هل كان استخدام القوة عنصرا رئيسيا في المنهج الذي وضعه حسن البنا للتغيير ؟ للإجابة على هذا السؤال ينبغي أن نتعرف على ما قاله البنا بنفسه عن استخدام القوة كأداة للتغيير:
أ-أفكار البنا الرئيسية: هي جملة من الأفكار تُنتج بعضها بعضًا في متوالية فكرية نستطيع من خلالها تكوين صورة عن هذا الأمر، وسوف نأخذ مقتطفات من كلام البنا لنتبين ذلك بوضوح، وهي كالتالي:
1- الإسلام نظام شامل: “الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعًا، فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة ..”.
2- الإسلام هو السبيل لسعادة البشرية: “اعتقدت هذا واعتقدت إلى جانبه أنه ليس هناك نظم ولا تعاليم تكفل سعادة هذه النفوس البشرية، وتهدي الناس إلى الطرق العملية الواضحة لهذه السعادة كتعاليم الإسلام الحنيف الفطرية الواضحة العملية”(6).
3-لا بد من قيام دولة تطبق الإسلام: حيث يرى ضرورة وجود دولة تطبق أحكام الإسلام من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”الإسلام الذي يؤمن به الإخوان المسلمون يجعل الحكومة ركنًا من أركانه، ويعتمد على التنفيذ كما يعتمد على الإرشاد”(7).
4-الحكومات الحالية لا تطبق الشريعة فهي والمجتمع غير مسلمين: “الأمة إذا ظلت على ما هي عليه من خروج على تعاليم الإسلام العملية ونظمها فهي غير مسلمة، وإن ادعت غير ذلك حتى يَنشَقّ حلقها وصرخت به حتى تملأ صرختها أجواز الفضاء”(8).
5-الحكومات لا تستجيب لمطالب الإصلاح: “الإخوان المسلمون لم يروا في حكومة من الحكومات التي عاصروها من ينهض بهذا العبء، أو من يبدي الاستعداد الصحيح لمناصرة الفكرة الإسلامية، فلتعلم الأمة ذلك، ولتطالب حكامها بحقوقها الإسلامية، وليعمل الإخوان المسلمون”(9).
6- الإخوان هم الأقدر على أداء هذه المهمة: “.. وكذلك، إلى مختلف نواحي النشاط الأخرى التي يدرب بها الإخوان على الواجب الذي ينتظرهم كجماعة تُعد نفسها لقيادة أمة بل لهداية العالمين”(10).
7- الجهاد وسيلة لنشر الدعوة: البنا يرى في الجهاد ليس وسيلة للدفاع فقط ولكنه وسيلة لنشر الدعوة وإقامة الدولة وتطبيق الشريعة، وكان لركن الجهاد لدى البنا مكانة كبيرة من حيث بث الروح الخاصة به في نفوس الإخوان بشكل دائم.
8- ضرورة انتزاع الحكم حال عدم الاستجابة للإصلاح: “وعلى هذا فالإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم، فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل هذا العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني فهم جنوده وأنصاره، وإن لم يجدوا فالحكم من مناهجهم، وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله”(11).
9- وسيلة انتزاع الحكم: يتحدث البنا في رسالة المؤتمر السادس عن تلك الوسيلة تحت عنوان “وسيلة الإخوان المسلمين : أما وسائلنا العامة، فالاقناع ونشر الدعوة …، ثم استخلاص العناصر الطيبة ..، ثم النضال الدستوري ..، أما ما سوى ذلك من الوسائل فلن نلجأ إليه إلا مُكرَهين، ولن نستخدمه إلا مضطرين”(12).
https://www.youtube.com/watch?v=Vgo-gUzRwcc
وهكذا فإن البنا يرى أن الإسلام شامل وأن به أحكام يجب تطبيقها في مختلف جوانب الحياة لأنها هي الصالحة للبشرية، ومن ثم لابد من وجود حكومة تطبق الشريعة غير الحكومات القائمة التي ترفض ذلك، ويرى أن الإخوان هم من يستطيعون تنفيذ هذا الأمر، عن طريق انتزاع الحكم من خلال الجهاد الذي يراه وسيلة لنشر الدعوة وتطبيق الشريعة.
الإخوان العاديون، فأعداد الإخوان كثيرة ولكن هو يقصد أفرادًا آخرين، أفرادٌ تم تربيتهم وتدريبهم بعناية “وقد يظن من يسمع هذا أن الإخوان المسلمين قليل عددهم أو ضعيف مجهودهم، ولست إلى هذا أقصد .. فالإخوان المسلمون والحمد لله كثيرون .. ولكن أقصد إلى ما ذكرت أولًا من أن رجل القول غير رجل العمل، ورجل العمل غير رجل الجهاد، ورجل الجهاد غير رجل الجهاد المنتج الحكيم الذي يؤدي إلى أعظم الربح بأقل التضحيات”(14)، حدد البنا هنا شروط المرحلة الأخيرة في مشروعه وهي مرحلة التنفيذ والتي حددها بأنها التي تظهر بعدها ثمار عمل الجماعة، ويُفهم من ذلك أنه يقصد الوصول إلى الحكم وإقامة الدولة المنشودة، وهذه الشروط هي امتلاك القوة المادية وتوافر الأفراد المدربون القادرون على استخدمها.
ثم يوضح أكثر في ذات المؤتمر في الإجابة على سؤال: هل في عزم الإخوان أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم والوصول إلى غاياتهم؟
يرى البنا أن فكرة امتلاك القوة واستخدامها كأداة للتغيير أمر وارد بل مشروع، بشرط أن يسبقها إعدادٌ ما، وأن تكون آخر الحلول المتاحة، ولكنها متاحة على أي حال، فالمبدأ في حد ذاته غير مرفوض، والمشكلة تكمن في أنه قال قبل ذلك أن عدم استجابة الحكومة لمطالب الإصلاح وتطبيق الشريعة ينتج عنه ضرورة نزع الحكم منها، ومن الوارد كما حدث معه رغم كثرة نداءاته بذلك ألأّ تستجب له الحكومات، وبالتالي فإن إستخدام القوة في التغيير آتٍ لا محالة.
ويبرر ذلك بأن “القوة شعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته”(15)، ولذلك “فالإخوان المسلمون لا بد أن يكونوا أقوياء، ولا بد أن يعملوا في قوة”(16)، ولكنه يرى أن استخدام القوة كأداة للتغيير له شروط “ولكن الإخوان المسلمين أعمق فكرًا وأبعد نظرًا من أن تستهويهم سطحية الأعمال الفكر، فلا يغوصوا إلى أعماقها ولا يزنوا نتائجها وما يُقصد منها وما يُراد بها، فهم يعلمون أن أول درجة من درجات القوة قوة العقيدة والإيمان، ويلي ذلك قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدها قوة الساعد والسلاح، ولا يصح أن تُوصف جماعة بالقوة حتى تتوافر لها هذه المعاني جميعًا، وإنها إذا استخدمت قوة الساعد والسلاح وهي مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء والهلاك”(17)، وهذه الشروط التي وضعها البنا نرى كيف صاغ مرحلتي العمل الثانية والثالثة – التكوين والتنفيذ – على أساسهما، وكيف وضع الوسائل والإجراءات في كل مرحلة بما يكفل تحقيق تلك الشروط؛ حيث عمل على تربية الأفراد تربية روحية، وربطهم ببعض برباط الأخوة الإسلامية، واختيار بعض العناصر وتدريبها بدنيًا وجسمانيًا .
ثم يُجيب بوضوح عن السؤال الذي طرحه في البداية: هل في عزم الإخوان أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم والوصول إلى غاياتهم؟ قائلًا “إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يُجدي غيرها، وحيث يستكملون عُدة الإيمان والوحدة، وهم حين يستحدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء، وسينذرون أولًا، وينتظرون بعد ذلك ثم يُقدمون في كرامة وعزة، ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح”(18).
يتضح من تتبع أفكار البنا الرئيسية ونظرته للقوة وأهميتها؛ أن استخدام القوة لديه خيار مطروح وأمر حتمي في وقت معين ومرحلة محددة وبشروط وضوابط وضعها سلفًا.
المراجع:
(6) حسن البنا، مجموعة الرسائل، رسالة المؤتمر الخامس ، ص 164
(7) المصدر السابق، ص 186
(8) حسن البنا، مجلة النذير ، مقال القرآن والدستور ذو القعدة 1357
(9) حسن البنا، مجموعة الرسائل، رسالة المؤتمر الخامس، ص 187
(10) المصدر السابق، ص 175
(11) المصدر السابق، ص 187
(12) المصدر السابق، ص 322
(13) المصدر السابق، ص 177
(14) المصدر السابق، ص 177
(15) المصدر السابق، ص 185
(16) المصدر السابق، ص 185
(17) المصدر السابق، ص 185
(18 ) المصدر السابق، ص 185، 186