رؤى

إسرائيل تخسر المعركة ضد كلمة “الفصل العنصري” (1 – 2)

في "ويكيبيديا"..

عرض وترجمة: أحمد بركات
في الوقت الراهن، يشهد الإجماع على أن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية لا يمثل شكلا من أشكال العنصرية تحولا دراماتيكيا على صفحات موسوعة “ويكيبيديا”. ففي حين خضعت إمكانية تشبيه دولة إسرائيل بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا للجدل على مدى زمن طويل في “ويكيبيديا”، يُظهر مقال جديد بعنوان West Bank Bantustans “بانتوستانات الضفة الغربية”تصدعات عميقة في الاتفاقات التحريرية التي ظلت قائمة على مدى ما يقرب من عقد من الزمان في الموسوعة الإلكترونية التي يحررها متطوعون.

كانت موسوعة “ويكيبيديا” قد نشرت مقالا بعنوان Israel and the Apartheid Analogy “مقارنة بين إسرائيل ونظام الفصل العنصري” منذ ما يقرب من 15 عاما. رغم ذلك، أخبر المحررون النشطون في هذا المجال صحيفة Haartez أن مقال “البانتوستانات” الجديد الذي يقارن بشكل مباشر بين سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية من جانب والجيوب المخصصة للسود التي أقيمت في جنوب أفريقيا من جانب آخريشير إلى تحول محتمل في التوازناتالمعمول بها في الموسوعة، حيث يتم إقرار الحقائق بإجماع الآراء بين مجموعات مختلفة من المحررين المتطوعين.

Israel and the Apartheid Analogy
لقطة محفوظة من مقالة Israel and the Apartheid Analogy على ويكيبيديا

ويشير المحررون إلى أن بقاء مقال جديد يحمل هذا العنوان المثير للجدل بعد اقتراح حذفه يُظهر بجلاء كيف تؤدي الفعاليات السياسية على أرض الواقع (أعني خطة دونالد ترامب للشرق الأوسط، وتعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نينياهو بضم أجزاء من الضفة الغربية) إلى تقويض الأسس الواقعية لأحد أهم محاور الخطاب الدبلوماسي الإسرائيلي العام. فإسرائيل – بحسب هذا المحور – تؤيد حل الدولتين، وتسعى – على الأقل على المستوى النظري – إلى بناء دولة فلسطينية ذات سيادة في أجزاء من الضفة الغربية.

“لقد وضعت خطة ترامب عن كل شيء في العلن”، كما يقول المحرر الذي كتب هذا المقال، والذي يستخدم اسم Oncewhile على الإنترنت. ويضيف: “لم تقدم السنوات الخمس والعشرون الأخيرة من محادثات السلام سوى إحساس بالفتات التي كانت تُترك على الطاولة للفلسطينيين، لكن هذه كانت ’تسريبات‘، وليست مقترحات مؤكدة”.

وفي إطار تفسيره للتسهيلات التي قدمتها التطورات السياسية الأخيرة (خطة ترامب، وسياسات ضم الأراضي الفلسطينية التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية) لنشر مقالة “البانتوستانات” الجديدة، يؤكد المحرر أنه بعد إعلان خطة ترامب “أدى جدل الضم الذي تلى ذلك إلى العديد من الكتابات الموثوقة التي تصف ما تخطط له الحكومة الإسرائيلية بشأن ’أسراها‘ من الشعب الفلسطيني. ونتيجة لذلك، لم يعد من المصداقية القول بأن الحكومة الإسرائيلية لا تتطلع إلى محاصرة الفلسطينيين في جيوب غير متجاورة. هذا هو ما جعل مناقشة الحذف تخلص إلى ما خلصت إليه”.

لكن جاك سالتزبيرج، رئيس “مجموعة إسرائيل”، وهي مجموعة مناصرة لإسرائيل معنية أيضا بما تنشره الموسوعة الإلكترونية “ويكيبيديا” لا يتفق مع هذا الرأي. “هذا ببساطة نموذج آخر لمحرر مناهض لإسرائيل يكتب مقالا لا لشيء إلا لنشر معلومات سلبية وغير دقيقة عن دولة إسرائيل. نعم، إنها صفقة كبرى.. لكن لا، ليست صفقة جديدة بحال من الأحوال”، كما يقول.

ويضيف: “إنها صفقة كبيرة لأن ’ويكيبيديا‘ ذاتها صفقة كبيرة ومهمة، حيث يتلقى أناس كثيرون، وبخاصة الطلاب، تعليمهم مباشرة عبر هذه الموسوعة. لكنها بكل الأحوال لا يمكن وصفها بأنها ’جديدة‘، لأن هذا يحدث طوال الوقت”، كما يقول. ويضيف “يكاد يكون من المستحيل أن تنشر مقالا جديدا يُظهر الفلسطينيين بصورة سلبية بأي شكل من الأشكال.. يختلف الأمر تماما بالنسبة إلى إسرائيل”.

لو كان الأمر كذلك، فلماذا نُشرت مقالة “البانتوستانات” الآن على وجه التحديد، وتم تدبر الأمر بحيث تبقى ’أونلاين‘؟

لطالما تعرضت “ويكيبيديا”، التي تدخل الآن عامها العشرين، للاتهام بالانحياز السياسي من قبل مجموعات مختلفة. على سبيل المثال، أنشئت موسوعة “كونسيرفابيديا” في عام 2006 لتمنح المسيحيين الإنجيليين في الولايات المتحدة فضاء يعكس على نحو أفضل رؤيتهم الدينية عن التطور والتغير المناخي، وهي قضايا يتفق العلماء على أنها سياسية بامتياز.

كما تصدرت ادعاءات “الانحياز الليبرالي” ضد “ويكيبيديا” العناوين في شبكة Breitbart الإخبارية في السنوات الأخيرة في الوقت الذي كانت تحارب فيه “ويكيبيديا” ضد الأكاذيب الصادرة عن البيت الأبيض في ولاية ترامب. وتظهر حاليا ادعاءات مشابهة في الهند في صورة مزاعم “مناهضة الهندوسية” من خلال النقاشات التي تتناول السياسات القومية لرئيس الوزراء ناريندرا مودي التي يقول منتقدوها أنها تستهدف بشكل غير عادل الأقلية المسلمة في البلاد.

ناريندرا مودي
ناريندرا مودي

كما زعمت الجماعات الموالية لإسرائيل، مثل “سالتزبيرج”، منذ فترة طويلة أن “ويكيبيديا” لديها نزوع نحو تأييد الفلسطينيين، لكنها سرعان ما اصطدمت بآراء مضادة أكدت على معايير التكافؤ والمساواة التي تلتزم بها الموسوعة. على سبيل المثال، في بريطانيا، في عام 2018، واجه أحد محرري “ويكيبيديا” الموالين لإسرائيل اتهامات باستهداف منتقدي إسرائيل وآخرين من المنتمين إلى معسكر اليسار البريطاني المتشدد في قضية ضخمتها وسائل الإعلام الروسية. وقد ذهبت هذه المزاعم حد ادعاء أن هذا المحرر كان يمثل واجهة لمؤسسة الدفاع البريطانية، وربما لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA).

تحليل مقارنة دولة إسرائيل بنظام الفصل العنصري

نُشرت مقالة “بانتوستانات الضفة الغربية” في 12 نوفمبر. وبعد يومين فقط، تم ترشيح هذه المقالة للحذف بدعوى أنها ليست جديدة، وإنما مجرد “سردية متحيزة تم تناولها في السابق في مقال بعنوان ’التشابه بين إسرائيل ونظام الفصل العنصري‘”

كان مقال “التشابه بين إسرائيل ونظام الفصل العنصري” قد نُشر في عام 2006، وواجه أيضا – شأنه في ذلك شأن 3000 مقال حول هذا الموضوع – عددا لا يحصى من عمليات التحرير وإعادة الكتابة من قبل المعسكرات المختلفة النشطة في مجال تغطية الصراعات في موسوعة”ويكيبيديا”.

كما بُذلت محاولات عديدة (10 محاولات على أقل تقدير) لحذف هذا المقال على مدى السنوات الأربعة الأولى من نشره. ومع نشره في نهاية مايو 2006، كان يحمل عنوان “الفصل العنصري الإسرائيلي”. وفي شهادة على الديناميات السياسية لموسوعة “ويكيبيديا” تم الإدلاء بها في بداية يونيو 2006، رُشحت هذه المقالة لأول مرة للحذف. وبعد أن تمكنت من تجاوز أول نقاش لحذفها، والذي فشل في الوصول إلى إجماع الآراء، تم تغيير العنوان إلى آخر أقل حدة، وهو Allegations of Israeli Apartheid”مزاعم الفصل العنصري الإسرائيلي”.

وبحلول عام 2008، وبعد إخفاق ثماني محاولات أخرى لحذف المقالة قام بها محررون تم اعتبارهم جزءا (أو على اقل تقدير مقربين) من المجموعة الموالية لإسرائيل في “ويكيبيديا”، تم عقد جلسة نقاش أخرى. “أقترح وضع اسم جديد وإعادة كتابة هذه المقالة لأنه من الواضح تماما أنه ليس ثم إجماع على حذفها”، كما خلص المشرف على الجلسة.

وبحلول عام 2010، خرجت المقالة من زوبعة الجدل والنقاشات، وسيطرت حالة من الجمود على الأطراف المختلفة، باعتبار أن المقال لم يقرر صحة المقارنة بقدر ما ركز على وجود جدل مثار بشأن هذه المقارنة.

“يمثل مقال ’مقارنة إسرائيل بنظام الفصل العنصري‘ انتقادا يحمل لائحة اتهام لإسرائيل بممارسة نظام شبيه بالفصل العنصري ضد الفلسطينيين في الضفة الغربيةالمحتلة. ويوسع بعض المعلقين نطاق هذه المقارنة لتشمل المعاملة التي يُسامها المواطنون العرب في إسرائيل، ووصف أوضاعهم بأنهم ’مواطنون من الدرجة الثانية”، حسبما ورد في النسخة الحالية من المقال.

(يُتبع)

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock