رؤى

“الجاثوم” بين العلم والخرافة

مسلسل «ما وراء الطبيعة» والذي عرض مؤخرا ليس أول عمل درامي يتطرق للمساحات الفاصلة بين الخرافات والعلم، فلقد سبقته أعمال و حتما سيتبعه أعمال أخرى، ولكنه ربما يكون من الأعمال الدرامية القليلة التي أشارت لظاهرة «الجاثوم» و التي يجهل حقيقتها البعض، فيما ينكر وجودها فريقا آخر.

فماذا عن هذه الظاهرة؟ ولماذا اختلطت كثيرا بالخرافات و السحر الأسود أو الجن؟

علي أحد مواقع التواصل الاجتماعي كتب أحدهم (أنت محظوظ لأنك لم تصب بالجاثوم) ثم راح يحكي تجربته والتي وصفها بالمريرة حيث تظل ممدا على فراشك عيونك مفتوحة تحدق في كل اتجاه فيما لسانك وكل أطرافك عاجزة عن الحركة تمامًا وطلب المساعدة، وكأن هناك شيئا رهيبا يضغط على صدرك و يعيق حركتك.

هذه الرواية شجعت البعض الآخر للمشاركة بتجاربهم و إن كان معظمها لم يخرج عن السياق ذاته، العجز عن الحركة و طلب المساعدة وكأن الروح قد فارقت الجسد، فيما البعض الآخر أكدوا رؤيتهم كائنات غامضة في الأغلب غير بشرية تجثم على صدورهم وتعيق حركتها و تكتم أنفاسهم.

https://www.youtube.com/watch?v=0N6EaU1B_f4

تعايش

وفقا لأصحابها فإن هذه التجارب لا تتجاوز مدتها بضع دقائق، وفي حالات أخرى مجرد ثواني قاسية تفصل النائم عن الواقع المحيط به، فلا يمكنه التحديد بدقة هل ما يراه ليس أكثر من حلم مزعج، أم واقع مرير يتعامل فيه مع كائنات مزعجة غامضة تعيقه عن الحركة و تطبق على أنفاسه لدرجة الاختناق.

اللافت في معظم الاعترافات هو قدرة أصحابها على التعايش مع هذه التجارب رغم قسوتها، خصوصا بعدما لجأ بعضهم للعلم وبالأخص الطب النفسي بحثا عن علاج قاطع يمنع تكرارها ولكن بلا جدوي، حتي أولئك الذين جربوا «الرقية الشرعية» والعلاج بالقران وغيرها فشلوا أيضا في إيجاد حل يخلصهم من هذا الكابوس.

مرة أخرى ما هي حقيقة «الجاثوم»؟وهل هو مجرد هلاوس مرضية تصيب الإنسان، أم أنه قوى شيطانية تحاول النيل ممن كتبت عليهم اللعنة؟

في أزمنة سابقة لم يتمكن العلماء من الوصول للأسباب التي تفقد أي إنسان قدرته على الحركة، كما لم يتمكنوا من معرفة هل تحدث هذه الظاهرة في الثواني التي تسبق الإستيقاظ من النوم، أو  أثناء الاستغراق فيه، ولسنوات طويلة أيضا ظل تفسير «الجاثوم» يرتبط بالغيبيات خصوصا أن بعض الحالات عندما كانت تستيقظ من نومها كانت تجد علامات أو هالات في الجسد يمكن تفسيرها في إطار عنف ما، الأمر الذي عزز و لسنوات طويلة وقوف قوى غيبية وراء هذه الظاهرة.

غير أنه و في القرن السابع عشر نجح الطبيب الهولندي «ايسبراند فان ديمبروك» في الوصول لتفسير علمي لظاهرة «الجاثوم» بعد العديد من الدراسات و المتابعات توصل خلالها لأنه ليس إلا حالة من حالات «الشلل» التي تصيب الإنسان أثناء نومه بسبب بعض الاضطرابات العصبية، فيفقد على أثرها القدرة على الحركة، فيما بقية الأعراض تتفاوت من شخص لآخر سواء الشعور بالاختناق أو الأحساس بأن هناك شيئا يجثم على الصدر يمنعه من الحركة.

الاجتهادات العلمية اللاحقة أرجعت السبب لخلل مؤقت في الوظائف الأساسية لمخ الإنسان خصوصا في حال تعرضه لضغوط عصبية شديدة ، قلق وإجهاد وغيرها من الضغوط النفسية الحادة، وعليه قد يحدث هذا الشلل في لحظات الانتقال من النوم واليقظة حيث يستيقظ الدماغ (ما يفسر حركة العين السريعة) فيما بقية الجسد لا يزال نائما لم يتلق الأمر بعد بالإستيقاظ نظرا لهذا الخلل، والذي يمنع النائمين من الخروج للواقع لبضع ثوان أو بضع دقائق وفي حالات نادرة لفترة أطول عادة ما تكون مصحوبة بأعراض الذعر و الهلع وفقا لتوصيف «جمعية النوم الأمريكية» والتي أضافت أسباب أخرى لشلل النوم بعضها يتعلق بعوامل وراثية، وأخرى بعدم حصول المريض على قسط منتظم و وافر من النوم.

الجاثوم

وهو ما ينصح به أيضا د. طه أبو الحسين أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية جامعة القاهرة، مشيرا لأن الأطباء عادة ما يطلبون من المرضي تحسين نومهم بالحفاظ على عدد ساعات كافية والتخفيف قدر المستطاع من الأعباء والمشاكل التي يعانون منها و تؤثر بالقطع عليهم، كذلك الامتناع عن تناول الوجبات الدسمة قبل النوم والتي قد تؤثر بشكل أو بآخر، فيما حالات أخري يوصف لها جرعات من مضادات الاكتئاب

تفسيرات

علي مدى قرون طويلة أرجعت العديد من الثقافات ظاهرة «الجاثوم» أو شلل النوم لأسباب بعيدة تماما عن العلم، كما جاء في تقرير نشرته مجلة Scientific american  فمثلا في مصر يذهب الاعتقاد لوجود «جن» يجثم علي صدور ضحاياه و يروعهم وقد يتسبب في موتهم، وفي إيطاليا يفسرون تلك الظاهرة بأنها اعتداء من كيان يطلق عليه «باندافكي» وهو شبح يظهر في صورة ساحرة شريرة أو قطة عملاقة مثيرة للرعب، أما في جنوب أفريقيا فيرجعونها للسحر الأسود الذي يؤدي لظهور مخلوقات مخيفة تشبه الأقزام، وفي تركيا لم يختلف الأمر كثيرا حيث المخلوقات الغامضة التي تشبه الأرواح.

وهكذا تتعدد الثقافات فيما التفسيرات لا تنحاز للعلم و لكن لقوى غيبية خارقة للطبيعة، وهو ما تفسره د. سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، مشيرة لأن الأسطورة كانت دوما هي المرجع الأول و الأخير لكثير من تساؤلات الإنسان باختلاف مجتمعه وثقافته، وحتي بعدما قال العلم كلمته ظلت هذه المعتقدات تتوارثها الأجيال خصوصا في الظواهر التي لم يجد لها العلم علاجا أكيدا وحاسما.

الجاثوم

 باختصار وكما أكدت خضر فإن للخرافة أنصار يدافعون دوما عنها و ينفون العلم جملة و تفصيلا و حتى بعدما تغلغل العلم في كل جوانب الحياة بل و صار من المستحيل أن يعيش الإنسان من دون الاستفادة منه، يلجأ هؤلاء لإظهار نقص العلم في بعض المواضع و اعتباره دليلا على صحة خرافتهم، ناهيك عن ربط بعض هذه الخرافات بالدين ومن دون داع وهو ما يجب أن يرفضه المتدينون قبل العلماء حتى لا يكون الدين في مواجهة العلم.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock