ثقافة

“صاحب الظل الطويل” لجين ويبستر… تلك الأشياء الصغيرة التي تحدث كل يوم 

هبة الروتين اليومي

هذا ما ألتفتت إليه “جيروشا”.. فهى رغم أعوامها السبعة عشر لم تطأ قدمها أبدا منزلا عاديا… يسكنه بشر لهم حياة طبيعية وهو ما يعنى لا أيتام لا أوصياء لا انتظار منحة من مسحة على الرأس أو ابتسامة أو مداعبة.. منزلا تحفظ جدرانه قدرا من خصوصية.. بعض من ذكريات مرة كانت أو حلوة.. المنزل بكل ما يعنيه من انتماء.. جذر يضمن العودة وبقاء أثر ولو من بعد رحيل.. وغياب الشيء هو ما نجعلنا نعيه.. وأما حضوره فيعمينا عنه اعتياده.

ربما هناك ميزة!

“جيروشا” وبفضل عطف وصي لا تدرى عنه أكثر من ظله الطويل…  والذى يأمل أن تصير كاتبة عظيمة ألتحقت بالجامعة… جاءتها “سالى مكبرايد” رفيقتها فى السكن… وقد أقحمت رأسها فى غرفتها شاكية “أشعر بالحنين إلى البيت حتى أنني لا أستطيع احتماله… هل تشعرين بالإحساس نفسه؟”… وأدركت “جيروشا” حينها أنها نجت على الأقل من مرض الحنين إلى البيت.. فهي لم تسمع بأحد عانى الحنين إلى الميتم!

ما يعنيه ميتم اللقطاء

أن تحسب نفسك غريب الأطوار… مختلف عن كل من عرفت وكأنما كُتب على وجهك عبارة “ميتم جون غرير”… الكره ولا سيما للمحسنات التي يتقدمن بعد قراءتها ليقلن شيئا مهذبا… إحساس الغربة والجميع يتقاسم ماضي يرتبط بلعبهن ونكاتهن… هذا ما خطته “جيروشا” بأحد رسائلها إلى صاحب الظل الطويل وهي تؤكد عليه ألا يتوقع منها أن تتمتع بأي تهذيب… فميتم اللقطاء ليس مدرسة لإعداد سيدات المجتمع الشابات… ولكنها بذات الوقت مؤمنة بأنه لا وجود لأي اختلاف حقيقي داخلي… ووحدها الذكريات التي من الصعب أن تدير لها ظهرها.. تمحوها لتصير محبوبة بقدر أى فتاة أخرى.

نقلة نوعية فى حياة يتيمة

بل طفرة بحياتها يوم صار لديها ستة فساتين دفعة واحدة.. كلها جديدة وجميلة ومبتاعة من أجلها.. لم تُقدم لها من أحد يكبرها سنا… “جيروشا” أصابها دوار تجربة الامتلاك.. الاختيار وانتقاء بما يلائم قوامها.. لون بشرتها وعينيها.. ما تحب من ألوان وما يريحها من خامات.. ربما وحده شعور الامتنان حيال وصيها المحسن الذى منحها إياهم ما سيقف حائلا دون شعورها الكامل بالعادية.. وهو حتما سبب رئيسي لعزمها على سداد فاتورة تعليمها وإعالتها ريثما يتسنى لها.

من ذاق التمس الأعذار

“صندوق المعونات… لا يمكنك تخيل كم كنت أخشى الظهور فى المدرسة بتلك الثياب البائسة من صندوق المعونات… كنت واثقة تماما أنني سأجلس فى صف قرب الفتاة صاحبة الثوب… وأنها ستهمس وتقهقه وتخبر الأخريات بذلك… إن مرارة ارتداء ثياب عدوك المطروحة تنهش روحك… ولو ارتديت جوارب حريرية لما تبقى من حياتى… فلا أظننى سأمحو تلك الندبة”… دفاع “جيروشا” إيذاء ظنها باتهام الوصي لها بالوضاعة والتفاهة والسطحية واعتبار تعليم الفتاة هدر للمال.. إذ تعير الثياب أهمية قصوى.. تنفق فيها بسخاء ويشغل وصفها الدقيق لها حيزا كبيرا من مراسلتها.. وتؤكد على أنه لو قُدر له ارتداء القماش القطني ذا المربعات طيلة حياته فسيفهم ما تشعر به.

https://www.youtube.com/watch?v=gtNEFq8qthw

تتطهر الأرواح بالاعتراف بنقائصها

“جوليا بندلتن” رفيقتها بالجامعة المنتمية لعائلة عريقة… والتى لا تفتأ تتباهى بها أو ربما بدا الأمر كذلك لـ “جيروشا” ومثلها قطعا لا يأتي على ذكر نسبه المجهول… وحتى اسمه شخصيا تم اختياره عشوائيا من سجلات التليفون.. لذا حين نجحت فى الانضمام إلى فريق كرة السلة راقها إخفاق ذات الحسب والنسب حتى هون عليها ما كان يصيبها من كدمات.. وربما وحدهم الأنقياء بفطرتهم لا يتحرجون من كشف سجاياهم اللئيمة.. السجايا المكتسبة لا الأصيلة.

رسائل من طرف واحد

الصفقة التى عقدتها “جيروشا” مع الوصي السيد “سميث” وهو اسم افتراضي.. وقد نابت عنه مشرفة الدار السيدة “ليييت” إذ لم يحدث أن ألتقته.. ولكنها نكثت بعهدها فلم تستطع كبح رغبتها فى تلقي رسائل بالمقابل منه.. من الصعب أن تتخيل الشخص الوحيد الذى أعتبرته عائلتها بأكملها بشكل مجرد مثل نظرية هندسية.. ولعل إزعاجه بأسئلتها وفضولها لمعرفة هيئته وسنه لهو من أولى أعراض الانتماء وتمهيدا للإصابة بمرض الحنين.

ثمانية عشر عاما خاوية

الماضي الذي تفتقده “جيروشا” هو ما خلق هاوية جهل بعقلها.. هي لم تسمع بأمور تعرفها جيدا الفتيات اللاتي لديهن عائلات ومنازل ومكتبات وأصدقاء.. ولما أدركت عمق مداها سنت قانون جديد يقضي بامتناعها عن الدراسة مطلقا فى الليل مهما كان عدد المراجعات المكتوبة المطلوبة صباحا.. وبدلا من ذلك ستقرأ.. حكايات أمي الإوزة، سندريلا، ذو اللحية الزرقاء، جين آير، أليس فى بلاد العجائب.. كتبا سهلة ومتاحة ولكنها وعلى مر سنى عمرها الأولى كانت أبعد من سماء سابعة.

https://www.youtube.com/watch?v=ZcMHW8xGtC4

الحكي بديل الانفجار

 جيروشا” يوشك لسانها أن يفضح كل شيء… حين يتملكها شعور سجين هارب فى كل مرة تغادر فيها الكلية… بالكاد تمسك به فى آخر لحظة إذ يصعب على أمثالها ممن يحسنون الظن بالناس بطبيعتهم ألا يقولوا كل شيء يعرفونه… وإذ تفضي به لصاحب الظل الطويل لهو بديل الانفجار… ومن هنا كانت تراسله بشكل شبه يومى.

أشياء صغيرة ما بين جليلة ومخيفة

“جيروشا” تتطلع لأن تحصل على جدة… رغبت بالأمر حد طلبها من “سميث” التظاهر بكونه جدتها… وعليه أشترت قبعة كهدية لها فى عيد ميلادها الثالث والثمانين! … وبذات الوقت يخيفها فقدان بساطتها التى كانت تتحمل أشياء كثيرة… بعدما حظت بما لم تكن لتتخيل امتلاكه يوما… فلأن قُدر لها العودة إلى جون غرير لانفجرت وحطمت كل كوب وطبق فى الميتم.

فتاة بدلا من لقيطة

اكتشفت “جيروشا” غمازة جديدة لم يسبق لها أن رأتها قبلا.. ربما لأنها المرة الأولى التى تنظر فى المرآة باعتبارها فتاة لا لقيطة… وبوسعها الآن أن تتفق وتختلف وتنشئ نظرياتها الخاصة.. تختلف مع النظرية القائلة إن الحظ العاثر والحزن وخيبة الأمل تنشئ قوة أخلاقية.. وتتفق أن الأشخاص السعداء هم الذين يفوزون بالمحبة.. فهي ليست مقتنعة بمبغضي البشر.

هل يمكن لوصي إدراك مشاعر لقيطة

“جيروشا” لا تفترض أن شخص يتمتع بمكانة هامة يفهم ولو قليلا شعورها وكأنها في بيتها حين تكون في الكلية… أو ربما عدت العالم هو بيتها بعدما صارت تنتمي حقا إليه وقد كانت تزحف على سطحه فحسب.

الهروب أمر بديهي

حين تضع فتاة جائعة فى التاسعة من عمرها فى مخزن المؤونة لجلو السكاكين.. وجرة البسكويت تحت مرفقها.. وتخرج وتتركها وحيدة.. ثم تظهر ثانية ألا تتوقع أن تراها مكسوة بالفتات؟.. ثم حين تضربها على مرفقها وتصفعها وتجبرها على ترك الطاولة عند تقديم البودنج.. وتخبر كل الأطفال أن هذا العقاب لكونها سارقة.. ألا تتوقع منه أن تهرب؟.. ذلك لأنهم فى الميتم يحفزون فى الأطفال سمة وحيدة هى الواجب.. بينما تؤمن “جيروشا بأنه من الأحرى أن يجعلوا دافعهم لفعل كل شئ هو الحب.

كلمات فارغة لديهم أساسية ودائمة لديهن

فالرجال يضطرون لعيش حياة عديمة الألوان.. الشيفون والدانتيلا المشغول بالإبرة من البندقية.. التطريز اليدوى والنسيج الإيرلندى مجرد كلمات فارغة لديهم.. فى حين ترى “جيروشا” أن المرأة سواء أكانت مهتمة بالأطفال أم بالميكروبات أم الزواج أم الشعر أم الخدم أم متوازى الأضلاع أم أفلاطون أم لعبة البريدج.. فهي مهتمة بالثياب اهتماما أساسيا ودائما.

“جيروشا” تكتشف السر الحقيقي للسعادة

فليست المتع الكبيرة الهائلة هي التي تهم.. بل صنع الكثير منها من متع صغيرة.. ويكمن هذا في أن تعيش اللحظة… وألا تتحسر على الماضي على الدوام أو تفكر بالمستقبل.. بل أن تحصل على أكبر قدر من هذه اللحظة.

بدا الأمر وكأنني أحرق جثة طفلي

شعور “جيروشا” حين حشرت بكلتا يديها روايتها الأولى بفرن الغاز.. وحين خلدت إلى النوم أصابها إحباط ظنت معه أنها لن تكون أي شيء.. وأن وصيها المحسن بدد ماله مقابل لا شيء.. ولكنها أستيقظت فى الصباح وفى ذهنها حبكة جديدة.

كم عدد الأشخاص الذين سيتحلون بشجاعة قراءة قصة حياتهم؟

بشرط ألا ينسوها وعليهم أن يعيشوا حياتهم وهم يعلمون إلام سيؤول كل شيء.. يترقبون الساعة التى سيموتون فيها.. كم سيتحلون بشجاعة قراءتها؟ وكم سيكبحون فضولهم بقوة للهرب من قراءتها؟ حتى إن كان ذلك مقابل العيش بلا أمل وبلا دهشة.. تساءلت “جيروشا”.

كتاب ينهي نفسه بنفسه

“جيروشا” تعاود الكتابة هذه المرة عن شيء تعرفه تمام المعرفة… فالأحداث تجرى فى ميتم جون غرير… عن الأشياء الصغيرة جدا التي تحدث كل يوم… ولذلك فهى تراهن “سميث” على أنه سيُنشر…  فثمة أمر ترغب فيه بقوة كافية وتديم المحاولة حتما ستحصل عليه.

ما يفتقر إليه آخرون

ممن نشؤوا محاطين بالأشياء العادية.. فالمغامرة الخارقة هى من منحت “جيروشا” زاوية أطلت منها على الحياة.. أنضجتها وأهلتها لتكون رأيا بالعالم.. فمثيلات “جوليا” لم يعرفن أبدا أنهن سعيدات لأنهن اعتدن السعادة حتى ماتت أحاسيسيهن بتمييزها.. أما وهي فعلى ثقة من سعادتها فى كل لحظة من حياتها وهو ما ستحرص على استمراريته دوما.

“جيروشا” ترغب بعائلة وحسب

ولكنها حين تكتشف أن عم “جوليا” “جيرفى” الرجل الذى وقعت فى غرامه.. و”سميث” صاحب الظل الطويل والتى تعتبره كامل عائلتها ذات الشخص.. أدركت تبعات أن يصبح لديها شخص غال تقلق من احتمال خسارته.. راحة البال التى ستغادرها إلى الأبد وقد كانت قبلا طائشة ولا مبالية.. ولكنها ليست آسفة رغم ذلك لأن هذه الراحة المملة لم تكن تهمها يوما.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock