فن

حالمون ومحبَطون.. أمينة محمد: كشَّافة النجوم التي لم تصبح نجمة ! (6)

في مدينة طنطا وفي بيت الشيخ محمد رزق الجفري  زوج شقيقتها الكبرى   نشأت  أمينة محمد التي كانت قد ولدت عام 1908 .. وعاشت طفولتها  مع ابنة أختها أمينة رزق التي ولدت  بعدها بعامين ..  في ذلك الوقت كانت مدينة طنطا تستقبل من حين لآخر تلك الفرق المسرحية التي أنشأها مبدعون كبار حملوا على عاتقهم  النهوض بفن المسرح والترويج له ….

بدايات مسرحية

وفي فترة طفولتها كانت أمينة ترافق ابنة شقيقتها طفلتين صغيرتين منبهرتين  بعروض السيرك التي كانت تقام في مولد السيد البدوي وأحيانا كان يقدم خلالها عرض مسرحي من فصل واحد   ، وفي عرض كان يقدمه عزيز عيد وروز اليوسف وقعت عين عزيز على الطفلة الصغيرة أمينة محمد   فأشار إليها ليحملها على ظهره ويمشي بها  عدة مترات كما تطلب الدور .. دون أن تنطق الطفلة بكلمة واحدة  .. ودوى التصفيق والهتاف والإعجاب في أذن الطفلة الصغيرة ليبدأ بعدها شغف أمينة محمد وابنة شقيقتها أمينة رزق بالتمثيل والمسرح وليبدأ مشوارهما الفني الذي أكملته أمينة رزق لنهايته فيما  اكتفت أمينة محمد منه بالقليل..

شاء القدر أن تنتقل الفتاتان الصغيرتان مع أسرتهما من طنطا للقاهرة بعد وفاة الشيخ محمد رزق والد أمينة رزق ، وقد جاءت الفتاتان الصغيرتان مع  مع أسرتهما إلى القاهرة  في أواخر عام 1918 وسكنتا بحي عايدين  والتحقتا بمدرسة ضياء الشرق الابتدائية وشهدتا ثورة 1919  واشتركتا فيها ،  ثم انتقلت الأسرة للإقامة في روض الفرج، وكانت روض الفرج أيامها مثل صندوق الدنيا  كما ذكرت أمينة  رزق ، وفيها كانت الفرق المسرحية تعرض مسرحياتها ، وفيها زاد شغف الأمينتان بالمسرح ، ولشدة انبهارهما بهذا الفن كانت أمينة محمد وأمينة رزق  تصعدان إلى خشبة المسرح لمصافحة الممثلين  عقب انتهاء كل عرض ، وأصبحتا معروفتين للفنانين ،واستعان بهما علي الكسار للغناء ضمن فريق الكورال في  إحدى مسرحياته  عام 1922 وعرض عليهما راتبا ثلاثة جنيهات لكل منهما لكن  الأم والأخت الكبرى والدة أمينة رزق رفضتا تماما ..وفي عام 1924   التقت الأمينتان في القطار بأحمد عسكر سكرتير فرقة رمسيس  الذي رأى فيهما موهبة متدفقة فقدمهما بعدها ليوسف  وهبي  للعمل  في فرقة رمسيس   ليتعاقد معهما وهبي براتب أربعة جنيهات لكل منهما لتقوما بدور  الفتى الأعرج  بالتبادل في مسرحية راسبوتين،  وبعدها فضل  يوسف وهبي  أمينة رزق  على خالتها أمينة محمد، وأسند إلى  ابنة الأخت أدوارا مهمة وزاد في راتبها ليصل إلى  سبعة  جنيهات  وأصبح يعتمد بشكل أساسي على أمينة رزق التي ستصبح بعد ذلك نجمة مرموقة لفرقته، وطالبت أمينة محمد بمساواتها بابنة شقيقتها لكن يوسف وهبي رفض وانسحبت أمينة محمد من فرقة رمسيبس  لتعمل بعد ذلك مع فرق الريحاني وإخوان عكاشة وأمين عطا الله

أمينة محمد
أمينة محمد

مغامرة ” تيتاوونج”

اتجهت  أمينة محمد بعد ذلك للرقص الشرقي وأجادت فيه وأصبحت واحدة من مبدعاته   من نجوم الصف الأول مع ببا عز الدين وامتثال فوزي واشتهرت برقصة الثعبان حتى أطلقوا عليها أمينة الحنش ومارست الرقص بشكل احترافي في ملاهي وصالات الأسكندرية  خاصة بعد طلاقها من زوجها  ابن العائلة الكبيرة الذي  يقال أنه كان يسمح لها بالرقص حسب ظروفهما المادية وأنه ربح قضية أخذ  بعدها ميراثا كبيرا فطلقها فعاشت أزمة نفسية شديدة ونصحتها بديعة مصابني باحتراف الرقص نكاية فيه  ، وشاركت في بعض الأفلام بأدوار ثانوية إلى أن قررت أن تتمرد على   واقعها الفني تمردا أبقاها في ذاكرة السينما المصرية

أسست أمينة محمد شركة للإنتاج السينمائي برأسمال بسيط جدا ، أنتجت فيلما سيظل خالدا في تاريخ السينما المصرية ، هذا الفيلم هو تيتاونج الذي قامت أمينة ببطولته  وكانت هي مخرجة الفيلم وشاركت في كتابة قصته و  ومونتاجه  وديكوره الذي أبدعه عبد السلام الشريف فوق سطح العمارة رقم 64 بشارع إبراهيم باشا (الجمهورية لاحقا) والتي كان يوجد بها مقر شركة الإنتاج المملولكة لأمينة توفيرا للنفقات وانجزته أمينة بمشاركة المصور الفرنسي ديفيد كورنيل   .. ويحكي الفيلم الذي كتب له أحمد كامل مرسي  السيناريو والحوار  بمشاركة أمينة قصة الفتاة الصينية تيتاوونج التي تحترف الرقص و تحب ابن الجيران محسن   المحامي الذي أدى شخصيته حسين صدقي في أول ظهور سينمائي له ،  و بسبب الميراث تحدث مشاكل بين الفتاة وعمها الذي يخطط لقتلها لكن يتم قتله هو وتتهم تيتاوونج بالجريمة وتدخل السجن فيتبرع  حبيبها المحامي للدفاع عنها ويحقق لها البراءة .. وقد اعتمدت أمينة محمد على ملامحها الآسيوية وتعرفت على عدد من أبناء الجالية الصينية بمصر آنذاك  وظهر الفيلم   وعرض وحقق نجاحا كبيرا بأقل الإمكانيات

أمينة محمد
أمينة محمد

كشافة النجوم

قبل الشروع في تصوير  تيتاوونج  نشرت أمينة محمد إعلانا في صحيفة الأهرام طلبت فيه وجوها جديدة في كل مجالات العمل السينمائي وجاءها المئات من الهواة فاختارت منهم    أكثر من عشرة وجوه   أصبحوا بعد ذلك من عمالقة السينما والفن في مصر وهم  حسين صدقي ومحسن سرحان والسيد بدير ومحمد الكحلاوي وزوزو نبيل  التي رفضت المشاركة بعد أن طلبت منها أمينة محمد كشف ساقها ونجمة إبراهيم  التي شاركت بأغنية دون أن تمثل وصفية حلمي واختارت أيضا صلاح أبو سيف  ومحمد عبد الجواد وأحمد كامل مرسي وحلمي حليم ويوسف معلوف  للعمل كمساعدين  في كافة عناصر الفيلم .. وقد عمل صلاح أبو سيف في ديكور الفيلم  .. وكان يثبت المسامير في خشب الديكور .. وقد كان  أنور السادات   واحدا من أولئك الهواة  الذين تقدموا لاختبارات التمثيل أمام أمينة محمد ولم ينجح السادات في الاختبار،  وتنبع أهمية  فيلم تيتاوونج  من أنه كان  بمثابة معهد تمثيل ومدرسة أو أكاديمية تدرب فيها  أولئك المبتدئون  الذين أصبح كل منهم أستاذا في مجاله بعد  ذلك.. وبعد تيتاوونج  حدث عكس ما كان متوقعا لأمينة محمد ..فبدلا من الانطلاق والنجاح   فشلت أمينة في الحصول على أي فرص للبطولة في السينما  فكثفت نشاطها في الرقص ثم توقفت عنه  وتراكمت ديونها وسافرت للرقص  في دول أوربا  مثل بولونيا والنمسا وإيطاليا والمجر  لتكون بذلك أول  راقصة عربية تغزو مسارح أوربا وشاركت أمينة في أفلام قليلة  مثل إمرأة خطرة عام 41 وجوهرة ليوسف وهبي عام 43  كما شاركت في تاكسي حنطور وضحايا المدينة  والحب الموريستاني وشبح الماضي وأبو ظريفة   ولم تحظ في أي منها بدور البطولة  فزادت إحباطاتها  وتدريجيا بدأت في الابتعاد عن السينما والفن عموما واتسلمت لمصيرها ورفعت الراية البيضاء ولم تكن تلك الفنانة الدؤوب التي تحاول وتحاول حتى تقبض على الفرصة ويتحقق لها النجاح ،وعملت  أمينة مساعد مخرج في فيلم فتوات الحسينية   عام 1954 واستعان بها المخرج العالمي سيسيل دي ميل للعمل مساعدا للإخراج أثناء تصوير فيلمه “الوصايا العشر” بمصر لإتقانها اللغة الإنجليزية  أمينة الفن نهائيا وتتجه إلي المشروعات التجارية والسياحية فافتتحت كافتيريا  في مشروع بناء السد العالي بأسوان  ثم افتتحت بعدها   مشروعا سياحيا حولته  إلى مطعم أسماك بجبل عتاقة بالسويس ..  واستمرت لمدة تقرب من ثلاثين عاما بعيدة عن الفن حتى رحيلها في  16 مارس عام 1985

كانت أمينة محمد فنانة متميزة وراقصة من الطراز الأول  كان يمكن أن تحقق نجومية هائلة لا تقل عن نجومية ابنة شقيقتها أمينة رزق لكن عدم قدرتها على  تحمل عثرات ومشاكل العمل في الفن والظروف المادية الصعبة، جعلها تستسلم و تتجه إلى البيزنس وأوقفها عند فيلم واحد مهم وشهير ثم لم تحقق شيئا يذكر بعد ذلك

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker