يلتقط الناس الصور عادة عند الأماكن التي سكنوها وعند تلك التي مروا قربها، محلات وأسواق وأبنية إلا أن السور ظل دومًا هاربًا من صورنا الباسمة..
الأسوار أكبر من أعمارنا ومع ذلك لا نكف عن السخرية منها كأقسى آلامنا..
نشعر مع العزل أن أعمارنا قد توقفت عن التقدم..
وأن أكثرنا تشاؤمًا الآن لا يريد التقدم نحو الموت..
العيش بشكل علمي مرعب كما قال بافيزي..
ونحن نعرف هذه الأيام بخاصة ان مصافحة عابرة أو كلمة لطيفة أو ابتسامة..
يمكن أن تمثل تهديدًا لحياتنًا..
كيف اتسعت العزلة لتسع العالم بأكمله..
عزلة لم تمنع العالم من التوحش والعداء والانتقام والظلم..
أبحث في الأدب عن العدالة الرمزية، عن حاجز أريده أن يكون خياليًا حتى أعبره.
سورا وراء الآخر..
خوف يتزحزح وراءه خوف آخر..
ما الذي فعلته الأسوار؟
” السجين يرسم على جدار زنزانته صورة قطار بالغ الصغر يدخل نفقًا. وعندما يأتي سجانوه ليأخذوه يطلب إليهم بأدب أن ينتظروا لحظة ليتيحوا لي التأكد من شيء في القطار الصغير في لوحتي، وكالمعتاد أخذوا يضحكون لأنهم كانوا يعتبرونني ضعيف العقل فجعلت نفسي صغيرا، ودخلت اللوحة، ثم ركبت القطار الصغير، الذي أخذ يتحرك ثم أختفى في ظلمة النفق. ولبضع ثوان تالية، شوهد بعض الدخان يخرج منه الثقب المدور. ثم تلاشى ذلك الدخان ومعه تلاشت اللوحة ومعها شخصي” هرمان هيسة
السور حاسم في تحديد من في الخارج وعزله عمن في الداخل يصبح الغياب تاريخًا مشتركًا.
يشمل الحرمان الأهل أيضًا. الرغبة في أن تُرى وترى ما يقبع خلف السور.
الباب هو الرغبة والحق في البقاء في الداخل أو الخارج . بينما السور هو كل ما ينزع منا .السور هو الشاهد الصامت على حولات الحماية، الصراع، العقاب، النفي، الموت والطبقية. السور هو العزلة بينما الأبواب اختيار.
كتبت كريستا فولف في روايتها ما يبقى ترجمة بسام حجار:
“لا تخافي. فذات يوم سأتكلم أيضًا بتلك اللغة التي تضج في أذني وليست بعد على شفتي.
أما اليوم، كنت أعلم من قبل أن أوانها ما كان ليحين بعد. ولكن أتراني أحس بأوانها لما يجىء؟
تراني أهتدي أبدًا إلى لغتي؟ ذات يوم سأصبح عجوزًا. فكيف يكون لي عندها أن أتذكر تلك الأيام؟”
كتب أحمد فؤاد نجم:
أعرفكم جميعا إن السجن سور
وأعرفكم جميعا ان الفكرة نور
وعمر النور ما يعجز يأزح ألف سور
وعمر السور ما يقدر يحجز بنت حور.
أعرفكم جميعا إن الظلم شايخ
وأعرفكم جميعا باب السجن خايخ
وأعرفكم جميعا إن مالهوش أوكرة
وأعرفكم جميعا انه هيبقى ذكرى
وأعرفكم جميعا إن الثورة فكرة
وأبشركم جميعا إن الوعدة بكرا
والنور عندنا وعندكم يا حبايب
كتب محمد المخزنجي قصة الأسوار عن الخمسة سجناء الذين كان العابرون يتوافدون لرؤيتهم من وراء الأسوار ثم “أخذت وفود الآتيين لرؤية الخمسة تقل رويدا رويدا حتى لم يعد يأتي زائر واحد ولفترات راحت تطول، وكان العالم المختزل إلى سجن تقتطع منه زيارات الناس فيختزل أكثر وكلما أوغلت الشهور يتحول الواحد من الخمسة إلى “مسجون”
كان كل واحد منهم يتمسك بالنظر إلى ما وراء السور، كانوا يلمحون أطفالا ذاهبين إلى مواعيد لعبهم فيلوحون إليهم. خجل كل واحد من ” الخمسة” من أن يصرح لزميله أن تلك اللحظة فقط تساعده على العبور لثواني إلى ما وراء السور، حيث كل صورنا المسروقة.
“هل كانت هذه اللحظة مجرد لعبة يلعبها فريق الشجعان الخمسة، ويستعدون لها بالانتظار كل يوم؟ أن واحدا منهم لم يقل أبدا للآخر أنه ينتظر، ومع ذلك كانوا يصعدون جميعا درجات السلم عند الظهيرة، وينتظرون في صمت وهم يحدقون بتململ واضح في مساحة الشارع التي تقع في حيز رؤيتهم من موقعهم هذا. وكأنهم خجلون من البوح بهذا الأمر الصغير، يتبادلون النظرت التي لا تستقر، وإذا استقرت يهرب الواحد منهم بعينيه وقد ظن ان زميله قد كشه ويبادر بالتمويه: “على فكرة بيت خطيبتي قريب من هنا وهى بتمر من السكة دي”
كتب صلاح جاهين:
ياما نفسي أهج
أحج ويا الطيور
أوصيك يا ربي لما أموت.. والنبي
ما تودنيش الجنة
للجنة سور..