نقلا عن صفحة الأستاذ حلمي شعراوي على فيسبوك
شغلني هذا الموضوع لفترة من حياتي، يوم كان التحليل الاجتماعي مع السياسي شاغلا للمثقفين بشكل يومي قبل أن تأخذهم متابعة الحروب الباردة، والجائحة العالمية…الخ إلى عوالم جديدة من الاهتمامات
ولم يكن الموضوع حديثا أو اكتشافا فعليا إلاَّ للقليلين. فقد كان الراحل “وليم ديبويس” (أو ديبوا) يساريا منذ نظم مؤتمر حركة التجمع الإفريقي أو الوحدة الإفريقية Pan – Africanism أوائل القرن، حتى كتب “جورج باديمور” معاديا للتحليل الماركسي في أوائل الخمسينيات من القرن التاسع عشر في عمله المعروف عن ” حركة الوحدة، أو الشيوعي” “Pan Africanism or Communism” مبكرًا على قبول البعض في إفريقيا بالماركسية “أو اليسار السوفييتي أو الصيني… إلخ) وحتى بشيئ قريب منها مثل التنازع الاجتماعي Class Conflict أو ما شابه.
كان هذا التحفظ على التحليل الماركسي أو اليساري عموما قائما على التوقف عند مفاهيم أيديولوجية محافظة عن المجتمع الجماعي البدائي المتخلف أو الروحاني أحيانا، بحجة أنه جماعي بطبعه، ومن ثم أخلاقي وليس صراعيا. وكان ذلك ما سمى بالأنثروبولوجيا الاستعمارية باعتراف كاتب كولونيالي فعلا مثل “إيفانز بريتشارد”.
وأمام ذلك لم يبعد المثقفون الليبراليون أو المحدثون الأفارقة عن فكر مصاغ بطريقة أخرى مثل ” الأوجاماعا” “Ujamaa” نيريري أو الوجدانية (نكروما لفترة)…إلخ، وهي التي طرحت فكرة الوحدة الإفريقية Pan Africanism، بديلا للفكر التقدمي أو اليساري مثلما فعلت القومية العربية بمفهوم الوحدة العربية في العالم العربي.
واستطاعت كاريزما بعض الزعامات أن تستوعب في هذه الأطر أى فكر يساري بل وحبسته بين أسوار فعلية في بعض النماذج مثل مصر، ومعظم هذه المواقف التحفت بالدين أو مواجهة التغلغل السوفييتي والصيني… إلخ وإلى أن فشلت دولة الطبقة الوسطى الوطنية مؤسسة لنمط دولة الاستعمار الجديد كما وصفها “فرانز فانون”، وبدأت ملامح دول الاستعمار الجديد بإنكار الاعتماد على الذات أو التنمية الوطنية المستدامة… إلخ وكانت مثل هذه الأفكار تنتشر في يوجوسلافيا صديقة مصر وقتها بعنوان مقاومة نفوذ الأغنياء الجدد (نوفو ريش) كما ساد التعبير، وكنا نناقشه دائما بعيدا عن شواغل الدنيا السائدة على مقهى ريش وسط البلد أو زهرة البستان وإنديانا بالدقي، ومع طرح بعض القادة مثل “سيكوتوري”، وفي برازافيل لمفاهيم الصراع الطبقي أو قريبا منها.
ومنذئذ كتب “عيسى شيفجي” من دار السلام (تنزانيا) كتابه الشهير عن ” الصراع الطبقي فى تنزانيا” موضحا من إفريقيا المفهوم الماركسي نفسه عن هذا الصراع في إطار بعض الأعمال الأخرى في الموضوع، وعن تفسير “فرانز فانون” من هذه الزاوية أو الوضع العنصري في جنوب إفريقيا بمستوطنيها البيض في وضع شعب أبيض ضد الشعب الأسود البائس، بل وعندما قابلت الرئيس “نكروما” بعد إبعاده إلى كوناكري، أهداني كتابه “الصراع الطبقي في إفريقيا”، وعندما قدمته لابنته السيدة “سامية”، وابنه “جمال” استوليا على الكتاب نفسه. وألمحت الأستاذة سامية لي بأن أكتفي بصورة منه، رغبة منها في الاحتفاظ بتوقيع والدها!
قد أكتفي هنا بتقديم بعض أفكار “عيسى شيفجي” عن حالة تنزانيا وتعميمه للفكرة في الإطار الإفريقي.
هو يقدم المفهوم النظري أولا عن الصراع الطبقي من زاويته الماركسية مع ميل للمفهوم الصيني عن ربطها بالثورة الثقافية، مشيرا إلى أن ذلك كله كان “تابو” في إفريقيا لمدة من الزمن. وقد وضع “شيفجي” مفهوم النخبة السائد كنقيض للمفهوم الماركسي للطبقة، لأن مفهوم النخبة فقد قوته فى الغرب. بينما ما زال يصدر لدول الجنوب وحدها وخاصة إفريقيا، ولكن ذلك نفسه بدأ يضعف بسبب نشاط الحركة الثورية في القارة
فهم فى المجتمعات الرأسمالية يهتمون فقط بالعلاقات الاجتماعية الرأسمالية في إطار الملكية القانونية وليس العلاقات الاجتماعية للإنتاج، ومن هنا كانت ملكية الدولة لأدوات الإنتاج لا تدخل في التنظيم الاشتراكي في المجتمع بل يمكن أن تكون ملكية الدولة بعيدة تماما عن المفهوم الاشتراكي، لأن الدولة تسيطر عليها طبقة حاكمة، ولابد أن يكون هناك طبقة مقابلة تطالب بالاشتراكية، وهنا يصبح الصراع الطبقي صراعا سياسيا بالضرورة.
ولذا تعلن نظم شمولية أنه لم تعد هناك بعد أفكار الصراع الطبقي, لأن الشيوعية وحَّدت الشعب فيما يُزعم أنه طبقة واحدة على نحو ما فعل ستالين والسوفييت عموما لفترة. مما جعل الصينيين يهتمون بمسمى الصراع الطبقي في إطار الثورة الثقافية خوفا من حسابها ثورة داخل عامة الشعب وكفى. وكان ذلك كله ردا على مقولات “ستالين” عن نفي الصراع داخل الاتحاد السوفييتي منذ 1936، أو إعلان خروتشوف عام 1962 أن الاتحاد السوفييتي دخل مرحلة الشيوعية، وأن “الدولة أصبحت دولة كل الشعب”… وهكذا تَنفي الزعامات حتى الماركسية، إمكانية الصراع الذي لابد أن يكون سياسيا… وضدها فى النهاية ……!