فن

” الأب ” لأنتوني هوبكنز.. ما أقسى أن تتوه من تفاصيل حياتك

Father الأب فيلم افتتاج الدورة الـ 42 لمهرجان القاهرة السينمائي، للعظيم أنتوني هوبكنز ومن إخراج الفرنسي فلوريان زيلر، والذي سبق وأن قدمه في عمل مسرحي نال عنه جائزة أفضل ممثل، مأخوذ عن راوية هو كاتبها أيضا، وفي تصريح له أكد أنها لقصة حقيقية حيث عانت أمه من مرض الألزهايمر وهو في الخامسة عشر من عمره وهو ما ترك في ذاكراته أحداث وتفاصيل كثيرة نسجها في هذه القصة ثم حولها إلى عمل مسرحي وأخيرا فيلم سينمائي، الفيلم يتحدث عن رجل في الثمانين من عمره يعاني من الخرف تجعل الأحداث تختلط في عقله المشوش ويعجز عن تفسيرها و إدراك ما هو حقيقي وما هو من نسج خياله، يعيش بمفرده في شقة فاخرة في لندن تزوره من وقت لآخر ابنته الوحيدة التي ترعاه، ولكنها تقرر الزواج والسفر إلى باريس وتخبره بذلك وأنها قررت الاستعانة بشخص يجلس معه ويرعاه ويجب ألا يطرده كما فعل مع آخرين، بعدها مباشرة تخرج لشراء احتياجات المنزل وعندما تعود تصبح أمامه شخص آخر وتصرفات أخرى حتى إنه يسألها أكثر من مرة عن أختها لماذا لا تأتي لتزوره وفي كل مرة الابنه لا ترد السؤال لأنها ابنته الوحيدة، أصبح مثل رجل فقد شخصا عزيزا ولا يريد أن يتحمل هذا الفقد وقرر لا شعوريا إنكار الأمر برمته، وهنا يظهر لها زوج يُخبر أنتوني أن هذه الشقة ملكهم وعليه مغادرتها ثم يصفعه أكثر من مرة، ويتحول جميع أفراد الأسرة لأشخاص آخرين، يحاول أنتوني فهم هذا الواقع المتغير ويبدأ في الشك في أحبائه وعقله، الحياة أصبحت مصدرا للارتباك المزعج دائما وإدراكه لما حوله يتلاشى بشكل متزايد وهو يقاوم، هنا يتوحد الجمهور مع أنتوني ولا يدرك أي منهم، ما هو حقيقي وما هو من خيال.

الرجل العجوز

 في السيناريو المُحكم والأداء البارع نجد عقل أنتوني يتساءل عن طبيعة وجوده مع هؤلاء الأشخاص والأحداث التي لا يعرفها، صورة معبرة لما أصاب عقله بالخرف المكان واحد لم يتغير هي شقته الفندقية الأنيقة، ولكن نظرا لتغير الحالة بين الواقع الذي يعيشه والواقع الذي رسمه هو من خياله لم نشعر بالملل ولكن بالتوحد معه والتشويش الذي أصابنا .

مشاهدة فيلم الأب تجربة صعبة وقاسية، لكنها ممتعة أيضا، من ناحية الشكل الروائي المذهل للقصة والسيناريو المُحكم هوعمل أشبه بلوحة فنية، ولكن هناك أيضا أداء مُبهر للعظيم أنتوني هوبكنز والذي جعل الجمهور يضحك ويبكي ويتوحد معه بكل بساطة واقتدار، هوبكنز مرحلة متطورة من فن التمثيل لم ولن يصل لها أحد، وأعتقد جائزة أوسكار أحسن ممثل هذا العام في انتظاره عن هذا الدور لتكون المرة الثانية التي يحصل عليها بعد أن حصل عليها سابقا في عام 91 من خلال فيلم صمت الحملان.

أجاد كاتب السيناريو والمخرج في وصول الرسالة الأولى وهي أن الأب حالة ميئوس منها بضعفه وفقدان الوعي بعد أن تمكن منه شيء لا يستطيع الخلاص منه، شيء أفقده عقله وإدراكه بنفسه وبواقعه وبمن حوله، تجربة تحويل عمل مسرحي إلى فيلم سينمائي مغامرة صعبة، عمل ميلودرامي من شخص واحد و ديكور واحد يتمحور حول رجل عجوز يعيش بمفرده في شقة فاخرة يتأرجح عقله بين الوعي والخرف، لكن فلوريان وكريستوفر هامبتون ومعهم هوبنكز استطاعوا بكل حرفية واقتدار خلق لغة سينمائية متميزة، حيث قام المخرج بتكييف مسرحيته ليحذرنا من تدهور العقل والاستعداد للأسوء وقام الرجل العجوز بتجسيد كل هذا باقتدار وقوة مذهلة مع كل إيماءه ونبرة صوت حتى وميض العين، الفيلم يضع الجمهور في مكان رجل يخونه عقله بكل قسوة، يفقد ذكرياته ببطء وحتى ما تبقى منها مشوش وتائه، أداء هوبنكز المتفرد ظل مصدرا للإلهام بوصوله إلى أعماق لم يرها سوى القليل من رجل فخوز للغاية وأنيق في حالة حرب مع ذاته، يعرف أن ما يحدث غير طبيعي، لكن لا يعرف كيف يصححه أو ينتصر عليه.

أداء باقي الممثلين كان متميز بشكل ملفت، أوليفيا كولمان (ابنته آن) التي كانت متميزة بشكل كبير في كيفية التعبير بلغة الجسد عن ألمها وهي ترى أباها ينزلق منها ويخونه عقله ووعيه ولا تستطيع أن تفعل أي شيء وفي نفس الوقت مضطرة أن ترحل وتتركه، برع الممثل الإنجليزي روفس سيّول في دور زوج الابنه الحاد والقاسي في تعامله مع أنتوني والذي اكتشفنا في النهاية أنه طبيب أنتوني في المصحة، أيضا كان للموسيقى التصويرية دورا كبيرا في نجاح العمل والتي قدمها الإيطالي لودوفيكو أيناودي.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock