رؤى

“لطفي السيد”.. الصحفي الذي رفض رئاسة مصر

وتولي "الخارجية" و"الداخلية" و"المعارف" و"التموين"

هو الصحفي الوحيد الذي رفض رئاسة مصر التي جاءت له علي طبق من ذهب ، بعد يوليو 52 بحسب كتاب “أعلام مجمع اللغة العربية” لمحمد الحسيني ففي أثناء عمل لطفي السيد رئيساً لمجمع اللغة العربية عرض عليه الضباط الأحرار 1952 أن يصبح رئيساً لمصر لكنه رفض بشكل قاطع .

هو الذي كان سيكون زعيما لمصر بدلاً من سعد زغلول ، ويا للعجب سعي لزعامة مصر ولما جاءت له رفضها ، ،هو صاحب المقولة الشهيرة الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وهو من نادى بتحديد مفهوم للشخصية المصرية رافضاً ربط مصر بالعالم العربي أو تركيا أو العالم الإسلامي سياسياً، ويربط بين الجنسية والمنفعة والعيش الكريم في الوطن ، وكان أهم ما طرحه في هذا الشأن الدعوة إلى القومية المصرية كأساس لانتماء المصريين، كما نادى بتعليم المرأة، وتخرجت في عهد رئاسته للجامعة المصرية أول دفعة من الطالبات عام 1932،(مصر وكرومر: دراسة في العلاقات الأنجلوية المصرية، 1968 عفاف لطفي السيد ) وهو من طالب باستقلال الجامعة، وقدم استقالته حين تم إقصاء طه حسين عن الجامعة سنة 1932، كما قدم استقالته مرة أخرى حين اقتحمت الشرطة حرم الجامعة عام 1937، كما كان ضد إنشاء المدارس الدينية سواء إسلامية أو إرساليات مسيحية إضافة لرفضه إنشاء المدارس الأجنبية في مصر، وقد حول المدارس للتعليم الوطني المصري عندما تولي وزارة المعارف ،وهو من رفض فكرة الجامعة الإسلامية وصار عدواً الإخوان المسلمين الأول وكتب فيه أنور الجندي كاتب الإخوان المفضل كتابا كفره فيه وتلميذه الدكتور طه حسين يقول الجندي: “لقد كان الاستعمار حريصاً على صنع طبقة خاصة من المثقفين، عمل كرومر على إعدادها، ووعدها بأن تتسلم قيادة الأمة بعد خروج الإنجليز، ووفى لها، وكان أبرزهم لطفي السيد وكتب الجندي كتاب (لطفي السيد وأُكذوبة أستاذ الجيل)وللعجب لم يقم لطفي بك برفع دعوي سب وقذف بل كان يؤمن بالرأي الحر ولو كان ضده شخصياً.

أكذوبتان في تاريخ مصر الحديث
أكذوبتان في تاريخ مصر الحديث

كره الإخوان وحملة تكفير أستاذ الجيل

ووصفه أنور الجندي قائلاً هو أستاذ الجيل المُسْتَعَبد للغرب، المعلن عداوته للثقافة الإسلامية واللغة العربية ،هو أستاذ التغريبيين وسار معه في فلكه زميله ورفيق عمره عبدالعزيز فهمي، وزوج أخته إسماعيل مظهر ثم صديقه الحميم طه حسين، ولذا لم يكن غريبًا عليَّ أن أقرأ أن عبد الناصر فكر في إسناد رئاسة جمهورية مصر إليه بعد قيام الثورة،ولعل تسليط شيء من الضوء على حياة لطفي السيد -أستاذ الجيل كما سموه يعطينا لمحة عن أخلص تلاميذ محمد عبده له وأتيحت له الفرصة أكثر من شيخه إذ عاش بعده ما يزيد على أربعين سنة أي أنه عمر أكثر من تسعين عامًا.

وقال الجندي “إن حزب الأمة الذي أنشأه لطفي السيد كان بإجماع الآراء صناعة بريطانية أراد بها اللورد كرومر أن يواجه الحركة الوطنية بجموع من الإقطاعيين والثراة والأعيان (الذين وصفهم بأنهم أصحاب المصالح الحقيقية) وقد كان هدف حزب الأمة والجريدة بقيادة الفيلسوف الأكبر لطفي السيد تقنين الاستعمار والعمل على شرعية الاحتلال والدعوة إلى المهادنة مع الغاصب، وتقبل كل ما يسمح به دون مطالبته بشيء” والغريب أن الجندي تجاهل قصة تاريخية معروفة وهي تأسيس الإخوان بمساهمة كرومر نفسه بشكل خاص لضرب الحركة الوطنية وفي القلب منها الوفد بيت الأمة ، وكتب لطفي السيد في كتابه (قصة حياتي )علمنا التاريخ وطبائع البشر أن مايجمع الناس المنافع ،كتب العديد المؤلفات الفكرية منها “صفحات مطوية من تاريخ الحركة الاستقلالية”، “تأملات”، “المنتخبات”، “تأملات في الفلسفة والأدب والسياسة والإجتماع” كما ترجم عدة مؤلفات لأرسطو منها علم الأخلاق إلى نيقوماخوس “، علم الطبيعة”، و”السياسة”، إضافة إلى مذكراته بعنوان (قصة حياتي) أطلق عليه لقب أستاذ الجيل وأبو الليبرالية المصرية، ولد في 15 يناير 1872 بقرية برقين، مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية وتخرج من مدرسة الحقوق سنة 1894 ، ترجم كتب أرسطو، إلي العربية( موسوعة ويكيديا).

صاحب شعار مصر للمصريين والدين فعل ضمير لفرد

وضمن حملة تكفير الرجل الذي كان مؤيدا لحرية الفكر شن الإخوان حملة تكفير لاتزال مستمرة حتي اليوم ( 2020)وكتب ألبرت حوراني: “التقى لطفي السيد بمحمد عبده وأصبح صديقه وتلميذه، كذلك تعرف إلى الأفغاني في أثناء زيارة قام بها إلى استنبول، فأعجب به كثيراً” (الفكر العربي في عصر النهضة)وكتب مجيد خدوري في كتابه (عرب معاصرون) إن تأكيد لطفي السيد على العلمانية وإحالة الدين إلى ضمير الفرد أثار النقاد الذين نددوا به واتهموه بالإلحاد”،وقد أخبرني عبد الرحمن الرافعي المحامي المؤرخ مرة أن لطفي السيد كان شيخ الملحدين ، ولكن عبد الرزاق السنهوري الذي سمع هذه الملاحظة قال: إن شيخ الملحدين هو شبلي شميّل وليس لطفي السيد، على الرغم من أن لطفي نفسه من الملحدين!! وقال الرافعي إن لطفي كمدير للجامعة المصرية دافع عن ملحدين آخرين ؛ كطه حسين ومنصور فهمي وحسين هيكل ” ،وقال لي السنهوري –وهو صديق حميم للطفي السيد- إن لطفي أثار شكوكاً جدية في المعتقدات الدينية التقليدية” وأنه “أعرب عن شكوك خطيرة فيها، وقد ظل مشككاً حتى آخر حياته” والغريب أن السنهوري باشا نفي هذا الكلام جملة وتفصيلاً لكن الإخوان تعودوا قول رأيهم فقط ،قالوا عن دعوته إلى الوطنية الضيقة التي رفعت شعار “مصر للمصريين” ،فأعادت النعرة الجاهلية من جديد، حيث استبدل لطفي السيد رباط الأخوة الإسلامية بهذا الرباط الجاهلي.

يقول ألبرت حوراني في كتابه (الفكر العربي في عصر النهضة) : “كان لطفي كغيره من المفكرين المصريين لا يحدد الأمة على أساس اللغة أو الدين، بل على أساس الأرض، وهو لم يفكر بأمة إسلامية أو عربية، بل بأمة مصرية: أمة القاطنين أرض مصر”.

الفكر العربي في عصر النهضة
الفكر العربي في عصر النهضة

وأن “لمصر في نظره ماضيان: الماضي الفرعوني والماضي العربي، ومن المهم أن يدرس المصريون الماضي الفرعوني، لا للاعتزاز به فحسب ، بل لأنه يلقنهم قوانين النمو الارتقاء” (ص 216-217).وقد ذهب لطفي السيد في غلوه الجاهلي إلى القول بأن “القومية الإسلامية ليست قومية حقيقية، وأن الفكرة القائلة بأن أرض الإسلام هي وطن كل مسلم إنما هي فكرة استعمارية تنتفع بها كل أمة استعمارية حريصة على توسيع رقعة أراضيها ونشر نفوذها،أما الأمة الإسلامية فكادت تقع خارج نطاق تفكيره”أما الأستاذ أنور الجندي فله رأي آخر في هذا؛ حيث يرى بأن لطفي السيد قد تنكر لمبادئ مدرسة محمد عبده وأنه انحرف عنها إلى تأييد المستعمر الإنجليزي والسير في ركابه. يقول الجندي: “قد بدأ ظاهر الأمر أن سعد زغلول ولطفي السيد هما من تلاميذ جمال الدين ومحمد عبده، ولكن الأمور ما لبثت أن كشفت عن تحول واضح في خطتهما نحو منهج التغريب الذي قاده كرومر والذي وضع للصحافة والثقافة والتعليم منهجاً جديداً مفرغاً من الإسلام وهو المنهج الذي صنع ذلك الجيل الذي دخل الجامعة وكلية الآداب في أول افتتاح الجامعة المصرية 1925 (وقد قام بالدور الأكبر فيه الدكتور طه حسين) ومدرسة السياسة (هيكل وعلي عبد الرازق ومحمود عزمي)وغيرهم.

طه حسين
طه حسين

هكذا عاش ومات لطفي السيد وهو (مكفر من كتبة الإخوان) ليس لسبب سوي كرههم للتقدم والنهضة والتنوير ومعارك العلم التي حدثت في مصر خصوصا مع تولي أستاذ الجيل رئاسة جامعة فؤاد، ومن حقك أن تختلف مع طرح الصحفي العظيم لطفي السيد لكن يبقي في سجله مجد وفخركبير ،فقد عمل وزيراً للمعارف العمومية ووضع أسس المعرفة وقنن (أوضاع الكتاتيب الأزهرية وجعل لها مخصصات مالية )ووضع نظام التغذية للطلاب في المدارس ، فضلاً عن تحويل الوزارة لخلية نحل من الخبراء في الفنون والثقافة والفكر ، وعندما عمل وزيرا للخارجية و نائبا لرئيس الوزراء في وزارة إسماعيل صدقي ساهم في تأسيس مدرسة الدبلوماسية المصرية في العالم وقد استعان بشباب مصر المتعلم النابغ في الجامعة حتي حول الوزارة لكيان مصري ( عملية تمصير الوزارة ) وأسس العديد من سفارات مصر بالخارج ، وعندما تولي وزارة الداخلية وضع نظم ترقيات في كلية البوليس وساهم في تحويل الوزارة لتقديم خدمات الأمن في الأحياء من خلال صول في كل حي كان مشهوراً بقولة (ها مين هناك ) وهو من حارب عبود باشا في قصة احتكار السكر وهو وزير تموين وضع فكرة تسعير المنتجات وهو أول صحفي يتولى منصب النقيب رقم 4 للمحامين فى 24 ديسمبر 1915، وأول وكيل للصحفيين أيضاً واشتهر بالدفاع فى القضايا السياسية للحزب الوطنى، ويعد من المنظمين لمؤتمر بروكسل عام 1910، والذى عقد ليسمع العالم الأوروبى صوت مصر وأحوالها أيام الاحتلال، وكان نائبا في مجلس الشيوخ المصري ووضع قوانين حرية الصحافة ورفض حبس الصحفيين في قضايا النشر والرأي ، ، كما أسس عددا من المجامع اللغوية والجمعيات العلمية. وقد تختلف معه لكنه يبقي أحد رواد النهضة الثقافية المصرية أوائل القرن العشرين، فهو الملقب بـ«أستاذ الجيل» نظرًا للعدد الكبير من المفكرين والأدباء الذين تتلمذوا على يديه، ومن رواد الصحافة و الأدب العربي وهو من حاول تعليم الناس اللغة المصرية دون شرط دراسة النحو والصرف كما في اللغة الإنجليزية . ويعد أحمد لطفي السيد صاحب إسهامات عديدة ليس فقط على المستوى الفكري، لكن أيضًا على المستوى الشعبي في وضع مناهج محو الأمية.

وصفه محمد فريد برجل التقدم والمعرفة ولو كره الثورة

رصد الزعيم الوطني الفذ محمد فريد (المؤرخ المهضوم حقه) أهم ملامح شخصية لطفي بك السيد، بكلمة واحدة رجل يعشق التقدم بالتطور فقط حتي فكرة الثورة يرفضها ،لديه هوس المعرفة والعلم تفوق الحدود ، هو أفلاطون مصر وفيلسوفها العبقري بحسب وصف العقاد له ، جاء في (كتاب صفوة العصر د ذكي فهمي ص 136)ولولا أعجاب كرومر بسعد زغلول لتولي زعامةمصر لطفي بك السيد ، فسعد (مجرد فلاح) وليس بقوة المعرفة والنبوغ الفكري عند لطفي السيد، داهية الفكر ، فهل خطط لطفي بك لنفسه كي يصبح زعيما لمصر بدلا من سعد باشا زغلول ؟

محمد فريد
محمد فريد

من يعيد قراءة كتب ومؤلفات أستاذ الجيل يدرك أن لديه عقدة اسمها سعد زغلول ، هذا الفلاح الريفي البسيط الذي ساهمت عوامل متعددة في صعود نجمه نحو رئاسة وزعاة مصر فهل كان يستحقها ، وهو المستبد الذي فصل زملاءه من الوفد ، وهو الذي هاجم طه حسين في حين ، كان يجب عليه مناصرته في قضية الحداثة وهو يعلم أن العميد صاحب مشروع فكري ، طبعاً سواء صرح لطفي السيد أو حتي رفض فهو منحاز لطه حسين في معاركه وفاء الأستاذ للتلميذ النجيب ، كان لطفي السيد يدرك أن سعد زغلول لم يكن شرساً في رفضة للاحتلال الإنجليزي ، تلك البوصة التي دفعت بسعد لكرسي الزعامة ، فلماذا لم تدفع بلطفي السيد وهو الأحق ، فقدم روشته الرضا عن الاحتلال وكتب بنفسه في مذكراته ( كما قال رفعت السعيد ص 146كتاب بناة الحضارة ) ومضي يبرر بقوله لاينكر أي منصف أن الحكومة اهتمت في السنين الأخيرة بأمر نشر التعليم بين طبقات الفلاحين ونجحت في تذليل العقبات التي كانت تقف في سبيل تعليم البنات ، وأن الاحتلال مؤقت حتي تستطيع الأمة أن تعتمد على نفسها، هكذا قدمنا وجهات النظر التي تكشف سيرة ومسيرة الرجل الذي كان مؤهلاً لحكم مصر ، ولو لم يحكمها بالسياسة فقد حكمها بالعلم والمعرفة، العالم الصحفي الإصلاحي الذي قدم لبلاده الكثير ومازلت كتبه تحظي بتوزيع محترم حتي الساعة ولاتزال أعماله محط دراسات في كليات الإعلام والعلوم السياسية وكما قال الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ، ولا عجب أن يفسده عند الإخوان .
………………………………………………………………….
أفلاطون مصر لطفي السيد – سعد باشا زغلول – وزارة الداخلية- مجلس الشيوخ
طه حسين والصحافة- المعرفة – التعليم – وزارة الخارجية – نقابة الصحفيين

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock