رؤى

نكبة أخرى: ترامب قد يمكن إسرائيل من الاستيلاء الكامل على “الضفة” قبل تركه البيت الأبيض

عرض وترجمة: أحمد بركات
في بداية هذا العام، وفي هذا العمود على وجه التحديد، أكدت أن ضم الضفة الغربية آت لا محالة، بطريقة أو أخرى.

لم تكن الضفة الغربية وقطاع غزة يمثلان سوى نسبة الـ 22% المتبقية من فلسطين التاريخية التي تُركت للفلسطينيين في عام 1949، بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل والدول العربية.

ففي الفترة بين عامي 1947 و1949، قامت المليشيات الصهيونية، ومن بعدها الجيش الإسرائيلي، الذي كان قد تأسس حديثا واستوعب المليشيات الصهيونية، بطرد حوالي 800 ألف فلسطيني.

كان هذا العمل الوحشي من أعمال التطهير العرقي (الذي أطلق عليه ’النكبة‘) هو الإجراء التأسيسي لدولة إسرائيل. وكانت هذه هي الطريقة الوحيدة لإقامة دولة يهودية في بلد كان 95% من العرب الفلسطينيين – قبل جيلين فقط من الجيل الحالي – يشكلون سكانه الأصليين.

نعم.. لم يكن اليهود سوى أقلية في فلسطين. وبعد تدخل الإمبراطورية البريطانية فُرض المشروع الاستعماري للحركة الصهيونية على البلاد منذ عام 1917 فصاعدا.

خريطة فلسطين قبل وبعد الاحتلال
خريطة فلسطين قبل وبعد الاحتلال

وأدت عمليات الإخلاء القسري غير القانونية التي مارسها الإسرائيليون ضد الفلسطينيين في عام 1948 إلى تغيير الخريطة الديموغرافية للبلاد، وبات اليهود أغلبية لأول مرة، وعمدوا إلى استخدام العنف الشديد والقمع الاستعماري ضد أصحاب الأرض الأصليين.

واليوم، اختفت هذه الأغلبية اليهودية العابرة منذ زمن طويل، وعاد الفلسطينيون يشكلون الأغلبية فيما بين النهر والبحر.

وفي عام 1967، شنت إسرائيل حربا عنيفة أخرى ضد الشعب الفلسطيني والدول العربية المجاورة، واحتلت مساحة الـ 22% المتبقية من أرض فلسطين. وتبع ذلك موجة أخرى من الإخلاء القسري للفلسطينيين.

https://www.youtube.com/watch?v=KetFNFBN4B0

وفي العقود التي تلت ذلك، دأبت إسرائيل على ضم المزيد والمزيد من الأرض الفلسطينية، حيث يتم تدمير الأحياء والمجتمعات الفلسطينية وتجريفها ومحوها، لتُبنى على أنقاضها مستوطنات يهودية و”منتزهات طبيعية” وطرق للفصل العنصري.

لقد عملت إسرائيل طوال الوقت وفقا لمبدأ “الحد الأقصى من الأرض، والحد الأدنى من العرب”؛ ولهذا السبب تمكنت على مهل من ضم الضفة الغربية.

من المنظور الصهيوني، فإن طرد الفلسطينيين من أرضهم لا يمكن أن يسفر عن أي مكاسب ما لم يكن هناك إسرائيليون مستعدون ليحلوا محلهم، وإلا فإن الفلسطينيين سوف يتمكنوا من العودة تدريجيا من جديد.

وعلى مدى أكثر من 123 عاما، يرفض الفلسطينيون بإصرار الاعتراف بالهزيمة، ومن ثم – ومن خلال قوة المقاومة المنبثقة عن إرادتهم الجمعية – ظلوا بالفعل غير مهزومين. ربما يُقتلوا أو يُطٌردوا، لكنهم يصرون دائما وأبدا على العودة.

كما رفضت أيضا أغلب الشعوب اليهودية في جميع أنحاء العالم بإصرار الانصياع للإملاءات الصهيونية، وأبى أغلبهم مغادرة بلاده الأصلية من أجل “عودة” متخيلة إلى فلسطين، يتحولوا من خلالها إلى مستوطنين كولونياليين، ويُهجروا من أجل ذلك أصحاب الأرض الأصليين عن أرضهم.

ومارس المشروع الصهيوني الثنائية المشئومة القائمة على “غزو الأرض” و”غزو العمل”

في هذا السياق لم تكتف المليشيات الصهيونية بطرد العمال الفلسطينيين من أرضهم فحسب (حتى في الفترة الاستعمارية السابقة على النكبة)، وإنما أيضا حرمان هؤلاء العمال من أعمالهم، وهو ما أدى إلى اندلاع الانتفاضة العربية الفلسطينية في عام 1936 ضد الاحتلال البريطاني والمستوطنيين الصهاينة الأوربيين.

واقترن “احتلال الأرض” في الأيديولوجيا “الصهيونية العمالية” بتصور “العمل العبري” العنصري الذي يقوم على السماح لليهود فقط بالعمل والعيش في المستوطنات اليهودية الكولونيالية الجديدة. ومن ثم، فقد قام اتحاد النقابات العمالية الإسرائيلي العنصري “الهستدروت” بطرد العرب الفلسطينيين حتى أواخر خمسينيات القرن الماضي.

لكن، كان هناك أيضا “غزو” من نوع ثالث أقل شهرة، وهو ما أطلق عليه تيودور هرتزل في المؤتمر الصهيوني الثاني في عام 1898 “غزو المجتمعات”.

يشير هذا النمط من “الغزو” إلى التقدم عبرالمنظمات التمثيلية التابعة للجاليات اليهودية في أوربا بهدف السيطرة على هذه المنظمات نيابة عن الحركة الصهيونية. وبرغم أن هذه العملية استغرقت عقودا طويلة، إلا أنها حققت نجاحا باهرا في نهاية المطاف.

لهذا السبب يشعر “مجلس نواب اليهود البريطانيين” (الذي كان مناهضا للصهيونية حتى عام 1939) أن بإمكانه الادعاء – بلا خجل – بأنه الممثل الشرعي الوحيد للكيان الموحد (كما يفترض به أن يكون) الذي يحب أن يطلق عليه “الجالية اليهودية”، برغم أنه يرى أن دوره الرئيس في الحياة العامة هو “الضغط بلا هوادة أو خجل من أجل إسرائيل”.

هذه هي الخلفية التاريخية ذات الصلة التي يمكن من خلالها فهم خطة ترامب المزعومة للسلام والمؤامرة الإسرائيلية لضم معظم أراضي الضفة الغربية.

في وقت مبكر من هذا العام، بدت هذه الخطط قاب قوسين أو أدنى من التحقق على الأرض. لكن، مع تغير الموقف اعتُبرت هذه المخططات غير مناسبة سياسيا، على الأقل في الوقت الراهن.

لكن الآن، بينما يقف ترامب على أعتاب توديع البيت الأبيض، يبدو أن إسرائيل لديها نافذة أخرى لتعزيز رؤيتها التوسعية القصوى.

ففي الأسبوع الماضي، أعلن مايك بومبيو، وزير خارجية ترامب (والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)) أنه سيتم إصدار مرسوم باعتبار عدد كبير من جماعات حقوق الإنسان والجماعات الحقوقية والنشطاء الدعائيين الذين يدعمون حقوق الإنسان في فلسطين “معادين للسامية”، لأنهم – ببساطة – يقترفون ’جريمة!‘ معارضة الانتهاكات والعنصرية الإسرائيلية.

إنها لقطة الوداع الرئيسة التي يحاول ترامب الظهور فيها من أجل إسرائيل – حتى لو كان من غير المرجح أن تصمد أمام احتمالات التراجع – سواء في محكمة الرأي العام، أو في المحاكم الحقيقية.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بقوة.. “هل يستخدم ترامب هذه النافذة ليدفع بإسرائيل لتنفيذ مخططاتها لضم معظم أراضي الضفة الغربية؟” يعتقد بعض المحللين الموالين لإسرائيل أن هذا احتمال قائم بقوة.

آسا وينستانلي: محقق صحفي يعيش في لندن ويكتب عن فلسطين والشرق الأوسط
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock