عرض وترجمة: أحمد بركات
بعد خمسة أشهر من القضاء على عبد المالك دروكدال، المعروف أيضا باسم أبو مصعب عبد الودود، زعيم “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، على يد قوات من الجيش الفرنسي في مدينة تساليت المالية، عين تنظيم القاعدة أميرا جديدا في 21 نوفمبر الماضي، وهو يزيد مبارك، والمعروف أيضا باسم أبو عبيدة يوسف العنابي، وهو جهادي جزائري يبلغ من العمر 51 عاما.
ويمثل تعيين جزائري آخر على رأس التنظيم خطأ تكتيكيا من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي اتُهم بتغاضيه المستمر عن أعضائه من أفريقيا جنوب الصحراء في مقابل حرصه الدائم على الدفع بعناصر جزائرية على مدى سنوات. وقد أسفر هذا التوجه عن اندلاع قتال داخلي بلغ حد وقوع انشقاقات عن التنظيم. فقد قررت “حركة الوحدة والجهاد” في غرب أفريفيا (MUJAO)، التي جندت عناصر محلية من مجموعات إثنية مختلفة من أفريقيا جنوب الصحراء الانفصال عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في عام 2011 بسبب محاباة التنظيم للجزائريين.
وبتعيين جزائري آخر كقائد للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، يقوض التنظيم نفوذه، الضعيف بالأساس، في منطقة الساحل الأفريقي، حيث يواجه تحديا من قبل جماعات محلية مجهزة بشكل أفضل وتحظى بدعم شعبي أكبر، وبخاصة “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، وهي ائتلاف يضم كيانات محلية مختلفة مرتبطة بتنظيم القاعدة، والتي تتمتع عمليا باستقلالية تامة وتفوق في القوة عن “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” حتى في الوقت الذي كانت تتبعه فيه. فبعد تمدده فيما وراء الجزائر لتنفيذ هجمات قاتلة في تونس وليبيا ومالي وموريتانيا والنيجر، يعاني تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الآن من حالة من عدم الهيمنة على أرضه الأصلية، كما تراجعت قدرته على الحشد والتجنيد والتخطيط والتنفيذ بدرجة كبيرة. ومع تبدد نفوذه في بلاد المغرب وتضاؤله في منطقة الساحل، يعاني التنظيم من حالة تدهور واضحة، وربما يكون العنابي هو أميره الأخير .
لقد عارض العنابي نفسه، الذي كان قائدا بارزا في “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” (GSPC) في الجزائر، ثم في “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، فكرة “تسحيل التنظيم” (إضفاء طابع منطقة الساحل على التنظيم) في الماضي، ودعا إلى أن تبقى موارده في الجزائر.، وهو ما وضعه على خلاف مع سياسات سلفه دروكدال، وأدى إلى توتر العلاقة بينهما. كما ستسهم حالة العجز الجسدي التي يعاني منها العنابي نتيجة إصابات ألمت به في الماضي في تراجع سيطرة التنظيم على منطقة الساحل وما تبقى له من نفوذ هناك.
وكان تنظيم القاعدة في بلاد المغرب قد أعلن عن تعيين أمير جديد عبر قناته الرسمية “الأندلس”، لكن تولي أبو نعمان الشنقيطي، وهو رمز جهادي مهم في منطقة الساحل”، هذا الإعلان يحمل دلالات خاصة. فالشنقيطي مقرب جدا من “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” (JNIM)، التي تعد أقوى جماعة موالية لتنظيم القاعدة في منطقة الساحل/ شمال أفريقيا. لكن “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين يفترض بها أن تكون موالية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ومن ثم تحت سلطته. وبالتالي، فإن صدور هذا الإعلان عن الشنقيطي يثير تساؤلات حول العلاقة بين الجماعتين.
وحتى في الإعلان نفسه، ذكر الشنقيطي تعيين العنابي باقتضاب، بعد أن أثنى بإسهاب على دروكدال، لينتقل بعد ذلك إلى عرض مفصل لمآثر جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وقائدها إياد غالي. وبالتالي فقد جاء ذكر تنصيب العنابي على نحو عارض ومقتضب بين مديح سلفه وسرد مآثر غالي، وبخاصة الاتفاق بين جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وباماكو، الذي أسفر عن إطلاق سراح حوالي 200 جهادي. وعلاوة على ذلك، لم يتضمن الإعلان مبايعة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين للعنابي. ربما يشير هذا إلى إعادة ترتيب انحيازات الجماعات الجهادية في منطقة الساحل/ شمال أفريقيا، ويشير إلى تحول واضح في أولويات الحركة الجهادية وانتقالها من بلاد المغرب إلى منطقة الساحل/ شمال أفريقيا.
وبينما تتسم الصورة بكثير من التعقيد، ويصبح من الصعوبة بمكان توقع ما سيحدث بعد بدقة، تشير ديناميتان أساسيتان إلى حالة الأفول التي يعانيها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وهما مقتل أحد القادة الكاريزميين وتفكك الجماعة، وتراجع الدعم الشعبي وفشل الانتقال إلى الجيل التالي.
مقتل قائد يتمتع بكاريزما وشرعية لا مثيل لهما
يمثل مقتل دروكدال نقطة تحول جوهرية من المرجح أن تنهي حقبة تفوق وهيمنة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في كل من بلاد المغرب ومنطقة الساحل الأفريقي. لقد لعب دروكدال أدوارا رئيسة ومهمة سواء على المستوى العملياتي داخل التنظيم أو حتى في إلهام الآخرين خارجه، وذلك منذ نشأة التنظيم في عام 2007. والحقيقة أنه لا يمكن مضاهاة شرعية دروكدال وسلطته بأي قائد جديد.
كان دروكدال من الجهاديين المخضرمين. وكان الأمير الوطني للجماعة السلفية للدعوة والقتال، التي تاسست في عام 1998 في أثناء العشرية السوداء من الحرب الأهلية في الجزائر التي امتدت بين عامي 1991 و2001، نتيجة حدوث انقسامات داخل الجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية (GIA). وفي عام 1996، قرر حسن حطاب، أمير “المنطقة الثانية” في الجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية، الانفصال عن الجماعة، حيث قام بتأسيس الجماعة السلفية للدعوة والقتال، وأخذ معه أكثر مساعديه المخلصين من أمثال مختار بلمختار، وعبد الرزاق البارا، وجمال عكاشة (اسمه الحقيقي يحيى أبو الهمام)، ونبيل صحراوي، وآخرين. واستهدفت الجماعة السلفية للدعوة والقتال قوات الأمن على وجه التحديد لتؤطر لنفسها بعيدا عن عنف الجماعة الإسلامية المسلحة الذي كان يتسم بالتطرف والعشوائية، ولتكسب دعما شعبيا بناء على ذلك. وبالفعل اكتسبت الجماعة الناشئة زخما جيدا، وتصدرت عناوين الصحف في عام 2002 عندما نظمت كمينا أودى بحياة 49 مظليا جزائريا في مدينة باتنة في شمال شرق البلاد.
ومع ذلك، تلقت الجماعة السلفية للدعوة والقتال ضربة قاسية في عام 2004، عندما فقدت العديد من قادتها المحوريين، حيث قتل صحراوي، وألقي القبض على البارا، واختفى بلمختار، ووضع حطاب قيد الإقامة الجبرية.
وفي يوليو 2004، تولى دروكدال قيادة الجماعة ، وأصبح الأمير الوطني للجماعة السلفية للدعوة والقتال. في ولايته، ركزت استراتيجية دروكدال بقوة على إضفاء الطابع الساحلي على الجماعة. وفي عام 2007، انضمت الجماعة إلى تنظيم القاعدة، وأصبحت تُعرف باسم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. ونجح دروكدال في تمديد نطاق عمل الجماعة ليخرج بها من معاقلها في شمال الجزائر إلى منطقة الساحل. كما عمد التنظيم في ذلك الوقت إلى تكثيف هجماته الانتحارية. وتحت قيادته، نفذ التنظيم العديد من الهجمات القاتلة، مثل الهجومين الانتحاريين المتزامنين في الجزائر في 11 أبريل 2007 اللذين أسفرا عن مقتل 20 شخصا وإصابة 222 آخرين، إلى جانب هجوم على فندق “سبلينديد” ومطعم “كابوتشينو” في واجادوجو في بوركينا فاسو في 16 يناير 2016 أسفر عن مقتل 30 شخصا وإصابة 70 آخرين. ولتمويل الجماعة، شارك دروكدال في أعمال مربحة تمثلت في عمليات اختطاف مقابل فدية، وبالفعل حققت هذه الأعمال ما يقدر بـ 75 مليون دولار في الفترة بين عامي 2010 و2014، وهو ما جعل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أكثر ثراء على الإطلاق مما كان عليه في أي وقت مضى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. داليا غانم – باحث مقيم في مركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت
د. جليل لوناس – أستاذ الدراسات الدولية بجامعة الأخوين بالمغرب
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا