انطوت بداية تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي، على تنفيذ برامج الخصخصة، وتطبيق قانون شركات قطاع الأعمال العام رقم203 لعام 1991، مما أسفر عن موجة الاستغناء عن العمالة وارتفاع في معدلات البطالة. فقد انخفض على إثره عدد العاملين في القطاع العام من أكثر من مليون عامل في بداية التسعينيات، إلى نحو 405 ألف عامل في منتصف عام 2003. وتوقفت الحكومة عن تعيين مزيد من الخريجين بالقطاع العام. مما أدى إلى إغراق سوق العمل بأعداد هائلة من القوى العاملة لم يستوعبها القطاع الخاص. وانضمام أغلب من تركوا وظائفهم وفقا لبرنامج المعاش المبكر لصفوف العاطلين؛ نظرا لضعف أداء سوق العمل وانخفاض فرص التدريب، وبالتالي لم يستطيعوا استثمار المكافآت التي حصلوا عليها.
من جانب آخر تسببت حرب الخليج عام 1991 في عودة نحو مليون من العاملين المصريين إلى سوق العمل المصري وبالتالي واجه الاقتصاد المصري ضغطا هائلا على فرص العمل المتاحة.
https://www.youtube.com/watch?v=2bjMtKG7DX0
أدى ذلك إلى نمو العمل غير الرسمي بشدة وبطريقة غير مسبوقة في مصر، خلال تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي في التسعينيات، وتحديدا بسبب الخصخصة. واستمرت أزمة عدم استقرار العمالة، خصوصا في القطاع الخاص غير الرسمي. حيث يعد أكثر فئات المشتغلين تأثرا بالأزمة، هم العاملون بأجر منتظم بالقطاع الخاص غير الرسمي، إضافة إلى العاملين لحسابهم خارج قطاع الزراعة، وأرباب العمل. واتساع الفجوة بين ظروف العمل في القطاعين الحكومي والخاص بشكل أكبر. ففي حين شهد العاملون في القطاع الحكومي تحسنا ملحوظا فيما يتعلق بظروف العمل، سجل جميع الموظفين الآخرين بالقطاعات الأخرى تغيرا في ظروف العمل نحو الأسوأ. كما تراجعت مستويات الدخول، وانعدام الأمن الوظيفي، وتراجعت مساهمة الإناث في القوى العاملة، كما تم تجميد نشاط العديد من المؤسسات الصغيرة ومتناهية الصغر.
وقد أنشئ الصندوق الاجتماعي عام 1991- والذي تحول عام 2017 إلى جهاز المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر – للتخفيف من أثر البطالة الناجم عن خصخصة المصانع الكبيرة. والتحيز للسياسة الصناعية الكثيفة رأس المال منذ الثمانينيات.
بدأت الآثار السلبية لسياسة ضمان التشغيل في الأجهزة الحكومية والقطاع العام التي اتبعتها الحكومة منذ ستينيات القرن الماضي في الظهور بشكل واضح مع تضخم الجهاز الإداري للدولة. وارتفعت معدلات البطالة المقنعة. الأمر الذي دفع بالحكومة المصرية إلى التراجع عن الالتزام بتوظيف الخريجين. لكن ما سبق الحكومة إلى الإعلان في عام 2002 عن برنامج للتوظيف الحكومي في بعض التخصصات المطلوبة. وشهد هذا البرنامج إقبالا من العاطلين والمشتغلين معا، نظرا لتدهور ظروف التشغيل، كم شهد إقبالا واسعا من الإناث لما يوفره من ظروف تشغيل وساعات عمل أكثر تناسبا مع احتياجاتهن مقارنة بما يقدمه القطاع الخاص. وكان من الصعب على الحكومة أن تلجأ لهذا الحل مرة أخرى نظرا لكبر حجم العاملين بالجهاز الإداري للدولة وانتشار البطالة المقنعة.
ولم تضع الحكومة سياسة صريحة لسد نقص بعض التخصصات في الجهاز الإداري في السنوات التالية، ولجأت بعض الجهات إلى التعاقد المؤقت والذي سرعان ما تحول إلى باب للفساد وتشغيل أبناء العاملين وأصحاب “الواسطة” دون اعتبار للكفاءة وحاجة العمل مما ضرب بعرض الحائط مبدأ تكافؤ الفرص. ولكن جاءت ثورة يناير 2011 لتشكل عامل ضغط على الحكومة لتثبيت أصحاب العقود المؤقتة بالإضافة إلى تشغيل أوائل الخريجين وأصحاب الدرجات فوق الجامعية. وتشير بعض التقديرات إلى أن عدد من تم تثبيتهم وتعينهم خلال السنوات الثلاث الأولى بعد الثورة يتراوح بين 800 ألف إلى مليون فرد. ونتج عن ذلك تضخم حجم مخصصات الأجور في الموازنة العامة للدولة. تبع ذلك قانون الخدمة المدنية بهدف رفع كفاءة أداء الجهاز الحكومي وتحجيم النمو المتسارع في بند الأجور. وقد واجه القانون معارضة عيفة قبل صدوره نتج عنها بعض التعديلات، وجار الآن إعادة النظر في بعض بنوده.
ومع ارتفاع سقف المهارات المطلوبة من قبل القطاع الخاص، لم يستطع هو الآخر- في ظل استمرار فجوة المهارات وانخفاض جودة التعليم (جانب العرض) – تعويض نقص هذه الوظائف. خاصة مع تسارع وتيرة الانفتاح التجاري والعولمة بالنسبة لمعظم القطاعات والأنشطة الاقتصادية. الأمر الذي أسفر عن تنامي ظاهرة استقطاب العمالة الماهرة وتزايد معدلات البطالة الهيكلية.
ويمكن القول إن هذه الفترة قد كشفت عن خلل في ديناميكية سوق العمل استمرا في التفاقم عبر الزمن بسبب عدم اتساق مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل وخاصة في القطاع الخاص.
عقب الأزمة المالية العالمية 2008، ثم ما تالها من ثورة 25 يناير 2011 وصولا إلى ثورة30 يونيو. أصبح نسبة من يعملون في القطاع الرسمي 39.6% فقط، بينما يعمل بالاقتصاد غير الرسمي 60.4%، تحت ترتيبات غير رسمية أي دون عقود أو تأمينات صحية أو اجتماعية أو الإجازات مدفوعة الأجر، ويساهمون بما يوازي 30 -40% من الناتج المحلي الإجمالي. وتأتي الزراعة في المرتبة الأولى حيث يعمل بها 44.8% من إجمالي العمالة غير الرسمية في مصر، ثم الصناعة 24.6% ويتركزون بشكل أساسي في الورش الصغيرة كالحدادة والنجارة ومصانع الأغذية الصغيرة وكذلك مصانع إعادة التدوير كالبلاستيك، ثم الخدمات ويتركزون 30.6% في قطاع التشييد والبناء وتجارة التجزئة والمطاعم بشكل أساسي. وتشكل حوالي 90 % المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر من المشروعات غير الرسمية في مصر، وتتسم هذه المشروعات بالهشاشة الشديدة بسبب عدم قدرتها على الوصول للتمويل. تعاني الشركات الرسمية القائمة بالفعل من العديد من المشاكل المرتبطة بجمود بيئة العمال في مصر، وصعوبة الحصول على التراخيص اللازمة وارتفاع معدلات الضرائب وغيرها من المشكلات.
لقد شهدت الفترة (2001 – 2005) تزايدا في البطالة مرة أخرى. حيث يفسر هبوط التشغيل خلال هذه الفترة تنفيذ سياسة تعويم الجنيه المصري في عام 2003 وحتى عام 2005. فقد أدت هذه الخطوة إلى تأثير سلبي على النشاط الاقتصادي. ولكن بدءًا من2005 ارتفع طلب القطاع الخاص على العمالة بشكل كبير، وحتى الأزمة المالية العالمية عام 2008.
ورغم أن الدراسات تشير إلى محدودية أثر الأزمة المالية العالمية عام 2008على معدلات البطالة ومعدلات التناقص في التشغيل؛ إلا أنها أثرت في العاملين بالقطاع غير الرسمي الذين يتصدرون نقص التشغيل واستقطاعات الرواتب عقب الأزمات. وطبيعة واتجاهات الصدمة، كما أثرت على القطاعات التصديرية وكثيفة العمالة بشكل خاص، وبشكل طفيف على باقي القطاعات. فقد شهد قطاعا السياحة والملابس والمنسوجات تراجع عوائد التصدير بشكل ملحوظ، جراء الأزمة وبالتالي كانا الأكثر تأثرا بالنسبة لنقص التشغيل وتسريح العمالة.
لقد قام القطاع غير الرسمي بدور جوهري أثناء الأزمة المالية العالمية وكذلك أثناء ثورة يناير؛ حيث امتص حوالي 6.1 مليون عامل جديد خلال الأزمتين، وتحديدا في الفترة 2008 – 2011 معوضا بذلك ضعف قدرة الحكومة والقطاع الخاص الرسمي على التشغيل.ومع ذلك فقد أدى غياب أي تغطية تأمينية إلى تدهور أوضاع العاملين به أثناء الأزمتين، واضطروا إلى اتخاذ مخاطر أكبر والعمل لفترات أطول لتحقيق عوائد ضعيفة لا تكفي احتياجاتهم، بالإضافة إلى تعرضهم لمنافسة داخلية عنيفة بسبب تدفق المزيد من العمالة للاقتصاد غير الرسمي في أوقات تتسم بتراجع الطلب وهو ما أدى إلى تراجع دخولهم بشكل جوهري.