أعلنت موخراً شركة إنتاج أمريكية نيتها اختيار الممثلة الصهيونية “غال غادوت” للعب دور الملكة المصرية كليوباترا في فيلم جديد يتناول حياة الأخيرة.
على المستوى الشخصي، لم أجد هذا الإعلان، على صفاقته البالغة وإهانته المتعمدة لمصر والمصريين، لم أجده مفاجئاً على الاطلاق؛ اذ يُعَدُّ امتداداً لتاريخ طويل من “تبييض التاريخ” الذي طالما مارسته هوليوود في أفلامها.
فحين تتناول أفلام هوليوود تاريخ العرب والأفارقة أو، ببساطه، تاريخ أية شعوب غير بيضاء، فإنها تتعمد إسناد بطولة هذه الأعمال لممثلين بيض.
وفي مقدمة الشخصيات التي تم تبييضها – إذا صح التعبير- كان السيد المسيح٫ فرغم أن الكتاب المقدس نفسه يصف المسيح في سفر الرؤيا يشبِّه شعره ب”الصُّوف” وقدميه ب”النحاس الخالص” إلا أن هوليوود أبت إلا أن يجسد هذا الدور ممثلين بيض.
فبداية من عام ١٩١٢ وحتى اليوم تعاقب على تجسيد السيد المسيح ممثلون بيض بداية من “روبرت هندرسون بلاند” في فيلم “من المعلف إلى الصليب” ومروراً ب”ويليام ديفو” في فيلم “الإغواء الأخير للمسيح” وحتى “جيم كافازيل” في فيلم “آلام السيد المسيح”.
ولم تسلم الحضارة المصرية القديمة من التبييض هي الأخرى؛ فحين بدأت هوليوود في تناول شخصية مثل “كليوباترا”، ملكة مصر البطلمية، في فيلم حمل اسمها عام ١٩١٢ أسند مخرج الفيلم “تشارلز جاسكيل” الدور إلى ممثلة أمريكية بيضاء هي “هيلين جاردنر”.
ولم يتحسن الأمر كثيراً حين قدمت نفس الشخصية في فيلم آخر عام ١٩٦٣ حيث أتت كافة الشخصيات بيضاء: الرومانية منها والمصرية على حد سواء، وفي مقدمتهم بطبيعة الحال “كليوباترا” التي لعبت دورها الممثلة الأمريكية- البريطانية “إليزابيث تايلور”، وهو ما أثار سخرية عدد من النقاد والمؤرخين.
بل إن فيلم “الخرطوم” الذي أنتج عام ١٩٦٦ والذي تناول أحداث الثورة المهدية في السودان ضد الاستعمار البريطاني لم يجد صناعه أي حرج في إسناد دور قائد الثورة “محمد أحمد” الملقب ب”المهدي” لممثل بريطاني أبيض هو “لورانس أوليفييه” الذي سبق له أن أدى شخصية “عطيل” الشهيرة على خشبة المسرح بنفس الطريقة وهي – ببساطة – طِلَاء وجهه باللون الأسود !!!
وإضافة إلى ظاهرة “التبييض” هذه، فقد التزمت أغلب أفلام هوليوود التي تناولت التاريخ العربي والإفريقي بالرواية الصهيونية؛ ففي فيلم “الخروج” الذي قدمه المخرج البريطاني “ريدلي سكوت” عام ٢٠١٤ تم الالتزام بشكل حرفي بالرواية التوراتية حول خروج اليهود من مصر.
بل إن الفيلم يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك حيث يرتكب مغالطه تاريخية فادحة ويجزم بأن ملك مصر في تلك الفترة كان “رمسيس الثاني” دون تقديم أي دليل مادي أو تاريخي أو أثري يدعم هذه الأكذوبة!
ووفقا للفنان البريطاني “أكالا” فإن الفيلم يقدم مصر القديمة وكأنها نسخة مبكرة من نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، حيث إن كافة الشخصيات الرئيسية هي من البيض سواء رجالاً أو سيدات وفي المقابل فإن كافة الخدم هم من ذوي البشرة السمراء.
ولا يسع المرء إلا أن يربط اختيار شركة الإنتاج الأمريكية لممثله صهيونيه لتجسيد “كليوباترا” بهذا التاريخ الطويل من “تبييض” كل ما هو أسمر.
إلا أن الاختيار هذه المره يعكس ما هو أبعد بكثير من مجرد تزييف التاريخ؛ يعكس صفاقة فجه تتمثل في تجاهل كمٍّ كبيرٍ من الممثلين العرب والأفارقه المميزين في هوليوود والمؤهلين للعب هذا الدور والإصرار على اختيار ممثلة ذات تاريخ ينضح بالعنصرية ضد العرب.
حيث تتباهى “غادوت” بخدمتها في جيش الاحتلال وتصر على التذكير بهذه الخدمة من خلال إعادة نشر صورتها بالزي العسكري الصهيوني على صفحاتها على مواقع التواصل.. ذات الصفحات التي أعربت من خلالها عن تأييدها للعدوان الصهيوني على قطاع غزة بل وأكدت على دعمها لسياسة جيشها في تصفية الفلسطينيين من خلال رسالة وجهتها، إبَّان الحرب على قطاع غزة عام 2014، قالت فيها: “أبعث حبي وصلاتي لأبناء بلدي الإسرائيليين، وخاصة لجميع الفتيان والفتيات الذين يخاطرون بحياتهم لحماية وطني، سنتغلب عليهم”
إضافة الى تباهي “غادوت” بصداقتها لسفاح قانا “شيمون بيريز”.
إن اختيار صهيونية متعصبة مثل “غادوت” لدور ملكه مصريه ليس إصراراً على تجاهل حقائق التاريخ فحسب، وإنما هو إهانة متعمَّدة لنا، معشر المصريين، وسط صمت مريب من المعنيين بهذا الأمر!