فيلمه بمعرض أقامته القوات المصريه لعرض غنائم الحرب و يتوافد عليه الطلبة والمدنيون المصريون لمشاهدة “حصاد” المعركة.
وفي الذكرى الثانية والثلاثين للمعركة، في عام ٢٠٠٥، يعيد المخرج أحمد رشوان الاعتبار للمقاومه الشعبية في مدينة السويس الباسلة التي تصدت للقوات الصهيونية في معركة يوم ٢٤ أكتوبر عام ١٩٧٣ وذلك من خلال حوارات مع مجموعة من أبرز ابطال المعركة.
وبشكل عام يمكن القول إن السينما التسجيلية المصرية، وعلى الرغم من غياب الاهتمام الإعلامي بها وعلى الرغم من إمكانياتها المتواضعة، وُفِّقت فيما لم تُوفَّق فيه السينما الروائية حتى يومنا هذا وهو توثيق النصر والاحتفاء بصناعه.