(التحويل إلى أقراص حمراء) ، أو ما يطلق عليه بالإنجليزية من قبل جماعات اليمين المتطرف ” red pilling” ، هو مصطلح يستخدمه أولئك المتطرفون من اليمين واليمين البديل، لوصف عملية إقناع وافدين جدد بالتطرف السياسي، ووجهة النظر التي يفرضها ذلك التطرف في نظرتهم للعالم .
تأتي هذه الاستعارة من فيلم The Matrix، لكن استخداماتها الثقافية الحديثة تشير إلى تحول سياسي جذري أو كما يطلق المتطرفون عليه مصطلح” اليقظة”، حيث يستيقظ الأفراد على الحقيقة من حولهم، بحسب وجهة نظرهم.
في الحالات الأكثر حدة ، تشير عبارة red pilling إلى تطرف الأفراد في “اليمين البديل” ،و اعتناقهم لمعتقدات متطرفة تروج للازدراء والكراهية ضد الأقليات والنساء و “اليسار”، وتشرع أشكال العنف الرمزي والجسدي ضدهم.
اتصالات مغلقة
يحدث الكثير من هذا الخطاب عبر الإنترنت، لا سيما في أنظمة الاتصالات المغلقة مثل برنامج وتطبيق “ديسكورد” Discord” .
ويرتبط صعود اليمين البديل أيضًا ارتباطًا وثيقًا بالخيال العلمي والألعاب عبر الإنترنت، بما في ذلك ، اللعبة الأكثر شهرة وبشاعة “Gamergate”.
وقد أصدر مشروع Project Whispers هذا العام مجموعة بيانات تضم أكثر من 9 ملايين رسالة من أعضاء ومناصري اليمين البديل على سيرفر Discord على موقع Steam.
“Project Whispers” ، هو ذاكرة التخزين المؤقت الهائلة للبيانات التي أتاحتها مجموعة Distributed Denial of Secrets (DDoS) – وهي مجموعة من الصحفيين والنشطاء والتقنيين مكرسين لتوفير منصة آمنة لتسريب البيانات الحساسة في خدمة المصلحة العامة، و يعد ذلك المشروع الأحدث في موجة قواعد بيانات تتبع سيرفرات النازيين الجدد واليمين المتطرف.
تستضيف منصة “ستيم” Steam العديد من ألعاب الكمبيوتر ، بما في ذلك المئات من ألعاب أبطالها، أفراد لا يكفون عن إطلاق النار،على أسس وقناعات يمينية.
يأتي في هذا السياق مثلًا لعبة Freedom Fighters ، وهي “لعبة إثارة وحركة مكثفة تدور أحداثها في “تاريخ بديل” في نيويورك خلال غزو قوة عظمى أجنبية”.
هناك أيضًا لعبة Call of Russia ، و يتصدى فيها اللاعبون لشخصية فلاديمير بوتين مفتول العضلات لحماية “الوطن الأم” من غزو “الفراء” وهي (ثقافة فرعية ، تضم العديد من المثليين والمتحولين جنسيًا ، الذين يرتدون زي الحيوانات).
تُمكِّن غرف الدردشة في تطبيق Discord والمرتبطة بـمنصةSteam اللاعبين من مناقشة ممارسة الألعاب ، وكما يتضح بشكل متزايد ، فقد أصبحت مرتعًا لمجموعات اليمين المتطرف التي تمجد العنف وتبحث عن مجندين جدد.
و يستعد العديد من هؤلاء اليمينيين لما يطلقون عليه ” بوجالو” أو حرب أهلية قادمة قائمة على العرق في الولايات المتحدة.
و غالبًا ما تشير حركات “بوجالو” المتنامية، أو خلاياها المنتشرة في الفضاء الإلكتروني ، إلى أعضاءها أو “حبوبها الحمراء” كجزء من إدراكها أنها بحاجة إلى “تسريع” التفكك المجتمعي بحيث يمكن أن ينشأ عن ذلك مجتمع جديد و”صحوة جديدة”.
لغة خاصة وسخرية
تتمثل إحدى طرق التعامل مع هذه الظاهرة المقلقة في تحليل الأشكال المحددة للغة المستخدمة من قبل الجهات اليمينية المتطرفة.
و عند فحص اتصالات المتطرفين اليمينيين من سيرفر تطبيقDiscord ، يمكننا أن نرى أن عملاء اليمين المتطرف يتحدثون بطرق معينة ومميزة ، سواء فيما بينهم أثناء تطويرهم وتعزيزهم لشبكات تضامنهم ، أو عندما يتواصلون مع أعضاء المجتمع الأوسع لتجنيدهم لقضيتهم.
أن تصبح جزءًا من بيئة متطرفة يعني البدء أولًا في استخدام معجم دائم التغير من النكات الساخرة و السخرية في النكات والشعارات والتي تشمل مصطلحات ساخرة من الأعداء مثل “محاربو العدالة الاجتماعية” و “فول الصويا” و “الماركسيون الثقافيون”، علاوة على تسمية الأعضاء أنفسهم بأسماء مثيرة للسخرية والضحك.
ذلك الاستخدام للسخرية له وظيفتان. أولًا، يسمح بتحدث الأفكار المتطرفة في وقت واحد مع الحفاظ على قابلية التراجع علنًا: “إنها مجرد مزحة . ثانيًا ، يُضمن الوافدين الجدد في خطابهم نكات تمييزية عن اليهود والمسلمين والنساء وغيرهم من أهداف الكراهية. تسمح هذه الفكاهة بالتطبيع التدريجي لأشكال أكثر تطرفًا من اللغة الموضوعية ، وهي عملية يمكن أن يطلق عليها “اسخر منها” حتى “تصنعها “.
تأطير العنف
تتضمن الطبقة الثانية من لغة ” التحويل إلى أقراص حمراء” red pilling “، ما يسمى لغة “تأطير العنف” والتي تهدف إلى جعل الكراهية المتطرفة “منطقية” .
وتتمثل المنظومات الفكرية التي تنتج تلك اللغة في التالي:
المؤامرة: وتقوم على فكرة أن العالم وراء الكواليس يدار من قبل الأثرياء، المجرمين ، الأقوياء ، الاشتراكيين ، و الجمعيات السرية ، و اليهود .
الفاكهة المحرمة: وتقوم على أن المتآمرين يمتلكون امتيازات مادية وسياسية وإجرامية عميقة ، بما في ذلك الامتيازات الجنسية للرجال على النساء والقصر.
الموقف الساخر للغاية: والذي يقوم على أن جميع المُثل العالمية النبيلة هي أكاذيب وأدوات في أيدي “الأعداء” لنزع القوة عن الأشخاص “الشرفاء” و “المحترمين” .
الفكرة الكلية الشمولية التي تقوم على أن معنى الحياة ، الكامن تحت القشرة الزائفة للمثل والقوانين الاجتماعية ، يقوم على الصراع و الحرب، وهي “حقيقة صعبة” يجب تبنيها بشكل صارم، لكبح كل المشاعر ” الساذجة” الرومانتيكية.
الموقف المانوي: الذي يقوم على روية العالم منقسمًا إلى أصدقاء وأعداء ، وهو موقف “إما / أو”، يعتبرأي نوع من التسويات والتفاوض تضليلًا.
وجهة النظر الاحتقارية وشبه النخبوية: وتقوم على قناعة بأن الناس العاديين غير المتطرفين هم حفنة من الحمقى أو المغفلين.
أخيرًا توجد أفكار “تعبئة العنف”، في قلب العقل الراديكالي. ويتم قبول تلك الدعوات والأفكار ، بالاقتران مع (وغالبًا ما يكون استنتاجات من) أفكار تأطير العنف، بما يسمح مباشرة بالعنف الفعلي ضد الآخرين.
العنف في الألعاب
نزع الإنسانية
يمكننا الكشف عن فئات مختلفة من العنف مثل تعبئة الأفكار والتعبئة اللغوية.
يقوم النوع الأول على نزع الصفة الإنسانية عن الأعداء والجماعات الخارجية المليئة بالكراهية. تصور اللغة النخب المخولة كحيوانات مفترسة (مثل الذئاب والنمور والثعالب) ليتم تدميرها بعنف.
في نفس السياق، يتم تصوير الفئات الخارجية الضعيفة مثل المهاجرين والمعوقين والمتلقين للرعاية الاجتماعية على أنهم طفيليات ، ويحتقرونهم بسبب ضعفهم ، لأنهم يمثلون استنزافًا غير منتج للثروة التي ينتجها الأشخاص الصادقون والمنتجون،لكن أخطر تجريد من الإنسانية – مشابه لما حدث خلال معاملة النازيين لليهود بالإبادة الجماعية – هو تصنيف الغرباء على أنهم مجرد مسببات للأمراض غير النظيفة أو السامة أو المعدية التي يجب إزالتها بشكل عاجل من المجتمع ، أو حتى إبادتها.
الشكل الثاني للغة المحفزة على العنف في الرؤية يتمثل في الرأي القائل بأن الوضع ، تحت السطح وخارجه، رهيب لدرجة أن عدم التصرف والتصدي له – في أسرع وقت ممكن-سيكون كارثيًا.
في هذه المرحلة ، فإن عدم التصرف بعنف “لا معنى له”، بالنسبة للأفراد الذين يعانون من الخوف والخجل ويعتبر ضعفًا لا يغتفر.
تم استهداف اللاعبين عبر الإنترنت ، غالبًا من الشباب غير المتزوجين ، في بيئة افتراضية مشبعة بالروايات المروعة للحرب (الأهلية) والمؤامرات والغزو ، حيث يُدعى اللاعبون لقتل الأعداء بلا رحمة من قبل عملاء اليمين المتطرف .
إذا أردنا منع المسلح التالي من الخروج من منصات الألعاب مثل Steam ، أو منع هؤلاء الذين يخرجون إلى الشوارع لتجسيد الالعاب التي يمارسونها على الإنترنت ، فإن الحاجة إلى فهم لغة و آليات عمل هذا التطرف باتت ضرورة ملحة.
* ماثيو شارب: أستاذ الفلسفة في جامعة ديكين. يقوم شارب بتدريس الفلسفة الكلاسيكية والبلاغة وتاريخ الأفكار
مصدر الترجمة