رؤى

البكاء عند الجماعات الجهادية الحديثة (3)

عرض وترجمة: أحمد بركات
لا تقتصر مناسبات البكاء في الجماعات الجهادية 1يقصد بـ “الجهادية” في هذه الدراسة “الإسلاموية السُنية العنيفة العابرة للحدود”. ورغم اعتراض بعض المسلمين على ربط الجهاد بالأنشطة العنيفة التي تقوم بها هذه الجماعات، إلا أن مصطلح “جهادي” يعد الآن مصطلحا راسخا في الدوائر الأكاديمية والإعلامية، بما في ذلك في العالم الإسلامي نفسه. ويرجع الفضل في شيوع هذا المصطلح إلى ملاءمته كاختصار لتعبيرات أكثر تعقيدا. كما يستخدم المتشددون هذه الصفة “جهادي” على نطاق واسع. وفي الاستخدام الأكاديمي، يمثل “جهادي” مجرد صفة ليس لها قيمة معيارية في الجدل الإسلامي حول طبيعة الجهاد.   المعاصرة على سماع القرآن، وبخاصة في الصلوات، أو الخطب والمواعظ الدينية، كخطب الجمع وخطب ما قبل دخول المعركة وغيرها، وإنما تتعداها إلى مناسبات ومواضع أخرى كثيرة. وترصد المصادر بوجه عام ستة أنواع رئيسية لمناسبات البكاء. وسوف نستكمل هذه الأنواع – بعد أن عرضنا للبكاء أثناء الصلاة وأثناء الخطب – مع تقديم أمثلة تمثيلية لكل منها حسبما تجود بذلك المصادر.

سماع الأناشيد

يمثل سماع الأناشيد الدينية مناسبة مهمة للبكاء عند الجهاديين. شاع هذا اللون من الغناء بدرجة كبيرة في أوساط الجهاديين الإسلاميين منذ ثمانينيات القرن الماضي، وقد أدى الإعجاب الشديد بالأناشيد الجهادية إلى ظهور صناعة حقيقية تمخضت في نهاية العقد الأول من هذه الألفية عن أكثر من ألف منتج. وتظهر الأناشيد في جميع المنتجات الدعائية المرئية – المسموعة، كما تُغنى وتُسمع على نطاق واسع داخل الجماعات الجهادية، على سبيل المثال في أثناء التدريبات، وقيادة السيارة، وجلسات الاسترخاء في البيوتات الآمنة. وتربط العديد من المصادر بين البكاء وسماع الأناشيد. على سبيل المثال، يُظهر فيديو مصور من سوريا، في عام 2015 تقريبا، في وقت هيمنة تنظيم الدولة الإسلامية على معظم أراضيها، منشدا تونسيا يؤدي ترنيمة غنائية في غرفة مليئة بالرجال، يبلغ عددهم أربعين تقريبا، وقد انخرط أربعة أو خمسة منهم في نوبة بكاء شديد أثناء هذه الجلسة. في هذه الأثناء قامت الكاميرا بمسح الغرفة واقتربت بدرجة كبيرة من الرجال الباكين.

قبل وبعد القتال

يرتبط البكاء بدرجة كبيرة بالقتال. ورغم أن الدموع قلما تنهمر في خضم المعركة، إلا أنه توجد أمثلة عديدة لأشخاص يبكون قبيل أو بعد المعركة مباشرة، وعادة ما يرتبط هذا البكاء بالرغبة في نيل الشهادة. فبكاء ما قبل المعركة ينم عن تطلع للشهادة وترقب لها من قريب، بينما يعبر بكاء ما بعدها عن حالة من الإحباط وخيبة الأمل بسبب ضياع فرصتها وتواري بصيصها. وتقدم قصة يرويها أحد المقاتلين العرب في البوسنة في بداية تسعينيات القرن الماضي مثالا على البكاء الاستباقي:

أخبرني أحد الأخوة أنه سهر ذات ليلة يبكي بحرقة مبتهلا إلى الله حتى يمن عليه بالشهادة في العملية القادمة. […]وفي الليلة السابقة على العملية، أمًنا في صلاة الليل، وأُقسم أنه جعلنا نبكي بحرقة من فرط تضرعه من أجل النصر، وشدة رجائه ابتغاء الشهادة 2أبو الشقراء الهندوكوشي، مذكراتي من كابول إلى بغداد، 2007.

ويبكي آخرون عندما يُحرمون لسبب أو آخر فرصة المشاركة في المعركة. على سبيل المثال، في عام 1986، بكى مقاتل عربي أفغاني بدين يدعى تميم العدناني عندما لم يسمح له بالمشاركة في معركة جاجي:

طلبت من أسامة بن لادن أن يسمح لي بالقتال معهم وبالمشاركة في العمليات، لكنه رفض، وقال لي ’أنت ممتلئ الجثة ولا تقدر على ذلك‘. رجوته، لكنه أجابني بأن ’طاعة القائد واجبة‘ […] ثم استيقظت وسمعت أسامة بن لادن يقول ’دعونا نخرج من هنا. تراجعوا‘ فانخرطت في بكاء مرير 3باسل محمد، صفحات من سجل الأنصار العرب في أفغانستان، 1991، ص 314.

كما بكى أحد الأفغان العرب أيضا بسبب تأخره عن إحدى المعارك، مما دفع بعبد الله عزام إلى القول “يسعدني أن أرى مجاهدا كان قضى سبع سنوات في غبار المعارك يبكي بحرقة لتأخره عن عملية جهادية” 4عبد الله عزام، عبر وبصائر للجهاد في العصر الحاضر، عمان، مكتبة الرسالة الحديثة، الطبعة الثانية، 1987، ص 20.

عبد الله عزام
عبد الله عزام

رغم ذلك، يبدو بكاء ما بعد المعركة أكثر شيوعا وانتشارا في الأوساط الجهادية. وتحكي المصادر مواقف متعددة لجهاديين يبكون بسبب خيبة أملهم في أن تُراق دماؤهم في ساحة المعركة. على سبيل المثال، عندما اضطر المقاتل اليمني ناصر البحري إلى العودة إلى قاعدته العسكرية حتى يتعافى من جرح ألمَ به أثناء إحدى المعارك في البوسنة، “انخرطتُ في البكاء.؛ لقد شعرت ونحن في خضم المعركة أنني أصبحت بلا فائدة” 5ناصر البحري وجورج مالبرونو، في ظلال أسامة بن لادن: حكايات من حارسه التائب (نويي سور سين: ميشيل لافون، 2010) ص 98.

واقع الأمة المؤلم

هناك مناسبة أخرى يشيع فيها البكاء، وهي الاستماع إلى أخبار أو مشاهدة صور تحكي عذابات مسلمين مدنيين على يد أعداء الإسلام. فقد بكى أسامة بن لادن في إحدى المقابلات على قناة الجزيرة، وهو ما دفع بموقع Azzam.com في 30 ديسمبر 2001 إلى نشر مقالة بعنوان “بكاء أسامة بن لادن على الأوضاع المزرية لحكام المسلمين اليوم”. كما وُصف تميم العدناني من قبل أحد رفاقه بأنه: “إذا تحدثت إليه عن المآسي التي يعيشها المسلمون، كانت وكأنما تلم به، فينخرط في البكاء عن قلب عطوف وحس جياش”6عبد الله عزام، الجبل الأشم، لندن، مطبوعات عزام، 2003، ص 49. وعُرف عن المقاتل السعودي في أفغانستان في نهاية تسعينيات القرن الماضي، أبو زبير القبيلي، بأنه كان ينخرط في البكاء “كلما سمع بمحنة تجتاح بقعة من بقاع الأمة الإسلامية، أو مأساة وقعت في البوسنة7الهندوكوشي، مذكراتي من كابول إلى بغداد، الجزء الخامس. وفي المحكمة، أعلن البريطاني من أصول جزائرية، رحمن بنويس، الذي أدين بتهم تتعلق بالإرهاب في المملكة المتحدة في عام 2007، أن حياته كمقاتل بدأت بعد أن شاهد مقطع فيديو عن المذابح التي يتعرض لها المسلمون في كشمير، والتي جعلته يدخل في نوبة بكاء شديد.

بكاء عناصر داعش
بكاء عناصر داعش

وما يؤكد حقيقة مثل هذه التقارير، ما شوهد بالفعل من قبل بعض الجهاديين أثناء المحاكمات. فعلى سبيل المثال، بكى إسحاق أحمد، المقاتل الأجنبي النرويجي من أصول صومالية الذي كان عائدا من سوريا، أثناء محاكمته في عام 2015 عندما كان يروي حكاية فتاة تعرضت للاغتصاب من قبل جنود الحكومة، وأكد أن هذه القصة هي ما دفعه في المقام الأول إلى الذهاب إلى سوريا8منشور على موقع تويتر، @TV2Kadafi، 22 يونيو 2015. وتصف حكاية أخرى مثيرة في سيرة استشهاد محمد الموازي، المعروف أيضا باسم الجهادي جون، جلاد تنظيم الدولة الإسلامية مشاجرة بين الموازي وسلفي يحرم الممارسة السياسية في أحد مساجد لندن حول القضية الفلسطينية، ثم ينخرط الموازي في نوبة كاء شديد:

في أحد [المساجد] في بلاد الكفر، أشار [السلفي غير الجهادي] إلى انتهاكات اليهود الحاقدين ضد أخواتنا في فلسطين بأن هؤلاء النساء ’تستحقن ذلك‘. وكان لا بد من تدخل بعض المصلين للحيلولة دون أن ينهال أبو محارب [الجهادي جون] على هذا المدخلي بالضرب. فور ذلك، انخرط أبو محارب في نوبة بكاء هستيرية، وعلا نحيبه، ورأيته في صلاته يبكي في سجوده كمن فقد قريبا عزيزا9رجال من المؤمنين، أبو محارب المهاجر، دابق، 13، فبراير 2016، 23.

توماس هيجهامر – كبير باحثين في “مؤسسة أبحاث الدفاع النرويجية” (FFI)، التابعة لجامعة أوسلو

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي وهوامش الدراسة باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker