رؤى

الولايات غير المتحدة الأمريكية

عرض وترجمة: أحمد بركات
بغض النظر عن النتيجة التي آل إليها السباق الرئاسي الأمريكي، يبقى من غير المحتمل أن ترأب الأمة الأمريكية حالة الصدع السياسي والثقافي طويلة الأمد التي أصابت جسدها الاتحادي.

لقد واجهت الولايات المتحدة انقسامات أسوأ في الماضي، لكنها نجحت في معركة الصمود وتحقيق التجاوز، أما في ظل حالة استقطاب تتعمق بمرور الوقت، فقد تجد أمريكا نفسها أم حالة تيبس سياسي تشل حركتها، أو ربما تدفع بها إلى أتون انتشار دعوات انفصالية، كما يطرح كتابان مهمان صدرا مؤخرا.

“لا توجد قوة ثقافية، أو دينية، أو سياسية، أو اجتماعية واحدة مهمة تجمع شتات الأمريكيين أكثر مما تفرقه”، كما يسجل الكاتب ديفيد فرينش، في كتابه الجديد Divided We Fall: America’s Secession Threat and How to Restore our Nation (السقوط في هوة الانقسام: تهديدات الانفصال، وكيفية استعادة أمتنا).

السقوط في هوة الانقسام: تهديدات الانفصال، وكيفية استعادة أمتنا
السقوط في هوة الانقسام: تهديدات الانفصال، وكيفية استعادة أمتنا

وكما أفادت الأخبار، فإن حوالي نصف الأمريكيين سوف يشعرون بالخيانة بغض النظر عن نتيجة الانتخابات. وربما كان الشغل الشاعل والسؤال الأهم الذي طرحته بقوة معركة الانتخابات المحمومة هو: أي نصف سيجتاحه هذا الشعور؟

لقد ظلت هذه الحالة من الاستقطاب المتطرف وغير المسبوق توجها عاما منذ تسعينيات القرن الماضي. وإذا واصل الديمقراطيون حشدهم في المناطق الحضرية كثيفة السكان – كما هو متوقع – فإن انحراف النظام السياسي الأمريكي صوب المناطق والولايات الريفية سوف يزداد إلى حد أنه بحلول عام 2040 سوف يكون بإمكان 70% من الأمريكيين العيش في 50 ولاية فقط، وهو ما سيجعل حجم تمثيلهم في مجلس الشيوخ لا يتجاوز 30% على أقصى تقدير.

في هذا السياق يشير فرينش – المحافظ المناهض لترامب – إلى أن “الانقسامات داخل الولايات المتحدة عميقة، ونظامنا السياسي هش إلى درجة لا تمُكنه من مجابهتها ، ومن ثم، فإن الانفصال – في نهاية المطاف – قد يكون هو النتيجة الحتمية”.

ويضيف: “إذا واصلت الضغط ثم الضغط ثم الضغط، فلا يمكنك أن تفترض أن انفجارا لن يحدث”، كما أخبر Business Insider، في مقابلة أجريت معه مؤخرا.

ديفيد فرينش
ديفيد فرينش

رغم ذلك، سيبقى حدوث هذا الانفصال على الأرض أمرا بالغ الصعوبة في بلد تتشابك اقتصاداته مثل الولايات المتحدة. وبينما تتسم الانقسامات الأيديولوجية الأمريكية بالتطرف الشديد، إلا أنها لا تحدث دائما على نحو متساو على طول حدود الولايات.

على مستوى السياق، نحن نربط الانفصال بالولايات الكونفدرالية والحرب الأهلية، لكن “لا يوجد أمريكي واحد تقريبا، في أي بقعة من البقاع الأمريكية، في لحظة أو أخرى، لم يفكر في الانفصال”، كما يقول ريتشارد كريتنر، مؤلف كتاب Break It Up: Secession, Division and the Secret History of America’s Imperfect Union (التفكيك: الانفصال والانقسام والتاريخ السري للاتحاد الأمريكي الهش).

ففي أعقاب انتخابات عام 2012، تفشت دعوات الانفصال في الولايات الأمريكية الخمسين، وحصلت حملات في ست ولايات على عدد من التوقيعات يفي بمطالبة الحكومة الأمريكية بالرد.

في ثنايا كتابه، يعرض فرينش لاثنين من سيناريوهات الانفصال التي تبدو منطقية. يتضمن أحدها مغادرة ولايات الساحل الغربي الديمقراطي الاتحاد على خلفية قوانين الأسلحة، بينما يسير الآخر باتجاه انفصال الولايات الجنوبية الجمهورية بقيادة تكساس على خلفية قوانين الإجهاض. يبقى القاسم المشترك بين كلا السيناريوهين هو شعور المواطنين في الولايات المنفصلة بأن الحزب المعارض الذي يهيمن على الحكومة الوطنية بات يمثل تهديدا وجوديا لم يعد بالإمكان دفعه عبر سياسات انتخابية رشيدة.

الاحتجاجات الأمريكية بسبب مقتل جورج فلويد
الاحتجاجات الأمريكية بسبب مقتل جورج فلويد

جدير بالذكر أن الناخبين صاروا أقل استقطابا على المستوى العرقي – إلى حد ما – في عام 2020، وهو ما يرجع في الغالب إلى بعض المكاسب التي حققها الجمهوريون من الناخبين السود واللاتينيين.

كما يبدو الأمريكيون أيضا أكثر اندماجا وتمازجا على المستوى الأيديولوجي أكثر مما قد يشير إليه تصويتهم الحزبي، حيث صوت الناخبون في فلوريدا لصالح كل من ترامب والحد الأدنى من الأجور المقدر بـ 15 دولارا، كما دعم الليبراليون في كاليفورنيا مبادرة تعفي سائقي خدمة مشاركة الركوب وعمال التوصيل عبر التطبيقات من تصنيفهم كموظفين.

يبقى سيناريو ثالث محتمل وهو أن تسيطر حالة من الجمود في حال استمرار انقسام البيت الأبيض  والكونجرس بين الأحزاب السياسية.

وبدلا من الانفصال، تصبح الولايات المتحدة ما أطلق عليه المؤرخ سانفورد ليفينسون “رجل الغرب المريض” الذي يعي تماما الإصلاحات المطلوبة لكنه غير قادر على تنفيذها على الأرض بسبب حالة التيبس السياسي التي يعاني منها.

سانفورد ليفينسون
سانفورد ليفينسون

وإجمالا، فرغم أهمية السباق الرئاسي الأمريكي الذي يفترض أنه قد وضع أوزاره، تبقى هذه الانتخابات غير مسئولة بحال عن حالة الانقسام العميق التي ضربت جسد الاتحاد الأمريكي، وإنما فقط تداعيا من تداعياته. وبغض النظر عما آلت إليه النتيجة، فإن هذا الصدع سوف يزداد عمقا حتى نصل – ربما – ذات يوم إلى نقطة الانفصال.

بريان والش – كاتب متخصص في التوجهات التي تشكل الجغرافيا السياسية والحروب

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock