فن

مسرح “أكتوبر”..غياب غير مبرر عن حدث تاريخي كبير

من المدهش حقاً والمثير للاستغراب في ذات الوقت أن حدثاً جللاً بحجم الانتصار العربي في حرب أكتوبر من عام ١٩٧٣ لم يحظَ بالاهتمام أو قل الاحتفاء الكافي من صناع المسرح ومبدعيه.

إذ لا تزال الأعمال المسرحية التي تناولت هذا الحدث محدودة للغاية.

ويمكن القول إن مسرح اكتوبر – إذا صح التعبير- بدأ مع حرب الاستنزاف (يوليو ١٩٦٧- اغسطس ١٩٧٠) تلك المرحلة التي مهدت الأرض وهيأت الجيش للنصر القادم.

حيث صاغ الكاتب الراحل سعد الدين وهبة نصاً مسرحياً بعنوان “رأس العش” وقُدمت على خشبة المسرح في عرض كان من بين أبطاله سيدة المسرح العربي سميحة أيوب وهي تتناول كما يبدو من العنوان المعركة الشهيرة التي وقعت في منطقة رأس العش القريبة من بورفؤاد بين قوة مصرية صغيرة في العدد وقوة صهيونية مهاجمة وتتناول تمسك المقاتل المصري بأرضه واستبساله واستماتته في الدفاع عنها.

وفي المرحلة ذاتها٫ صاغ كاتب مسرحي آخر هو علي سالم مسرحيته “أغنية على الممر” والتي تحولت عام ١٩٧٢ إلى فيلم سينمائي على يد المخرج على عبد الخالق قام ببطولته نخبة من النجوم في مقدمتهم المخضرم محمود مرسي والراحلون محمود ياسين وأحمد مرعي وصلاح السعدني وصلاح قابيل.

تتناول المسرحية عدوان عام ١٩٦٧ من زاويه مغايرة٫ حيث ترصد مجموعة من الجنود يرابطون على أحد الممرات الاستراتيجية في سيناء ويرفضون الانسحاب بالرغم من هجمات العدو المتكررة.

وتبرز مسرحيه سالم نماذج مختلفة للمقاتلين على هذا الممر: المدرس المثالي الحالم والموسيقي المبدع وفي المقابل الشاب الانتهازي المتسلق وبين هؤلاء جميعاً فلاح بسيط لا يحلم بأكثر من حياة زوجية سعيدة ويقودهم جميعاً المقاتل الكهل الذي يأبى أن يدخل العدو الممر إلا على جثته وجثث رجاله.

كما يسعى النص إلى ما يمكن وصفه ب”تشريح النكسة” محاولاً الوصول إلى أهم أسبابها و يرجعها إلى أسباب داخلية بحتة.

ومن اللافت حقاً أنه، وفي حين ألهمت النكسة وحرب الاستنزاف هذه الأعمال، فإن النصر ذاته حين أتى أخيراً بعد انتظار وترقب في أكتوبر ١٩٧٣ لم يواكب المسرح الحدث واقتصرت المواكبة المسرحيه على بضعة أعمال محدوده من بينها “محاكمة عم أحمد الفلاح” للدكتور رشاد رشدي والتي تتناول الصراع بين العرب والصهاينة من خلال الفلاح المصري البسيط الذي أجبرته سنوات الحرب والانتظار إلى أن يتحول إلى جندي مقاتل على الجبهة.

كما قدم المسرح القومي مسرحية “حدث في أكتوبر” التي كتبها إسماعيل العدلي وأخرجها المبدع الراحل كرم مطاوع وتناولت الصراع أيضاً من خلال مجموعة من الشباب الذين يتابعون في ترقب ما يردهم من أخبار المعارك على الجبهة عبر المذياع مستعرضين تاريخ الصراع منذ بدايته مع نكبة عام ١٩٤٨.

وجمعت هذه المسرحية بين جيلين: جيل الرواد متمثلاً في الفنان القدير شفيق نور الدين وجيل الشباب حينها متمثلاً في محمود ياسين الذي صار لاحقاً العامل المشترك في أغلب الافلام التي قُدمت عن حرب أكتوبر إضافة إلى أشرف عبد الغفور وسهير المرشدي.

وعلى الرغم من الأداء المسرحي المميز والتمكن من اللغة العربية الفصحى التي قدم بها أبطال العمل عدداً من القصائد الشعرية لعبد الرحمن الشرقاوي وغيره من المبدعين إلا أن العمل سيطرت عليه الخطابية الشديدة.

كما كتب الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد نصاً بعنوان “سقوط بارليف” وتحدث رشيد في هذه المسرحية عن الجندي المصري البسيط الملقب بمحمد أفندي الذي حطم أسطورة خط بارليف المنيع في بضع ساعات لا أكثر وقام برفع العلم المصري على أنقاضه وعلى نقاطه الحصينة.

وعلى الرغم من أن النصر لا يظهر بشكل مباشر في مسرحية “باب الفتوح” للكاتب محمود دياب إلا أنه يلقي بظلاله على الأحداث حيث يتناول دياب وضع الأمة برمتها من خلال مجموعة من شبابها الذين يلجأون للتاريخ بحثاً عن مثال يحتذونه ويستقرون على فترة الحروب الصليبية وتحديداً انتصار السلطان صلاح الدين الأيوبي.

إلا أن رحلتهم إلى ذلك العصر من خلال بطلهم المتخيل “أسامة” تكشف لهم أن في ذلك العصر٫ كما في زمانهم٫ من نجح في سرقة النصر من صناعة والاستفادة من ثماره دون غيرهم.

ومع تراجع دعم الدولة للمسرح٫ لاسيما المسرح القومي٫ بداية من منتصف السبعينات٫ وسيطرة المسرح الخاص على هذا المجال وهو المسرح الذي كان يعنى في المقام الأول بالإضحاك والتسلية٫ تراجع عدد الأعمال المسرحية التي تتناول نصر أكتوبر.

أما في سوريا٫ شريكه النصر٫ فتناول الكاتب والشاعر الراحل محمد الماغوط نصر أكتوبر من خلال عملين قدمهما مع رفيق دربه الممثل والمخرج دريد لحام هما “تشرين” و”شقائق النعمان”.

“تشرين” التي أخرجها خلدون المالح، ركزت على هزيمة يونيو 1967، أو ما يعرف باسم “النكسة”، والتي أرجعها الماغوط في نصه المسرحي الى ظاهرة الانقلابات المتتالية التي عرفتها سوريا والتي رمز لها ب”ضيعة” أو قريه اسمها “ضيعه تشرين”.

ويؤكد النص أن نصر أكتوبر (تشرين) ١٩٧٣ كان بفضل تحرر المقاتل العربي من القيود التي فُرضت عليه من قبل٫ فحين منح هذا المقاتل الذي أجبرته قيادته على الانسحاب سابقاً الفرصة لإثبات ذاته حقق النصر.

وتعود الحرب لتطل برأسها في عمل آخر هو “شقائق النعمان” التي قدمت على خشبة المسرح عام ١٩٨٧ وفيها يعود من ظنه الناس شهيداً في حرب أكتوبر (رمضان) التحريرية عام ١٩٧٣ ليطوف الأقطار العربية ويصدمه ما يشاهد٫ الطائفية والحرب الأهلية قد مزقت لبنان ونصر أكتوبر يحصد ثماره في كل من مصر وسوريا (أثرياء) لم يضحّوا ولم يدفعوا ضريبة الدم.

وبشكل عام٫ يمكن القول إن سر غياب أكتوبر كموضوع عن المسرح يرجع إلى تراجع المسرح الجاد وسطوة المسرح التجاري بمنطقه النفعي البحت على “أبي الفنون” منذ السبعينات وحتى يومنا هذا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock