ثقافة

المبدعون خارج القاهرة.. «كتاب الأقاليم» يخوضون رحلة في التيه

القاهرة مدينة الإبداع والثقافة والفنون التي احتضنت عبد الرحمن الأبنودي وأمل دنقل ويحيى الطاهر عبد الله وغيرهم الكثير من مبدعي ومثقفي وأدباء وفناني مصر بطول البلاد وعرضها، هل باتت عاجزة عن إستيعاب المبدعين الجدد من خارجها؟! .. ولماذا ظهر على سطح الحياة الثقافية بمصر مصطلح «كتاب الأقاليم»؟! .. أهو نوعا من التمييز الإيجابي أم محاولة للإقصاء؟! .. تساؤلات عدة تفرض نفسها على من يتطرق لأزمة مبدعي فن المسرح المقيمين خارج القاهرة.

الكاتب عبد الغني داود في دراسته المعنونة: «المبدعون خارج القاهرة .. كتاب المسرح في الأقاليم» يتتبع ما يمكن أن نطلق عليه خريطة الإبداع المسرحي لكتاب المسرح خارج القاهرة الذين أطلق عليهم «كتاب الأقاليم» في إطار محاولة لطرح قضية «أزمة النص في المسرح المصري» وهل هى أزمة إبداع حقيقية؟ .. أم أنها «أزمة مفتعلة اطلقها البعض للسيطرة على مجريات الحياة المسرحية بالقاهرة» كيفما يرى مؤلف الكتاب.

الأبنودي ومصطفى الشريف وأمل دنقل
الأبنودي ومصطفى الشريف وأمل دنقل

مسرح الثقافة الجماهيرية .. مسرح من الدرجة الثانية

يستهل الكاتب عبد الغني داود دراسته حول أزمة مبدعي فن المسرح المقيمين خارج القاهرة بالإشارة إلى أن مسارح القاهرة قد استبعدتهم بشكل شبه تام وأن مسرح الثقافة الجماهيرية يعد الملجأ الوحيد لهؤلاء الكتاب وأن مؤلفي هذا المسرح يخوضون رحلة من المعاناة والحيرة تبدأ بلجان القراءة التي ترفض النصوص في كثير من الأحيان لأسباب لا علاقة لها بفن المسرح، وحين يُجاز أحد النصوص من قبل لجان القراءة فإن مؤلفه يبدأ في خوض رحلة أخرى من المعاناة في البحث عن مُخرج يتحمس للنص ذلك أن مُخرجي مسرح الثقافة الجماهيرية عادة ما يفضلون النصوص القديمة المتوارثة منذ بدايات المسرح المصري يكررونها ويعيدون تقديمها خوفا من المخاطرة بتجريب النصوص الجديدة خاصة ما إذا كان مؤلف النص من المؤلفين الجدد الغير معروفين على الساحة الأدبية.

إلى جانب أزمة الوصول لذلك المخرج الذي سوف يتحمس لتقديم النص توجد أزمة التعامل مع جهاز الرقابة من أجل الحصول على ترخيص تقديم العمل على خشبة المسرح حيث يُطلَب من المؤلف تعديلات عدة تبدأ بحذف بعض الجمل والفقرات وقد يطال الحذف عدة صفحات بطريقة قد تفقد النص الكثير من مضمونة وتماسكه.

لا تنتهي عملية تشويه النص المسرحي بالنفاذ من مخالب الجهاز الرقابي ولكن تستمر العملية على يد المُخرج الذي قد يبيح لنفسه التعديل والحذف أو الإضافة دون الرجوع للمؤلف في كثير من الأحيان وقد يجد المؤلف نفسه ببعض الأحيان في موقع المُضطر لحذف أغلب الشخصيات النسائية أو دمجها وذلك لندرة عدد الممثلاث بمسارح الثقافة الجماهيرية بالأقاليم.

من جانب آخر يعاني مسرح الثقافة الجماهيرية بالأقاليم من انعدام تواجد الفرق المسرحية الدائمة واعتماد تلك الفرق في الغالب الأعم على الممثلين الهواة مع ما يعانوه من مشكلات تتعلق بعدم الالتزام وعدم الفهم الجيد لوظيفة فن المسرح هذا إلى جانب ندرة الموارد المادية وما يتبعها من نقص في الإمكانات المتاحة.

إذا ما تجاوز النص المسرحي كافة العقبات وصولا للخروج للنور على خشبة المسرح فإن الكاتب المسرحي سوف يكتشف أن مسرحيته لن تقدم للجمهور سوى ليال قصار تعد على أصابع اليد أو أنه سوف يقدم بإحدى المناسبات القومية أو الأعياد المحلية لليلة واحدة أو اثنتين، وعلى الجانب الآخر يعاني الكاتب المسرحي بمسرح الثقافة الجماهيرية من تجاهل النقاد ذلك أنهم يتعاملون مع هذا المسرح بوصفه «مسرح من الدرجة الثانية» على حد وصف مؤلف الكتاب.

عرض مسرحي بالأقاليم
عرض مسرحي بالأقاليم

«دستور يا سيادي»… و«عروس الجنوب»

يطوف عبد الغني داود بعالم كتاب المسرح خارج القاهرة ويبدأ رحلته بالكاتب المسرحي ابن كفر الشيخ عادل موسى الذي قدم لمسرح الثقافة الجماهيرية ست عشرة مسرحية إلى جانب تأليف القصة القصيرة والكتابة الدرامية للتليفزيون.

يتنوع العالم المسرحي لدى عادل موسى ما بين الميلودراما والمسرح التعبيري العبثي والمسرح التاريخي وتدور أحداث أغلب أعماله بالريف في إطار حبكة درامية تقوم على الصراع ما بين الخير والشر التي تنتهي دائما وأبدا بالانتصار للخير.

طرح عادل موسى بمسرحه العديد من القضايا الاجتماعية وعلى رأسها قضية الثأر التي كانت قد انتقلت من الصعيد إلى الدلتا عبر مسرحيته «الخروج من الحصار» كما طرح طبيعة المشكلات والقضايا التي يعاني منها الريف المصري خلال مسرحياته «العباية» و«العطش» ومسرحية «أوكازيون» التي تناول فيها قضية الخصخصة التي لا تقتصر على مجال الشركات والمصانع وإنما تتجاوز ذلك لتصل للقطاع الزراعي أيضا.

يطرح عادل موسى قضية الصراع العربي الصهيوني من خلال مسرحيته «دستور ياسيادي» ومسرحية «عروس الجنوب» التي تناول فيها واقعة استشهاد المناضلة «سناء محيدلي» عروس الجنوب اللبناني معتمدا على أسلوب يختلف كثيرا عما هو معتاد بأعماله حيث جمع ما بين الشكل الرمزي والملحمي معتمدا على لغة شعرية فصيحة وذلك على خلاف مجمل أعماله التي كانت تعتمد على اللهجة العامية المصرية حتى تلك المسرحيات التي كانت تحمل ملمح تاريخي كمسرحية «على مشارف بغداد» ومسرحية «قايتباي. »

سناء محيدلي
سناء محيدلي

«ليلة زفاف الحلم»… و«نتاج الخوف»

بمسرحية «ليلة زفاف الحلم» التزم الكاتب والمخرج المسرحي ناصر العزبي ابن دمياط بمعالم المسرح الملحمي وبالدراما الملحمية القائمة على عرض اللقطات القصصية المُمَسرحة التي تتناول محنة جيل الشباب الذي بات يعيش على حلم السفر للخارج لينتهي حلمه بالشعور بالغربة والضياع أوالموت غرقا ببعض الأحيان، وبذات السياق ينتقل العزبي لمسرحيته «طقس السبوع» التي يمكن وصفها بكونها تنتمي لعالم «مسرح الشارع» الذي يعتمد على إمكانات البيئة المحلية المتاحة والبسيطة في آن واحد مع الحفاظ على الطابع الملحمي الذي يعتمد على سرد الأحداث لا تجسيدها.

في مسرحيته «حكايات من الصعيد الجواني» أو «نتاج الخوف» الحاصلة على جائزة سعاد الصباح عام 1992 يعتمد العزبي على الشكل الملحمي المعتمد على دور الراوي والمستمعين ولهجة الراوي تعتمد على عامية الوجه البحري بينما لهجة الشخصيات التي تدور حولها الأحداث تعتمد على لهجة صعيد مصر والراوي هنا لا يقوم فقط بالتعليق السردي خلال العرض المسرحي بل إنه إضافة لذلك فإنه يشارك في خلق الجو العام للمسرحية وأحداثها إلى جانب القيام بتوجيه التعليقات للجمهور.

ناصر العزبي
ناصر العزبي

«أبو زيد لما غرب»

يبحر الكاتب عبد الغني داود بعالم كتاب المسرح بطول مصر وعرضها وصولا لمدينة أسوان فيتناول نص «أبو زيد لما غرب» للكاتب الروائي والقاص أحمد أبو خنيجر الذي أبحر فيه بعالم السيرة الهلالية عبر تجسيد أطلال تلك القرية المتهالكة التي التف أهلها حول الراوي الذي أعتاد أن ينشد لهم روائع القصص على ألحان ربابته، يطالبونه بأن ينشد لهم سيرة دياب أو سيرة أبو زيد أو الزناتي بينما يطالبه آخر بأن ينشد لهم عن زمانهم وما يعانونه.

يبدأ الراوي إنشاده بالصلاة على النبي ومن ثم يتبع حديثه بسرد روايته التي ينتقل فيها من الحديث عن حكايات السيرة الهلالية إلى الحديث عن دعوى الحق في ميراث الأبناء للحكم الذي يدعيه بعض الملوك والسلاطين وقد نهل أبو خنيجر من المتن الشعري للسيرة الهلالية واستطاع ببراعة أن ينتقل ما بين أحداث السيرة الهلالية وأسئلة الواقع المعاش بسلاسة ويسر.

أحمد أبو خنيجر
أحمد أبو خنيجر

في نصه «كرم النخل» استلهم أحمد أبو خنيجر قصيدة العامية في «ديوان أحمد سماعين» للشاعر عبد الرحمن الأبنودي عبر تحويل القصيدة لنص مسرحي من سبعة مشاهد وفق خلالها من الخروج من عالم القصيدة بنص مسرحي يختلف عن النص الشعري ويتجاوزه.

المشترك والمميز ما بين كتاب المسرح خارج القاهرة الذين أطلق عليهم لقب «كتاب الأقاليم» أنهم تمكنوا ببراعة شديدة من التعبير عن قضايا عالمهم الخاص وقضايا إقليمهم الذي يقيمون فيه في تشابكها مع قضايا وطنهم الأكبر متجاوزين في كثيرا من الأحيان أزمة كونهم غير مرغوب فيهم بعالم المسرح بالقاهرة .. السؤال الملح الذي بات يفرض نفسه الآن لماذا تصاعد الإعلان المستمر عن وجود أزمة في مجال إبداع النصوص المسرحية مع هذا الكم الكبير من كتاب المسرح بالأقاليم الذين تتميز الكثير من أعمالهم بالجدية والإجادة؟! .. تساؤل مازال مطروح وفي حاجة لمن يجيب عليه

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock