رؤى

الكتب العشرة المؤسسة للعنف.. “الدار والديار”..التكفير ووصم المسلمين بالردة (10) (ج١) 

كتاب الدار والديار لمؤلفه حلمي هاشم ليس كتابا بالمعنى المفهوم وإنما هو رخّات حقد وحنق علي الناس والمجتمع المصري والمجتمعات الإسلاميه عامة. لم يذكر المؤلف بيانا لمنهج الكتاب ولا العلاقة بين أحكام الدار والديار وإلزام الناس بأحكام لا يد لهم فيها ولا دخل. وأحكام الدار والديار في الفقه الإسلامي – كما هو معلوم – كانت اقترابا فقهيا لكيفية التعامل مع الدور والبلدان التي تحيط بدار الإسلام، أسست لما يمكن أن نطلق عليه علم العلاقات الدولية بين دار الإسلام والديار الأخري الموجودة علي ظهر البسيطة في ذلك الوقت .

لم يكن مطروحا علي الإطلاق فكرة الحكم علي الناس أو استخدامها كأداة في الحكم علي السكان المقيمين في تلك الدار وإنما تعريف لما يجب أن تكون العلاقة مع الدار كدار وليس على الأفراد داخلها. نعم هناك أحكام المستأمنين ممن يأتون إلي دار الإسلام للتجارة والسياحة وغيرها من الأغراض وهؤلاء المستأمنون لهم عهد أمان يحميهم ولهم ذمة تمنع  التعرض لهم أو الإضرار بهم طوال فترة إقامتهم بدار الإسلام وعالمه .

وحول فلسفة الحرب والسلام في الإسلام فإن فكرة الامتناع هي سبب الحرب بين دار الإسلام والديار الأخري التي عرفها الفقهاء بدار الحرب أي تلك التي لا يكون بينها  وبين دار الإسلام عهد أو هدنة،، وليست فكرة الكفر. أي أن اعتناق دين مغاير لدين الإسلام  ليس سببا في الحرب وإنما ما يوجب الحرب هو تهديد هذه الدار لبلدان المسلمين والعدوان عليها وتبني مشروع يهدد وجودها وبقاءها .

الدار والديار
الدار والديار

حارس “التكفير والهجرة” المطرود من الشرطة

حلمي هاشم، مواليد 1952 وهو ضابط شرطة تم طرده من الخدمة بسبب تشدده وتطرفه، التحق بكلية الشرطة عام 1970 وتخرج منها عام 1974، وتشير المعلومات إلي أنه كان ضابطا في الحراسات التي كانت تنقل مجموعة التكفير والهجرة من السجن إلي المحاكمات، والتقي شكري مصطفى وتأثر بأفكاره في الحكم على الناس ووصمهم بالكفر، لأنهم ليسوا مسلمين بالأساس، فهم قد طرأت علي ديارهم الردة والكفر وقد صاروا بذلك كفارا .

الخوارج:

بدأوا التكفير بعلي بن أبي طالب

فقط الخوارج هم من ربطوا بين الدار والحكم علي الناس؛ فقد اعتبروا دارهم أي المنطقة التي يسيطرون عليها هي دار الإسلام، وأن غيرها من البلدان المحيطة هي دار الكفر لأنهم لم يهاجروا إليهم، فدور الخوارج هي التي تحكم بالإسلام بينما الدور الأخري لا يعد أهلها مسلمون لأن حكامهم كفار،، وهنا نلاحظ أن الخوارج بدأوا يوجهون عنفهم الرمزي  والمادي معا لديار الإسلام فلم يحاربوا ديارا إلا ديار المسلمين ولم يحكموا بكفر إلا علي المسلمين، بل إنهم تبجحوا باعتبار علي بن أبي طالب رضي الله عنه كافرا لأنه قبل التحكيم وقاتلهم في معركة النهروان.

كان الفقهاء قد وضعوا أحكام الدار والديار كأداة فقهية للتفاهم مع العالم والتعامل معه، وكان علي رأس هؤلاء الفقهاء “جروسيوس المسلمين ” محمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة وأستاذ الشافعي وتلميذ مالك فجمع بين الرأي والحديث معا، فقد الف الشيباني كتابه “السير الكبير” بعد أن استخف الأوزاعي بكتابه “السير الصغير” وشرح الكتاب السرخسي وصار هو الأساس القانوني لعلاقة الدولة الإسلامية في عصر العباسيين بالعالم .

شرح كتاب السير الكبير
شرح كتاب السير الكبير

استخدم الخوارج أحكام الديار في مواجهة المسلمين ولصالح عصبية جماعتهم في مواجهة أمة الإسلام فكان اجتهادهم في مواجهة الأمة وليس من أجل الأمة ولصالح وحدتها وازدهارها وتقدمها، وعلى نهج الخوارج سار حلمي هاشم ومن قبله كان شكري مصطفى الذي تأثر به هاشم في بواكير حياته، ومثلهم كل متشدد أحمق يرفع سلاحه في وجه الأمة ولا يرفع سلاحه في مواجهة عدوها .

في عام 1981 نُقل هاشم إلي مصلحة السجون، وكان اثنين من أخوته قد اعتقلا ضمن اعتقالات هذا العام بسبب قتل السادات، فتم نقله للعمل بهيئة الاستثمار والمناطق الحرة، واعتقل هو نفسه بسبب علاقته بأحد أعضاء التنظيمات المتشددة، ثم أُفرج عنه عام 1983وأعيد للعمل بالهيئة العامة للاستثمار مرة أخرى، وأخيرا تم فصله من العمل عام 1986 م .

افتتح مكتبة لبيع الكتب الإسلامية، ثم صار يطبع هو ما يكتبه في كتيبات صغيرة تحت اسم مستعار هو “عبد الرحمن شاكر نعم الله”، وتشير المعلومات إلي تأثره أيضا بداعيه محلي في شبرا اسمه “عبد الله بن عمر” كان يميل لفكر التوقف والتبين والاشتغال بالحكم علي الناس، وقد سافر إلي السعودية للعمرة في عام 1979 وتواكب ذلك مع ظهور جهيمان فانضم إلي جماعته وبايع مهديهم محمد بن عبد الله وقُتل هناك .

جهيمان العتيبي
جهيمان العتيبي

اعتقل “حلمي هاشم” في عام 1986 م علي ذمة قضايا حرق محلات الفيديو، ويبدو أنه التقى في هذا الوقت  بجماعة “الناجون من النار” التي قادها “مجدي الصفتي” واتُّهم أعضاؤها بمحاولة اغتيال وزبر الداخلية حسن أبو باشا والكاتب مكرم محمد أحمد، وكان أعضاؤها يتبنون فكر “التوقف والتبين” الذي كان ينشط لنشره في القاهرة ومحيطها – خاصة منطقة شبرا – المحامي “مصطفي الخضيري”، وهو أحد أهم المتأثرين بأفكار “سيد قطب” وأحد قيادات التيار القطبي، كما نظًر لهذا الفكر الكيميائي “عبد المجيد الشاذلي” ووضع مؤلفه الضخم  “حد الإسلام وحقيقة الإيمان” والذي تم طبعه في السعودية .

حد الإسلام وحقيقة الإيمان
حد الإسلام وحقيقة الإيمان

ويبدو أن “حلمي هاشم” التقي شوقي الشيخ بالسجن قبل أن يؤسس الأخير جماعة الشوقيين بقرية “كحك” بالفيوم، وتلاقحت أفكار التوقف والتبين مع خفة علم هؤلاء جميعا وجهلهم فصاروا يكفرون المسلمين ويسيرون نحو نفس الغلو في أفكارهم وفي أنفسهم، وبعد القضاء علي الشوقيين عام 1990 فإن الفكر نفسه ظل موجودا، ويعد حلمي هاشم هو من حمل جرثومة هذه الأفكار وظل يطورها ويزيد ويعيد فيها ويذهب بها نحو مذهب الغلو الخوارجي الذي يفتقد للعلم أو المنطق أو العدل وانتحلها متشددو جماعات التكفير في داعش وغيرها. نحن أمام حالة نفسية أرادت أن تثبت لنفسها قدماً في عالم الغلو والتشدد فذهبت إلي أقصى وأقسى أحواله ودرجاته، وهي شخصية يحيطها الغموض وأغلب المعلومات المتداولة عنها تحتاج لتدقيق  بسبب أنها عاشت متقلبة وهامشية وفي الظلام المعتم الكثيف.

كمال حبيب

أكاديمي مصرى متخصص فى العلوم السياسية
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock