ثقافة

أدب أكتوبر.. إبداعات في الخنادق

في ندوة عقدت في ذكرى نصر أكتوبر منذ نحو عام، حالفني الحظ بلقاء الإذاعي القدير عادل النادي الذي شارك في حرب عام ١٩٧٣ كمقاتل.

ذكر الإذاعي المخضرم أنه كان يسجل بشكل يومي تقريباً ما يمر به هو ورفاقه على الجبهة فيما يشبه المذكرات، وشاءت الأقدار أن يعود سالماً بعد النصر ليحول هذه المذكرات، بكل ما فيها من بطولات ومشاعر إنسانية رفيعة وتجربة فريدة، إلى مسلسل إذاعي حمل عنوان “الوسام” وشارك فيه عدد من النجوم من بينهم أحمد عبد العزيزوالفنان الراحل مخلص البحيري وآخرون.

https://www.youtube.com/watch?v=4vX92GCf8I4

كانت تجربة النادي جزءاً لا يتجزأ من تجربة جيل بأكمله دفعت به تجربة ١٩٦٧ إلى الميدان، كان أغلبهم من الجامعيين وحملة الشهادات العليا الذين لم يتسنَ لهم أن ينعموا بحياة عادية؛ فقد فرض العدوان عليهم أن يقضوا سنوات ست من أعمارهم (١٩٦٧- ١٩٧٣) في الخنادق حتى حانت لحظة الثأر واسترداد الكرامة في السادس من أكتوبر.

كان من بين هؤلاء عدد غير قليل من الكتّاب والمبدعين، من بينهم، على سبيل المثال لا الحصر، الكاتب يوسف القعيد الذي شارك في المعركة حيث كان مجندا في وحدة الخدمات الطبية، وكانت مهمته الأصعب على الإطلاق هي نقل جثث الشهداء من المستشفى لتوصيلهم إلى ذويهم.

حوَّل القعيد آلام تلك التجربة إلى إبداعات أدبية من بينها روايته “في الأسبوع سبعة أيام” وتفنن فيها في تصويرمشاعر الجندي المصري وهو يودع أهله ليذهب إلى الميدان وقلق الأهل وترقبهم وهم ينتظرون أي خبر من ولدهم المجند.

عبَّر العقيد عن هذه المشاعر الإنسانية المعقدة من خلال حوار قصير ومركز بين الجندي مصطفى وأسرته:

“وقف مصطفي أمام أمه… لم يتكلم، كانت أصابعها تتحرك بشكل لا إرادي كأنها تضرب على أوتار خفية لحناً صامتا من الخوف والرعشة والحب… لحناً لم يسمعه أحد

– مسافر يا ابني

– إن شاء الله يا أمي … خلي بالك من زرعة الشتا

الرغبة فى الحديث تحرقه يود أن يقول الكثير، ابتلع كلماته

– روح يا ابني ربنا يفتحها في وشك ويجعل لك فى كل خطوة سلامة.

وفي رواية أخرى هي “الحرب في بر مصر” التي تحولت إلى فيلم سينمائي على يد المبدع الراحل صلاح أبو سيف، تبرز حرب أكتوبر مرة أخرى من خلال قصة عمدة إحدى القرى المصرية الذي يتنصل من إرسال ابنه الأصغرللالتحاق بالجيش كما يُفترض به أن يفعل، ولكي لا ينكشف هذا الأمر، يقوم بإرسال ابن خفيره الذي تشاء الصدف أن يكون اسمه “مصري” بدلاً عنه.

يؤكد القعيد  من خلال روايته أن البسطاء كانوا وقود المعركة وصنّاع النصر في حين أن آخرين استفادوا من تضحياتهم في أعقاب الحرب.

التجربة ذاتها خاضها الشاعر المخضرم زين العابدين فؤاد الذي شارك أيضاً في حرب أكتوبر كجندي، ثم ألهمه النصر قصيدته “الحرب لسه في أول السكة” والتي كتبها في اليوم الثالث للقتال أي الثامن من أكتوبر والمعارك على أشُدِّها.

احتفى فؤاد في قصيدته بالفلاحين الذين شكلوا غالبية الجنود واصفا إياهم بأنهم:

“بيغيَّروا الكتان بالكاكي

ويغيَّروا الكاكي بتوب الدّم

وبيزرعوك يا قطن ويا السَّناكي

وبيزرعوك يا قمح سارية علم

وبيدخلوكي يا حرب فحم الحريقة

وبيزرعوكي يا مصر شمس الحقيقة”

كما اعتبر فؤاد أن نصر أكتوبر ليس سوى بداية المعركة وأن على الوطن أن يعد نفسه لحرب طويلة الأمد ضد أعداء لا يقلون شراسة عن العدو الصهيوني مثل الجوع والقهر.

أما الكاتب الراحل جمال الغيطاني فكان شاهدا على كافة مراحل المعركة منذ ١٩٦٧ ومروراً بحرب الاستنزاف ووصولاً إلى نصر أكتوبر من خلال عمله كمراسل حربي في تلك الفترة.

كتب الغيطاني عشرات التقارير الصحفية من جبهة القتال ونشر 6 رسائل صحفية عن الجنود وكتب «رسائل مقاتل من أعماق سيناء» كما أسهب في وصف الجنود الذين دمروا دبابات العدو وآلياته مثل الجندي الأسطورة عبد العاطي الشهير بصائد الدبابات.

لكن إسهام الغيطاني لم يتوقف عند حدود العمل الصحفي ولكن تعداه الى تحويل هذه البطولات إلى مادة في أعماله الأدبية.

فقد ألهمته شخصية الشهيد ابراهيم الرفاعي إلى أبعد الحدود؛ فكتب روايته التي أسماها باسمه “الرفاعي” والتي أبدعها عام ١٩٧٦ وتناولت ال١٣ يوماً التي سبقت استشهاده، راسماً صورة حية لقائد حازم يعلم كيف يقود رجاله في الميدان ويرفض حتى أن يتأوَّه ويكتم ألمه حفاظاً على معنويات جنوده.

أما في مجموعته القصصية “أرض أرض” يرصد الغيطاني تضحيات المدنيين المصريين في وقت المعركه وصمودهم بالرغم من شدة القصف الذي يوحي به العنوان.

أما قصة “حكايات الغريب” للغيطاني التي تحولت إلى فيلم تلفزيوني على يد المخرجة إنعام محمد علي؛ فإنها تتناول المقاومة الشعبية في مدينة السويس الباسلة وتنتصر لفكرة البطولة الجماعية التي لا تعرف الفردية ولا الأنانية.

ومن المدهش حقاً أنه وبالرغم من هذه الوفرة في عدد الأعمال الأدبية التي تتناول النصر، إلا أنها حتى الآن لم تُتَرْجَم إلى أعمال فنية تليق بالحدث.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock