ثقافة

“نبيل فاروق “.. رحيل مباغت لرجل المستحيل

وكأنه أراد أن يمارس هوايتة فى المباغته وبنفس الطريقة التى عود قراءه عليها؛ يرحل “نبيل فاروق ” بشكل مفاجئ ونتيجة أزمة قلبية مفاجئة عن عمر يناهز 64 عاما قضاها بين الطب والكتابة.

لو أن “نبيل فاروق” لم يفعل شيئا لأجيال متعاقبة من الشباب سوى إكسابهم عادة القراءة فهذا كاف.

فاروق ساهم خلال أربعة عقود فى تشكيل وجدان أجيال متعاقبة تعلقت به، وارتبطت بعالمه وصار جزءا من تكوينهم الوجدانى.

رحل رجل المستحيل الذى فتح آفاقا رحبة وعوالم جديدة لم يطرقها غيره، لذلك يعتبره الكثيرون رائد القصة البوليسية وكتابة التشويق، ويشبهه قراءه بالكاتبة الإنجليزية الشهيرة “أجاثا كريستى ” التى امتلكت خيالاً خلاقاً حولته إلى إبداع فى أشهر الروايات البوليسية انتشاراً.

صنع “نبيل فاروق ” عوالمه الخاصة وشخصياته الشهيرة من خياله قبل أن يقتبس من أبطال جهاز المخابرات المصرى شخصيات مثيرة وملهمة.

سلسلة رجل المستحيل لنبيل فاروق
سلسلة رجل المستحيل لنبيل فاروق

فى 9 فبراير ولد “نبيل فاروق رمضان بيومى” فى مدينة طنطا من أسرة متوسطة – عندما كانت الطبقة المتوسطة المصرية هى حاضنة القيم والتقاليد ويمكنها التعليم من الترقي الاجتماعي – لذلك كان والده يشجعه على القراءة منذ طفولته ويوفر له ما يحتاج من كتب.

وفى المرحلة الإبتدائية انتبهت “أبلة سهير” مدرسة التربية الرياضة لقدرته على الحكي وقالت له “أنت حكاء كويس حاول تكتب قصص”، وبالفعل لم يتردد الصبي الصغير وكتب قصة لم يتذكر عنوانها ونالت إعجاب الجميع لدرجة دفعت إدارة المدرسة إلى صناعة غلاف لها أشبه بأغلفة الكتب والاحتفاظ بها وعرضها على ضيوف المدرسة.

ثم جاءت المرحلة الأهم فى بدايات “نبيل فاروق ” حين قرر الاشتراك فى مسابقة للقصة القصيرة ينظمها قصر ثقافة طنطا، وحصلت قصته “النبوءة ” على المركز الثاني، وكان ذلك بمثابة تأكيد لموهبته وأن ما يكتبه صالح لأن يكون قصص بالفعل
نجح في الثانوية العامة بتفوق، ورغم رغبتة الالتحاق بكلية الفنون الجميلة لعشقة للرسم إلا أنه رضخ لإرادة الأسرة التى تمكست بكلية الطب، وخلال دراسته للطب بجامعة طنطا ظل “نبيل” يمارس هواياته فى الكتابة والرسم وشارك في الأنشطة الأدبية والفنية بالجامعة فقد كان أمين اللجنة الفنية بكلية الطب خلال دراسته، ومصمم ديكورات المسرح الجامعى.

وفى عام 1980 تخرج “نبيل فاروق” من الطب يلتحق بالعمل كطبيب فى قرية أبو دياب.

وكانت 1984 نقطة تحول كبيرة فى مسيرة “نبيل فاروق ” مع الكتابة عندما عندما الاشتراك بمسابقة لدى المؤسسة العربية الحديثة وفاز بجائزتها عن قصته ” أشعة الموت ” والتي نشرت في العام التالي كأول عدد من سلسلة ملف المستقبل والذى استمر 35 سنة متواصلة، وأكثر من 160 عددا فى سابقة هى الأولى فى القصه العربية؛ واستمر التعاون بينه وبين المؤسسة العربية الحديثة التي تولت نشر أعماله .

سلسلة ملف المستقبل
سلسلة ملف المستقبل

وبعد النجاح الكبير الذى حققته كتاباته قرر “نبيل ” ترك مهنة الطب والتفرغ للكتابة كما انتقل للحياة فى القاهرة عام 1990.
صدرت له مجموعة كبيرة من القصص عن المؤسسة العربية الحديثة منها سلاسل قصصية من أشهرها ملف المستقبل، ورجل المستحيل، وكوكتيل 2000.

في تلك الفترة أيضًا كانت علاقة نبيل فاروق بإدارة المخابرات المصرية قد توطدت بشكل ما، ممّا سمح له بمقابلة ضابط مخابرات مصري، استوحى واقتبس منه شخصية أدهم صبري .

في شهر أكتوبر من عام 1998، فاز الدكتور نبيل فاروق بالجائزة الأولى في مهرجان ذكرى حرب أكتوبر عن قصة “أصغر جاسوس فى سيناء” وفى نفس العام حصل على جائز الدولة التشجيعية.

واجه “نبيل فاروق” صعوبات عديدة في بداية مسيرته مع الكتابة منها رفض كل دور النشر التى طرق أبوابها طباعة مجموعته “أدهم صبري” التى استلهما من بطولات حقيقيه عايشها الكاتب ولم يسيطر اليأس عليه.

كما تعرض لهجوم حاد بسبب بعض أعماله التي حملت قدرا من التنبؤ من بينها قصة “بصمة الموت ” التي تضمنت نبوءة بفيروس سوف يهدد حياة البشرية كما جاءت قصة “البديل ” لتتنبأ بالإستنساخ مما أثار موجة من الإنتقاد فى حينها.

ظل الكاتب الراحل يطل على قراءه لسنوات عبر نوافذ صحفية عديدة منها مجلة الشباب كما كان يكتب بشكل أسبوعي بجريدة الدستور.

قدمت بعض أعماله فى السينما والدراما التلفزيونية من بينها فيلم “الرهينة ” الذى قدمته المخرجة ساندرا نشأت ومسلسل ” العميل 1001″ للمخرجة شيرين عادل ومسلسل ” من الجاني “أحمد خالد موسي “.

أثارت بعض آراء نبيل فاروق جدلا واسعا وتعرض لهجوم من بعض شباب ثورة يناير – ذلك الجيل الذى تربى على قراءة أعمال الراحل – عبر عن غضبه من التصريحات التي انتقد فيها الثورة وشبابها،كما أن نبيل فاروق ظل بعيداً دائما عن الحياة الأدبية والثقافيه المصرية، وربما كان تجاهل مجلس إدارة اتحاد الكتاب لطلبه الانضمام لعضويته أكثر من 14 مرة ولم يستجب مسئوليه سوى فى المحاولة رقم 15 مؤشرا على قدر من التباعد بين “نبيل فاروق ” والوسط الثقافي.

ويبقى موقفه الصلب الداعم لحرية الرأي والتعبير والتمسك بحق الجميع فى التعبير عن قناعاته حتى لو رفضناها أو اختلفنا معها.

ويظل انتصاره الدائم لخندق العلم والاستنارة وإيمانه بضرورة إصلاح المؤسسات الدينية وتطويرها وتجديد مناهج التعليم فى الأزهر الشريف تلك بعض من أهم الركائز الفكرية التى تميز شخصية الكاتب الراحل ورؤيته.

رحل “نبيل فاروق ” وقد قدم عبر مسيرة عطاء لونا من الكتابة البوليسية والخيال العلمي كانت غائبة عن المكتبة العربية فملأ الراحل هذه المساحة باقتدار، وصار رائدا لهذا اللون الأدبي الذى يتعالى عليه بعض الكتاب؛ لكنه يحتفظ بمكانته الكبيرة فى عقول ملايين الشباب الذين بدأت علاقتهم بالكتاب من خلال عالم نبيل فاروق الرحب والمثير.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock