رؤى

التهديد الإرهابي لا يزال يلوح في الأفق.. تذكرة وتحذير لجو بايدن

عرض وترجمة: أحمد بركات
يبدو من غير المحتمل أن يتشارك طريق متعرج وضيق في الحي القديم في قلب فيينا المزدحم، وشارع مزدحم في حي راق في طهران، وغابات نائية في نيجيريا موضوعا واحدا، أو أن تربطهم علاقة ما مع إدارة بايدن القادمة.

بينما كان سكان فيينا يستمتعون بليلتهم الأخيرة في الحانات الصغيرة في المدينة الداخلية في 2 نوفمبر  الماضي، قبل أن يبدأ إغلاق آخر بسبب كوفيد – 19، قطع صوت أعيرة نارية صوت الموسيقى، ثم أطلق شاب ساقيه للريح عبر الأزقة المرصوفة بالقرب من الكنيس القديم، بعد أن أطلق النار على 27 شخصا، وأصاب أربعة منهم بشكل قاتل، قبل أن ترديه الشرطة قتيلا. قبل ذلك، كان الشاب، النمساوي المولد من والدين مهاجرين، والبالغ من العمر 21 عاما، محتجزا لدعمه لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وقبل ذلك بثلاثة أشهر، وفي قلب حي هادئ في شمال وسط مدينة طهران، بينما كان السكان يسيرون في شارع تصطف الأشجار على جانبيه بعد العشاء في ليلة صيفية، سُمع دوي خمس طلقات. وانطلق رجلان على دراجة نارية من قلب المشهد، مخلفين سائق وراكب سيارة “رينو” ينزفان على المقعد الأمامي. وقع حادث القتل في 7 أغسطس، وهو اليوم الذي يمثل الذكرى السنوية لهجمات تنظيم القاعدة على سفارتين أمريكيتين في شرق أفريقيا في عام 1998.

الرجل الذي قضى نحبه، وهو المعروف لدى الولايات المتحدة باسم “أبو محمد المصري”، كان العقل المدبر لعمليات عام 1998، وعمليات أخرى كثيرة نفذها تنظيم القاعدة. في وقت موته، كان قد أصبح نائب زعيم التنظيم الإرهابي، وكان يعيش متخفيا في إيران. ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز، فإن عملية قتله تم تنفيذها من قبل عناصر من المخابرات الإسرائيلية بناء على طلب من السلطات الأمريكية، التي وضعت “المصري” على قائمة المطلوبين لمكتب التحقيقات الفيدرالي لسنوات.

فيما بين حادثي فيينا وطهران، قام ستة مسلحون باختطاف أمريكي يعيش في مزرعة في أفريقيا، على بعد 5 كيلومترات داخل النيجر من الحدود النيجيرية. وبعد ذلك بأربعة أيام، في يوم “الهالويين”، بينما كان الخاطفون يقفون إلى جوار معسكرهم في نيجيريا، سقط خمسة منهم صرعى على إثر طلقات نارية مكتومة الصوت انهالت عليهم من قلب الظلام.

حلقت قوات البحرية الأمريكة من فرجينيا، وقفزوا في هدوء تام وبصمت مطبق من طائراتهم من طراز MC-130 في منطقة هبوط عشوائية على مسافة أميال من المعسكر، وساروا إلى مواقع إطلاق النار به. ثم كسرت طائرة من طراز Ospery تابعة لقوات المارينز الأمريكية حالة الهدوء التي كانت تخيم على المكان وانتزعت جنود قوات البحرية والرهينة الأمريكي الذي قاموا بإنقاذه. كانت السلطات الأمريكية قد سارعت باتخاذ خطوات حاسمة لمنع تسليم الرهينة إلى إحدى الجماعات التابعة لتنظيم الدولة التي تنشط بالمنطقة.

لم تحظ أي من هذه الأحداث الدراماتيكية بتغطية كافية من قبل وسائل الإعلام في الولايات المتحدة التي صرفت جل اهتمامها في ذاك الوقت إلى انتخابات الرئاسة الأمريكية والأزمة الصحية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا. وإذا كانت التقارير حول كل حادث من هذه الحوادث الثلاث دقيقة، وهو ما يبدو فعليا، فيجب أن تذكرنا جميعها بثلاثة أمور.

أولا، لا يزال تنظيما الدولة والقاعدة حاضران بقوة، ويخططان لمزيد من الهجمات ضد الغرب والولايات المتحدة. علاوة على ذلك، يبدو أن حكومة طهران، التي أنكرت تقارير موت القائد القاعدي وأيضا أي دور إيراني على الإطلاق في دعم الإرهاب في المنطقة، لها يد في دعم بقايا القاعدة على مدى سنوات، بما في ذلك توفير الملاذ الآمن لقيادتها.

كما يذكرنا حادث إطلاق النار في طهران أيضا بدور إيران المستمر في الإرهاب في العراق. ربما ليس من قبيل المصادفة أن يقع حادث الاغتيال في أغسطس الماضي أمام بيت آمن لزعيم عراقي إرهابي في طهران. هذا الرجل، وهو أبو مهدي المهندس، لقي حتفه أيضا على يد أمريكيين مع الجنرال الإيراني قاسم سليماني في بغداد بطائرة أمريكية بدون طيار.

ثانيا، لا تزال الولايات المتحدة، بالتعاون مع شركائها، تنفذ عمليات مضادة للإرهاب في المناطق التي ربما اعتقد الإرهابيون أنها آمنة ومحصنة ضد العدالة الأمريكية. لم يكن بمقدور دولة أخرى في العالم أن تنقذ أحد مواطنيها بعد 96 ساعة فقط من اختطافه عن طريق إرسال فريق كوماندوز لمسافة تزيد على 3000 ميل مدعوما بأسطول جوي من الطائرات المتخصصة. كما تشير الضربة التي استهدفت “المصري”، والتي جاءت بعد 22 عاما من تفجير سقاراتينا في نيروبي ودار السلام، إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة لا تتوقفان عن تعقب الإرهابيين الذين قتلوا مواطنيهما مهما طال الزمن.

ثالثا، برغم أهمية التركيز على مواجهة الجائحة وإعادة بناء مكانة أمريكا خارجيا، إلا أن إدارة بايدن لا يسعها أن تعتقد أن الإرهاب يمثل خطرا من الماضي. ففي مخيمات اللاجئين ومعتقلات تنظيم الدولة في العراق وسوريا، تجري على قدم وساق عمليات إعداد جيل قادم من الإرهابيين طلبا للثأر.

ربما يقبع الإرهاب الراديكالي الإسلامي في الوقت الحالي بعيدا عن أعين الأمريكيين، لكنه لا ينبغي أن يكون بعيدا أيضا عن عقولهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ريتشارد كليرك – المنسق الوطني للأمن ومكافحة الإرهاب في إدارتي كلينتون وبوش، وسبق له تأليف العديد من الكتب حول هذا الموضوع

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock