عرض وترجمة: أحمد بركات
في منتصف العام الماضي، قام وفد طالباني بقيادة عبد الغني بارادار بزيارة بكين. وبحسب وزارة الخارجية الصينية، فقد ناقش المسئولون الطالبانيون والصينيون عملية السلام الجارية بين الجانبين، إلى جانب بعض القضايا الأمنية الأخرى ذات الصلة. ويعد اهتمام الصين بإدارة مستقبل السلام في أفغانستان جزءا من رؤيتها الموسعة لمنطقة باكستان – أفغانستان، حيث تنظر بكين إلى الاستقرار الإقليمي باعتباره نقطة انطلاق للازدهار الاقتصادي والقضاء على التطرف العنيف.
جاء هذا اللقاء وسط عدد من المفاوضات التي عقدت بين المبعوث الأمريكي الخاص لأفغانستان، زالماي خليل زاد وقادة طالبان. وتركزت هذه المفاوضات على وضع نهاية للحرب طويلة الأمد في أفغانستان، لكنها تعرضت لانتقادات لعدم مشاركة أفغانستان وغياب قضايا جوهرية، مثل حقوق المرأة عن أجندة خليل زاد. وبهذه الطريقة تقدم العلاقة البرجماتية بين الصين وطالبان منصة بديلة للجهات الفاعلة التي تم تهميشها من قبل الولايات المتحدة، لكنها تحتاج إلى نظرة فاحصة على العلاقة التاريخية بين الجانبين.
التاريخ السياسي للعلاقة بين الصين وطالبان
بدأت الصين الاتصال بحركة طالبان بعد وقت قصير من تصاعد العنف الانفصالي في منطقة شينجيانغ الصينية في عام 1998، حيث ارتأت الصين أن المعسكرات العسكرية المقامة في أفغانستان التي مزقتها الحرب تشكل تهديدا أمنيا مباشرا ضد أمنها، خاصة في ضوء لجوء عدد من الأويغور الذين غادروا الصين إلى أفغانستان لتلقي تدريبات عسكرية هناك. كان أحد هذه المعسكرات قد تأسس على يد طاهر يولداشيف، أمير حركة أوزباكستان الإسلامية بعد أن سمحت له طالبان بإقامة معسكر تدريب في شمال أفغانستان. وكان من بين الذين تلقوا تدريبات عسكرية هناك مسلمي الأويغور القادمين من شينجيانغ الصينية. وبدأ يولداشيف في تطوير علاقات وثيقة مع حزب تركستان الإسلامي الناشئ.
إضافة إلى ذلك، كانت بكين قلقة أيضا من الهيروين الأفغاني الذي عرف طريقه عبر الحدود الصينية الأفغانية. في ذاك الوقت، كان تمويل القوات الانفصالية داخل الصين هو أحد المصادر الرئيسة لدخل طالبان، وهو ما لم يخف على السلطات الصينية.
دفع كل هذا بالصين إلى التواصل مع الجماعة التي كانت تمارس هيمنة كبرى في جميع أنحاء أفغانستان. وفي السنوات التالية، التقى الدبلوماسيون الصينيون في مناسبات عديدة مع قادة طالبانيين، وهو ما قاد في النهاية إلى الاجتماع سيء السمعة الذي عقد في عام 2000 بين لو شولين، السفير الصيني في باكستان، والملا عمر، زعيم حركة طالبان آنذاك.
وبينما حاولت العديد من المقالات الصينية تفنيد “الأسطورة الغربية” بشأن التعاون السري بين الصين وطالبان، إلا أنها لم تنكر وجود شكل من أشكال الاتصال البرجماتي بين الجانبين. ومن ثم، فإنه ينبغي النظر إلى امتناع الصين عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1333، الذي دعا جميع الدول إلى منع أي مساعدات عسكرية ودعم فني عن طالبان بعد أسابيع قليلة فقط من اجتماع قندهار المزعوم، على أنه تسوية صينية من أجل تحسين علاقاتها مع طالبان وعدم رغبتنها في تنفير الغرب.
قضية هواوي والتعاون الاقتصادي
نجحت الصين أيضا في استثمار علاقتها الجيدة مع طالبان عن طريق تمديد نشاطها الاقتصادي في أفغانستان. فتحت حكم طالبان، عرفت العديد من المشروعات الصينية طريقها إلى أفغانستان من خلال قيام بكين بدور مهم في تطوير تكنولوجيا الاتصالات، مثل ZTE، أو عن طريق إصلاح شبكة الكهرباء المتهالكة في أفغانستان . كما أفادت تقارير بتواطؤ شركات صينية، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، مع نظام طالبان القمعي.
ففي عام 2001، أشارت العديد من التقارير إلى الدور المحوري الذي اضطلعت به الشركات الصينية في مساعدة طالبان. صدرت هذه التقارير عن أجهزة الاستخبارات الهندية التي زعمت أن شركة Huawei India أمدت طالبان بأجهزة لمراقبة الاتصالات. وقد دفع هذا الاتهام بالحكومة الهندية إلى التفكير في ترحيل ما يقرب من 180 خبيرا صينيا يعملون في مكتب “هواوي” في يبنغالور.
ومع ذلك، فقد أنكرت شركة “هواوي” والممثلون الصينيون ما ورد بهذه التقارير، ووصفوا الاتهام بأنه “لا أساس له”. جدير بالذكر أن هذه التقارير يصعب التحقق من صحتها في الوقت الراهن. رغم ذلك، تُظهر هذه الرواية وجود خط رفيع بين التعاون مع طالبان لتحسين الوضع في أفغانستان من جانب وإضفاء الشرعية بشكل غير مباشر على نظام طالبان القمعي من جانب آخر.
يشير كل هذا بجلاء إلى النهج البرجماتي الذي اتخذته بكين في تعاملها مع طالبان من أجل تلبية مصالحها الأمنية والاقتصادية. ومع ذلك، فإن الاعتراف بنفوذ طالبان والتعامل معها دون ممارسة أي ضغوط عليها للتخلي عن العنف يؤدي فقط إلى شرعنة الحركة دون أي معالجة للمشكلات والمظالم التي يعانيها الشعب الأفغاني بمختلف قطاعاته على النحو الصحيح.
دور الصين في مفاوضات السلام الأفغانية
تجلى الاهتمام الصيني بفرض حالة الاستقرار في المنطقة الباكستانية الأفغانية في الحوار الثلاثي الذي جمع بين كل من بكين وإسلام أباد وكابول. فعلى النقيض من الولايات المتحدة، تمسكت الصين بإصرارها على عقد مفاوضات يقودها الأفغان ويملكونها، وشاركت في جهود الجمع بين طالبان والحكومة الأفغانية على مائدة التفاوض. إضافة إلى ذلك، تتمتع الصين بميزة العلاقات الجيدة مع باكستان، ومن ثم بالقدرة على دفعها للقيام بدور الوسيط الأمين.
ولمزيد من فهم طبيعة العلاقة الحالية بين الصين وطالبان، يجب النظر بإمعان إلى الرسائل التي بعث بها زعيم حزب تركستان الإسلامي، عبد الحق التركستاني. فمع نشر تقارير حول انتهاك الصين لحقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ، دعا حزب تركستان الإسلامي كلا من تنظيم القاعدة وحركة طالبان إلى تقديم مزيد من الدعم الأيديولوجي لقضية الأويغور. وفي الوقت الذي بادر فيه تنظيم القاعدة دون إبطاء إلى الاستجابة عن طريق تأكيد دعمه للأويغور من خلال رسالة قام بنشرها على تطبيق Telegram، آثرت حركة طالبان التزام الصمت. قد يعني هذا اتجاه طالبان إلى تجنب إعلان دعمها، أو حتى ارتباطها بقضية الأويغور رغبة منها في عدم استعداء بكين.
لقد نجحت الصين في تطوير علاقة برجماتية مع طالبان، حيث تمكنت تدريجيا من النأي بنفسها عن الاعتماد الزائد على باكستان، وطورت في الوقت ذاته علاقة أكثر استقلالية مع الحركة. لكن، يبقى من غير الواضح إلى أي مدى دفعت الصين بطالبان إلى قبول بعض الجوانب الأساسية لعملية سلام أفغانية، مثل التعامل مع قضايا المرأة وغيرها من القضايا المهمة.
باربرا كيليمين – زميل باحث في معهد أوربا الوسطى للدراسات الآسيوية (CEIAS)
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا