منذ عشر سنوات تقريبا، تقيم الفنانة المبدعة “هالة القوصي” بين القاهرة وأمستردام في هولندا، للعمل واستنشاق الحياة، والراصد للمجال الفني يراها زاهية اللون فيه، بل لو كان رصده دقيقا وأمينا لرآها أزهى ألوان الصورة الجماعية للجماعة الفنية!
تجليات في الدائرة الفوتوغرافية
بالأساس، تهتم “هالة القوصي” اهتماما بالغا بالصورة الفوتوغرافية، يفوق اهتمام الهواة بكثير ويعمُق عن اهتمام المحترفين، ليس لأنها دارسة في مجال الصورة فحسب، فكثيرون من الدراسين لا يكونون بمستوى دراستهم المتخصصة، إنما لكونها تملك ذائقة بصرية فريدة بالأساس، وكل ما في الأمر أن الدراسة أَثْرَت هذه الذائقة الموجودة بما أضفته من الأبعاد الأكاديمية عليها، لكنها لم تخلقها من العدم.
في مجال الصورة، كما تقول المعلومات المتوفرة عنها والتي تتشارك فيها الموسوعات والمواقع والصحف وصفحات السوشيال ميديا، حصلت على درجة الماجستير في الصورة والاتصال من كلية جولد سميث بجامعة لندن، وعملت بمجال التصوير الإعلاني حتى عام 2000، وحاضرت عن التصوير الفوتوغرافي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة بين عامي 2002، 2003، وكانت ضمن من ساهموا في تأسيس “مركز الصورة المعاصرة”، وهو المكان الأول في العالم العربي الذي يُعْنَى بالصورة بكل أشكالها، ويديره فنانون، وفي عام 2005 حصلت على منحة تفرغ، مدتها عامان، في برنامج الرايس أكاديمي فان بلدندي كونستن في أمستردام الهولندية، محل إقامتها، وهو برنامج عالمي متخصص للفنانين البصريين، وفي عام 2014 أسست “أرشيف فوتو مصر” وهو الأرشيف المختص بالفوتوغرافيا المصرية من بداياتها إلى نهايات القرن العشرين، والذي يجعل الصورة متاحة للباحثين والمهتمين في كافة المجالات.
تكتب “هالة القوصي” عن الصورة كوثيقة لقراءة التاريخ، وتقوم بالتدريس والمحاضرة أيضا في نفس النطاق النادر، وفي عام 2013 صدر كتابها المصوَّر الأول “دائرة سين” عن دار شرقيات. ومن أبلغ ما قيل عنه ما كتبه الصديق المبدع والناقد والصحفي سيد محمود في صحيفة الأهرام:
يثبت الكتاب علامات بصرية في المدينة التى تُخْتَزَل فى حدود الدائرة التى تصنعها “هالة القوصي” والتى تبدو قشرة تُؤطِّر لعالمها المختار الذى تواجه به حِسَّها بالاغتراب، إنها” ذاكرة للتواصل “أو بالأدق” وصفة للألفة، تستعين بالخيال لتقاوم الفنانة غربتها وحِسَّها الدائم بضرورة التطبيع مع الغرابة. (انتهى).
المعارض الفنية حول العالم
أقامت السيدة الرائعة، منفردة، عدة معارض فنية لصورها في عديد من الدول والبلدان، في هولندا 2006، في متحف التايت مودرن بلندن 2007، في السويد 2009، في متحف الفن والتصميم بنيويورك 2010، في متحف التصوير في مدينة براونشفايغ بألمانيا 2012، في متحف قرطاج الوطني بتونس 2012..
وفي أثناء رحلتها الطويلة الممتعة بصحبة الوسائل البصرية (الرحلة الشاقة بدون شك أيضا)؛ حازت جائزة “أبراج كابيتال” في عام 2010، الجائزة التي تعتبر أكبر جائزة من نوعها في العالم (حازتها في دبي بالإمارات عن جداريتها الضخمة “غرفة الأساطير والخرافات” المعروفة باسم “جدارية الأساطير” والتي وصفتها الفاينانشيال تايمز البريطانية بأنها “نبوءة الربيع العربي”، وقد شاركت هذه الجدارية في بينالي الشارقة الحادي عشر في عام 2013، وفي العديد من المعارض الفنية بأوروبا والشرق الأوسط في أعوام مختلفة).
وقد انتبهت لها وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية؛ وأجرت معها حوارات كثيرة بشأن أعمالها التي لا تبدو تقليدية، في شتى البحور المضطربة التي خاضتها، واللافت أنَّها، في كل مقابلة، كان لديها شيء جديد تسُرُّ به متابعيها، لديها آراء واعية، وتوصيف نبيه للأحوال العامَّة، ولديها خطط مستقبلية ممتازة، تحتاج إلى تفرغ ودعم كاملين فقط، وفي كل حين، تنتهز “هالة القوصي” فرصة الحديث العام؛ فتثبت حنينها إلى الاستقرار التام في وطنها الذي لا تجد كمثله وطنا!
توظيف وسائل التواصل الاجتماعي لخدمة الغرض الفني
جعلت “هالة القوصي” صفحتها على الفيس بوك معرضا مفتوحا للصور الفوتوغرافية، صور منوعة بين القديمة والجديدة، حية وناطقة، وبسيطة في جملتها مع كونها تغاير السائد والمعتاد في صميمها، وليست مجانية بالمرة، لكنها مكلفة مالا ووقتا وجهدا ذهنيا وعاطفيا، فيما يظهر بوضوحٍ للمعاينين، وتحمل ملامحها ما تحمله من الملامح التاريخية الأخَّاذة الآسرة لوطنٍ كبيرٍ عريقٍ، تؤرِّخ السيدة له تأريخا غير رسمي من خلال الصور.
النشأة الشمالية والجذور الجنوبية
وُلِدَت “هالة القوصي” في القاهرة عام 1974، ولها جذور تعود إلى الصعيد المصري البعيد (مركز قوص التابع لمحافظة قنا إلى جهة الجنوب ومن هنا كانت النسبة إليه في لقبها “القوصي”).. والشماليون ذوو الأصول الجنوبية، أعني من أدركهم قطار الثقافة بالذات، مميزون للغاية بالمناسبة؛ ذلك أنهم نشأوا وعاشوا بين يدي المركز الرئيسي للبلاد، وعرفوا هواه الحر التقدمي، وتفاعلوا مع زحامه وقسوته وفوضاه وقيمه الاستهلاكية وتشظِّي إنسانه، وذاقوا ميوله التي تقارب الميول الأجنبية في بعض جوانبها الغريبة، إلا أنهم احتفظوا في بواطنهم بقدرٍ وافرٍ من المورثات الشعبية لمناطقهم الأصلية الأصيلة عظيمة الحضارة وشديدة التمسك بالعادات والتقاليد؛ فكانوا بمثابة خليطٍ مدهشٍ من الرُّوح الوطنية الخالصة الراسخة التي استوعب نسيجها الفسيح بداخله أوضاعًا معاصرة متطوِّرة.
على كل حال، من اقتربوا من “هالة القوصي” إنسانيا يؤكدون امتلاكها لجملة طويلة من القيم الرفيعة، ويشيرون فعلا إلى كونها مؤسسة شخصية جامعة للنبوغ الفني والاستيعاب الحداثي، من جهة، وللخصال الطيبة كالنبل والجود والحرص على إتقان ما تفعله والصدق فيما تتلفَّظ به، من الجهة الأخرى، سواء أكان ذلك متصلا بالمهنة أو العلاقات الاجتماعية.. ويكثر هؤلاء من الحديث عن شعورهم بأنَّها “شخصٌ حميمٌ” ومن وصفها بالهادئة والمفكِّرة طوال الوقت.
حصلت “هالة القوصي” على بكالوريوس إدارة الأعمال من الجامعة الأمريكية.. وتفرغت بعد ذلك للعمل بالفن، وبالرغم من ألمعيتها في موضوع الصورة، بالمعنى الواسع لأمداء الصورة لا المعنى المحدود طبعا، وقد سبق واستفضنا فيه آنفا، إلا أن شهرتها في مجال صناعة الأفلام (الإخراج للأفلام القصيرة خصوصا) طغت عند الجماهير على عملها بخلافه من المجالات الفنية، وهو أمر بديهي تماما في الحقيقة؛ فالجماهير، في أغلبيتها وباستثناءات قليلة للغاية، أكثر انحيازا إلى ما تعرضه الشاشات من العلاقات والصراعات، ولكن الشيء الواجب ذكره هنا أن مشروعها السينمائي يستند أصلا إلى وسائط التصوير الفوتوغرافي، ضمن ما يستند إليه من الأدوات اللازمة للصناعة، كالتركيب في الفراغ والنص المكتوب والفيديو.
من أعمالها للسينما والتلفزيون
– عائلتي وأنا – مسلسل سوري 2000 (مخرج سكريبت)
– حكايات على الهامش 2005- فيلم قصير (الإخراج)
– تل النسيان 2010- فيلم قصير (الإخراج)
– البحث عن مدينة في أوراق سين 2011- فيلم قصير (الإخراج)
– زهرة الصبار2017- فيلم روائي طويل (الإنتاج والإخراج وكتابة القصة والسيناريو والحوار)
– شرق الظهيرة- فيلم روائي طويل (الإخراج، والفيلم الذي ما زال قيد التنفيذ، حاصل على “منحة الخيال” من صندوق الفيلم الهولندي ومؤسسة موندريان للفنون)
شاركت بأفلامها في مهرجانات سينمائية دولية عديدة معتبرة، وأخرجت أغنيتين، إحداهما الأغنية الشهيرة “فلان الفلاني” المهداة لأروح شهداء ثورة يناير- إنتاج 2012، من كلمات مصطفى إبراهيم وتلحين محمد عنتر وغناء باسم وديع وتصوير عبد السلام موسى.