فن

العنف والاغتيالات على الشاشة.. مقاومة الاحتلال حينًا ونضال ضد الفساد أحيانا 

العنف والقتل والاغتيالات السياسية كانت حاضرة بقوة في أعمال شهيرة في السينما المصرية على مدار سنوات، ولكن في البداية لابد من التفرقة بين أفلام تناولت العنف والاغتيال كنوع من مقاومة الاحتلال الأجنبي وهو ما يعتبره المشاهد عملًا إيجابيا وجزء من كفاح الشعوب، وبين نوع أخر من الاغتيال يمثل إرهابا وإجراما مخالفا لكل القوانين، كما في واقعة اغتيال المفكر المعروف فرج فوده،  والتي رأي البعض أن فيلم “الارهابي” ألمح إليها حينما تعرض كاتب ومُفكر عبر عن أفكاره من خلال مقال أو كتاب إلى الاغتيال على يد جماعات إرهابية وشخص جاهل، وانحاز الفيلم لفكرة أنه لا يمكن أن يكون الرد علي الأفكار هو القتل والاغتيال، حيث تم تقديم هذا القتل كفعل سلبي وعمل إرهابي..

الاغتيالات السياسية أو استخدام العنف في مقاومة مُحتل غاشم أو عميل فاسد، تتمة تكررت كثيرا في السينما المصرية، في محاولة لرصد كفاح المصريين ضد الاحتلال وأعوانه، ونقد مرحلة من تاريخ مصر بكل أخطائها، أحيانا تتطرق السينما لحوادث حقيقية حدثت بالفعل وتم ذكرها في التاريخ وأحيانا أخرى نستلهم قصة حقيقية يتم تقديمها في نسيج درامي من خيال المؤلف.

البداية كانت من خلال فيلم “مصطفى كامل” والذي تم إنتاجه في عام 35 وفي أول يوم عرض له بسينما ديانا بالقاهرة وكوزموجراف بالاسكندرية تم منعه من العرض لأسباب سياسية وعُرض بدلا منه فيلم “سلامة في خير” وظل ممنوعا من العرض حتى جاءت ثورة 52 والتي منحته قبلة الحياة والعرض، بعد ثورة 52 و من خلال المؤسسة العامة للسينما تم إنتاج عددا كبيرا من الأفلام التي ترصد كفاح الشعب المصري ضد الاحتلال وأعوانه، من أشهر هذه الأفلام، فيلم في بيتنا رجل، والذي يحكي قصة واقعية بطلها إحسان عبد القدوس وأسرته التي استضافت حسين توفيق قاتل أمين عثمان وزير الخارجية والموالي للاحتلال الإنجليزي والذي يرفض في النهاية الهرب خارج البلاد ويستمر في مقاومة الاحتلال حتى تنتهي حياته دفاعا عن وطنه، كما تطرق بعد ذلك فيلم أيام السادات للحادث نفسه من خلال أنور السادات وانضمامه لتنظيم ثوري قرر تنفيذ مهمة اغتيال أمين عثمان الوزير الخائن، حيث تم تقديم هذه الحادثة وغيرها كجزء من كفاح الشعب المصري ضد الاحتلال وأعوانه.

وفي فيلم بورسعيد تطرق الفيلم لمقاومة شعب بورسعيد للعدوان الثلاثي وعمليات الاغتيال التي قام بها الشباب المصري ضد قادة الاحتلال (مورهاوس) من خلال التنظيم الذي قاده الشاويش طلبه (فريد شوقي) وهو الفيلم الذي قام ببطولته وإنتاجه فريد شوقي بتكليف شخصي من جمال عبد الناصر بعد اجتماع ناصر وعامر والسادات مع فريد شوقي، وتم التصوير بعد انتهاء العدوان مباشرة، وقام فريد شوقي بإهداء الفيلم لـ جمال عبد الناصر.

وأيضا فيلم جريمة في الحي الهاديء والذي تناول حادث مقتل اللورد موين وزير المستعمرات البريطانية من خلال تنظيم صهيوني سري يسعى لنشر القتل والفوضى داخل مصر.

فيلم “المغامرون الثلاثة” بطولة رمزي، حسن يوسف، محمد عوض، والذي يحكي قصة 3 شباب انضموا للفدائيين في القناة لمقاومة الاحتلال وساعدتهم في المقاومة ونقلت لهم السلاح سعاد حسني، وفيلم ” لا وقت للحب” رشدي أباظة وفاتن حمامة، والذي تدور أحداثه حول حمزة عضو الحرس الوطني والذي يقاوم الاحتلال وتقوم البطلة بنقل السلاح إليهم في الإسماعيلية، أيضا فيلم بين القصرين الذي تطرق لمقاومة المصريين للاحتلال الإنجليزي من خلال الشاب فهمي وانضمامه لتنظيم سري لتوزيع المنشورات وتنظيم المظاهرات وفي النهاية يتم قتله في مظاهرات ثورة 1919 .

في فيلم “ثمن الحرية” لدينا أحمد عبد الحفيظ “عبد الله غيث” المناضل الذي يقاوم الاحتلال ويقتل أحد الجنود وتبحث عنه قوات الاحتلال ويختبأ وسط الأهالي، مما يضطر قائد قوات الاحتلال “محمود مرسي” من القبض على عدد من الأهالي للاعتراف على مكان هذا المناضل ولكنهم يرفضوا الاعتراف عليه، مما يضطره لقتلهم الواحد تلو الآخر في محاولة للضغط عليهم للاعتراف والنجاه بأرواحهم، ولكن في النهاية الجميع يرفض الاعتراف ويضحي بروحه فداءا لهذا البطل وما يقدمه، وفي نهاية العمل تقوم الثورة على الاحتلال من خلف جثامين القتلى وهو ما يدفع الضابط المصري “صلاح منصور” المتردد طوال العمل من قتل القائد الإنجليزي.

وعودة من جديد لأفلام المقاومة من خلال فيلم “حرب كرموز” والذي تدور أحداثه في فترة الأربعينيات حيث الاحتلال الإنجليزي، حيث قام عدد من الجنود الإنجليز باغتصاب فتاة ويثأر مجموعة من الشباب المصري بقتل أحدهم وتسليم آخر للقسم وللضابط يوسف المصري “أمير كرارة” الذي يرفض كل محاولات الإفراج عنه مما يضطر قوات الاحتلال من الهجوم على قسم الشرطة و تدميره وهو ما دفع الضابط و رجاله إلى المقاومة ورفض الاستسلام.

وفي انتظار العرض الجماهيري فيلم “كيره والجن” والذي تدور أحداثه في فترة الاحتلال الإنجليزي وثورة 19 من خلال أحمد عبد الحي كيره “كريم عبد العزيز” وعبدالله شحاتة الجن اللذين يشتركان في مقاومة واغتيال جنود الاحتلال، مما يضطر قادة الاحتلال إلى رصد مكافأة للقبض عليهم أو قتلهم وهو ما يحدث في نهاية الأحداث.

وهناك نوع آخر من أفلام الاغتيال وهي محاولة اغتيال المقاومة من خلال قتل أحد رموزها أو سجنه كما في فيلم “ناجي العلي” والذي تناول قصة اغتيال الرسام الفلسطيني ناجي العلي على يد شاب ينتمي لمنظمة التحرير الفلسطينية ولكنه يعمل للموساد، حيث كان ناجي العلي رافضا لـ كامب ديفيد ودائم الهجوم على الدول العربية وعلى رأسهم السعودية كما أنه كان على خلاف مع ياسر عرفات وكثيرا ما تعرض له في رسوماته بالنقد والسخرية، وتعرض الفيلم للمنع على مدار 22 عاما حيث عُرض لأول مرة عام 92 ، كما طالت اتهامات الخيانة كل من نور الشريف و عاطف الطيب، وتعرض نور لمشاكل كبيرة في عمله و هاجمته الصحافة بسبب هذا العمل الذي شارك في إنتاجه.

وأيضا فيلم جميلة بوحريد والذي تناول كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من خلال تنظيم من الثوار يُخطط لاصطياد الجنود الفرنسيين وقتلهم، ومطاردة قوات الاحتلال لأعضاء هذا التنظيم والقبض على إحدى عضواته “جميلة بوحريد” وتعرضها لأبشع أنواع التعذيب ومحاولة اغتيال المحامي الذي تطوع للدفاع عنها،

ومن المشاهد الهامة في رصد المقاومة كان فيلم أصحاب ولا بيزنس حيث قام الشاب الفلسطيني جهاد (عمرو واكد) بتفجير نفسه وسط مجموعة من جنود الاحتلال حيث قام المذيع الشهير كريم نور (مصطفى قمر) فيما بعد بإذاعة مشهد التفجير على الجمهور الذي هتف لهذا البطل، نفس الأمر في فيلم جوبا (مصطفى شعبان) والذي دارت أحداثه في فلسطين من خلال مقاومة أصحاب الأرض للمحتل وتعرضهم للقتل والتعذيب وانتقام البطل من جنود الاحتلال واصطيادهم وقتلهم ونشر فيديوهات عمليات الاغتيال بين الشباب لحثهم على المقاومة.

وأحيانا يلجأ صُناع السينما لشخصية درامية تكون رمزا لرأس السلطة أو للنظام الفاسد ككل وليس فرد بعينه، كما في (لاشين، شيء من الخوف) والعملين تعرضا للمنع في البداية، بسبب نقدهما لرأس السلطة وانتهائهما بقتل هذا الرمز وهو ما اعتبرته الرقابة عملا تحريضيا ومنعته، ولكن تم عرض لاشين لاحقا وسمح جمال عبد الناصر نفسه بعرض فيلم شيء من الخوف بعد أن شاهده وقال وقتها كلمته الشهيرة” لو كنا مثل عتريس يبقى نستحق الحرق فعلا”..

هناك أيضا انتقام أو قتل خارج إطار القانون ردا للظلم و دفاعا عن الحق، لكن هنا نكون أمام محاكمة لعصر كامل أو مرحلة من تاريخ مصر من خلال شخصية درامية كما في احنا بتوع الأتوبيس من خلال مشهد قتل المساجين للضابط المسئول عن المعتقل فيما يعتبر ثورة وانتقام من عهد بكل سلبياته.

ولدينا أيضا أعمال رمزت لعصر ومرحلة وانتهت بانتقام المجتمع من هذا الرمز في أفلام “حب في الزنزانة” والذي انتهى بقتل البطل لرمز الفساد بعد أن عجز القانون على إدانته، وفيلم “الغول” وانتهى أيضا بقتل البطل لرمز الفساد، حيث صرح وحيد حامد أنه قصد حادث المنصة من خلال هذا المشهد في محاكمة لنظام السادات بسبب قرارات الانفتاح التي تسببت في انهيار منظومة القيم وانتشار الفساد، وأيضا فيلم “عنبر الموت” والذي انتهى بأن الضابط (نور الشريف) قرر خلع البدلة العسكرية وتنفيذ العدالة بنفسه وقتل الفاسد في نهاية الفيلم، بعد أن عجز عن القبض عليه وتقديمه للمحاكمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock