رؤى

السياسات الأمريكية وعودة ظهور تنظيم الدولة في العراق وسوريا (2)

عرض وترجمة: أحمد بركات
بينما ظلت السياسات الأمريكية في العراق تركِّز بدرجة أكبر على إيران، وتسير باتجاه إنهاء الوجود العسكري الأمريكي على أرض العراق، أعاد تنظيم الدولة تشكيل صفوفه على مهل وبعيدا عن أي صخب. وعلى مدى الربع الأول من هذا العام فقط، نجح التنظيم في تنفيذ 566 عملية في العراق. وكشفت دراسة نشرت مؤخرا عن “رابطة بحوث وتحليل الإرهاب” (TRAC) أن تنظيم الدولة أعلن مسئوليته عن 100 هجوم في جميع أنحاء العراق في أغسطس 2020، بزيادة تبلغ 25% عن شهر يوليو السابق عليه. كما تتوافر أدلة لا تقبل الشك على التطور النوعي في الهجمات التي تستهدف نقاط التفتيش والثكنات العسكرية العراقية. وقد أدى تفشي الوباء وتقليص حجم التواجد العسكري الأمريكي إلى تفاقم هذه المخاوف، وسمح لمقاتلي تنظيم الدولة بملء الفراغ الذي خلفته تحركات القوات.

تصدِّر هذه الإحصاءات صورة قاتمة لما يمكن أن تكون عليه عمليات إعادة تشكيل صفوف تنظيم الدولة على مدى الشهور القادمة، ما لم يتم إعادة توجيه دفة سياسات الولايات المتحدة والدول الأعضاء في “التحالف الدولي لهزيمة داعش”. ففي حال استمرار الانسحاب الأمريكي، وبقاء العراق رهينة لأزمته الاقتصادية الطاحنة وتفشي وباء كوفيد – 19، وغيرهما من المخاوف التي لا تقل خطورة، فسوف ينتهز تنظيم الدولة الفرصة لمهاجمة السجون وتهريب عناصره وإعادة بناء صفوفه واسترداد الأراضي في المناطق التي غادرتها قوات التحالف.

الواضع الراهن للعبة: تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا

بعيدا عن التوغل التركي في عام 2019 واستعادة النظام للأراضي التي كانت تهيمن عليها جماعات المعارضة، عادة بعد عقد اتفاق بين روسيا وتركيا وإيران، ظلت الخطوط الفاصلة بين المناطق على ما كانت عليه في العام الماضي. وحول النظام انتباهه صوب الشمال حيث تقع محافظة إدلب، آخر معاقل القوات المعارضة، وتجاهل المناطق الواسعة في شرق حمص ودمشق. في هذه المناطق، يتنامى حضور تنظيم الدولة بقوة، مثلما يرتفع صخب تمرد المعارضة في الجنوب.

وفي الشمال الشرقي، تتمسك الولايات المتحدة بوجودها المحدود الذي يقدر بـ 500 إلى 600 جندي. وقد تم تعزيز هذا الوجود مؤخرا بـ 100 جندي، ودوريات نفاثة إضافية، ومركبات من نوع “برادلي” (وهي مركبات مشاة قتالية أمريكية الصنع) في أعقاب وقوع عدد قليل من المواجهات الخطيرة مع الروس. وقد سمح هذا الحضور المحدود للولايات المتحدة بالقيام بعمليات محدودة ضد تنظيم الدولة عن طريق قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف، وحماية النفط، وهي المهمة التي يروج لها دائما الرئيس دونالد ترامب. لكن هذا العدد تقلص في أكتوبر الماضي عندما منح الرئيس ترامب الضوء الأخضر للتوغل التركي في المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، شريك الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة، في شمال الرقة. ولم تتمكن الإدارة الأمريكية من تقديم أي تفسير لهروب عدد من سجناء تنظيم الدولة في أثناء التوغل التركي، وتواصل قوات سوريا الديمقراطية مواجهة أعمال الشغب ومحاولات التهريب اللتين تجريان بوتيرة متسارعة داخل السجون. كما قام الرئيس الأمريكي أيضا بقطع التمويلات عن برامج المساعدة في سوريا، مما أدى إلى وضع مزيد من الضغوط على الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في المناطق المحررة من قبضة حكم تنظيم الدولة.

لقد أعلن الرئيس الأمريكي أنه حقق نصرا مؤزَّرا عندما نجحت فرق القوات الخاصة في قتل خليفة تنظيم الدولة السابق، أبو بكر البغدادي، في أكتوبر الماضي. لكن تقديرات البنتاجون تشير إلى أن مقتل البغدادي لم يؤثر على النشاط العملياتي لتنظيم الدولة، ولم يحدث أي تغيير في استراتيجيات الجماعة. علاوة على ذلك، يقبع حتى الآن حوالي 10 آلاف من مقاتلي تنظيم الدولة داخل السجون، بخلاف عشرات الآلاف من أسرهم في معسكرات الاعتقال التابعة لقوات سوريا الديمقراطية والتي تنتشر في شمال شرق البلاد. ولا توجد خطة واضحة المعالم للتعامل مع هؤلاء الأفراد، فضلا عن عدم قدرة إدارات السجون على مواصلة احتجازهم بسبب تراجع مساعدات دول التحالف واستمرار الحرب الأهلية في سوريا.

في هذه الأثناء، يواصل تنظيم الدولة التمدد وتكثيف الهجمات في الداخل السوري. وفي المناطق التي يسيطر عليها النظام في شرق الفرات، يبدو أن تنظيم الدولة لا يزال يجد لنفسه موئلا آمنا برغم الحرب الشرسة عليه، وفي المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية في غرب النهر يتجاوز التنظيم حد التعايش والبقاء إلى النمو والتمدد. ويمثل هذا النمو استراتيجية تدعمها الرسائل التي يبعث بها التنظيم. “إن ما تشهدونه في هذه الأيام ليس سوى مقدمات أولية لتغيرات كبرى ستجتاح المنطقة وستقدم لنا على طبق من ذهب فرصا أعظم مما أتيح لنا في العقد الماضي”، كما قال أبو إبراهيم القرشي، القائد الجديد لتنظيم الدولة، في شهر مايو من هذا العام.

وقد أسهم وباء كوفيد – 19 في تسريع وتيرة هذا البعث الداعشي. في هذا السياق، يحذر قائد القوات النرويجية في العراق، شتاين جرونجستاد، من أن تنظيم الدولة سيبدأ في النمو في الوقت الذي سيقوم فيه الفيروس “بتهدئة” الآخرين. وأشار إلى أن مقاتلي تنظيم الدولة يعيشون في مناطق زراعية أقل عرضة لانتشار الفيروس، وأن التسيق بين القوات السورية أقل مما كان عليه قبل تفشي أزمة كوفيد – 19. ومن ثم، يعاود تنظيم الدولة استخدامه للقنابل المزروعة على جوانب الطرق والمتفجرات المتطورة، وتعرف الجماعة جيدا كيف تستفيد من المناطق غير المراقبة على طول الحدود العراقية السورية بما يخدم مصالحها.

وفي شهر أبريل من هذا العام، دشن تنظيم الدولة سلسلة من الهجمات على طول الحدود مع العراق استهدفت مناطق تسيطر عليها الحكومة السورية، من حمص إلى دير الزور. ويفيد مسئولون استخباراتيون عراقيون أنه في نفس الوقت تقريبا، تمكن حوالي 500 مسلح تابعين للتنظيم (من بينهم معتقلين تمكنوا من الهرب مؤخرا) من الهروب من سوريا، والعودة إلى العراق. وفي إحدى الهجمات اللافتة، هاجم مقاتلو تنظيم الدولة مدينة تدمر التاريخية المشهورة – التي استردها، ثم خسرها، ثم استعادها النظام السوري من تنظيم الدولة عدة مرات – ولم ينجح في إنقاذ النظام سوى سلاح الجو الروسي الذي تمكن من إخراج المقاتلين من حقل السخنة النفطي. كما يُشتبه أيضا في قيام تنظيم الدولة بتفجير خط أنابيب غاز سوري بالغ الأهمية في قلب الأراضي التي يسيطر عليها النظام، مما أدى إلى إفقاد السلطة اتزانها في جميع أنحاء البلاد.

كما يواصل تنظيم الدولة أيضا شن عدد من الهجمات ضد قوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي، ويسعى بقوة من أجل الاحتفاظ بحضور لافت في المناطق التي كان يسيطر عليها لإذكاء هواجس العودة. كما قاد التنظيم سلسلة مطردة من الاغتيالات والكمائن والتفجيرات في شرق سوريا في عام 2020، ويعد مسئولا عن قتل عدد من عناصر قوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية.

إليزابيث دينت – باحثة في “برنامج مكافحة الإرهاب والتطرف” التابع لـ “معهد الشرق الأوسط”، والمساعد الخاص السابق للمبعوث الرئاسي الخاص لـ “التحالف الدولي لهزيمة داعش”

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي وهوامش الدراسة باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock