رؤى

كيف هزمت أيسلندا فيروس كورونا؟! (2)

عرض وترجمة: أحمد بركات
يعتبر كاري ستيفانسون، الرئيس التنفيذي لشركة deCODE Genetics (ديكود جينيتكس)،  وهي شركة تكنولوجيا حيوية أيسلندية، أحد أبرز منتقدي سياسات الحكومة الأيسلندية، وغالبا ما ينشر مقالات رأي في الصحف حول موضوعات تتراوح من إدارة مصايد الأسماك إلى تمويل المستشفيات. وقبل سنوات قليلة، قام ستيفانسون بكتابة عريضة وقع عليها ثلث سكان أيسلندا يطالبون فيها حكومة بلادهم بزيادة الإنفاق على الرعاية الصحية. وفي مارس الماضي، عندما أعلنت “إدارة حماية البيانات” أنها لا يمكنها إصدار قرار عاجل بشأن الطلب المقدم من شركة deCODE  لفحص الأيسلنديين الذين لا يعانون من أعراض كوفيد – 19، أو الذين يشتكون من أعراض خفيفة، نشر ستيفانسون استنكارا مطولا ومشددا على حسابه على موقع “فيسبوك”. لكن، عندما سألت ستيفانسون عن رد فعل الحكومة الأيسلندية تجاه كوفيد – 19، أجاب بكلمات رقيقة وإيجابية للغاية.

ايسلندا كورونا

“كان متوازنا للغاية”، كما قال ستيفانسون، مضيفا: “أعتقد أن السلطات فعلت كل شيء على الوجه الصحيح”. وتابع: “اللافت في الأمر هو أن سلطات الرعاية الصحية هي من تولى إدارة الأمر برمته. فقد وضعوا خطة محكمة، وتمكنوا من فرضها بشكل جيد. كنا محظوظين لأن سياسيينا تمكنوا من السيطرة على أنفسهم.”

في رسيكافيك، أقمت في أحد الفنادق القليلة التي كانت لا تزال مفتوحة، على مسافة غير بعيدة من مبنى البرلمان. وفي إحدى الأمسيات، لدى عودتي إلى الفندق، تفاجأت بطاقم تصوير، ومجموعة من المعدات تملأ بهو الفندق. وأمام الكاميرات، وقف رجلان وامرأة في منتصف أعمارهم. ورغم أن حضوري إلى أيسلندا لم يمض عليه أكثر من يومين، إلا أنني تعرفت عليهم جميعا من الوهلة الأولى؛ إنهم عناصر الفريق الذي كان يوجه استجابة أيسلندا لكوفيد – 19، وهم: مدير إدارة الطوارئ فيوير رينيسون، وكبير علماء الأوبئة بالإدارة بولفور جوناسون، ومديرة القسم الصحي بالإدارة آلما مولر.

عمل كل من رينيسون وجوناسون ومولر معا من مركز قيادة كوفيد – 19 مرتجل من داخل مكاتب حرس السواحل الأيسلندية. وعلى مدى مارس وأبريل ومعظم مايو، كان ثلاثتهم يقدمون معا نصائح يومية موجزة في تمام الساعة الثانية بعد الظهر، وكانوا يناقشون فيها، بواقعية شديدة، كل ما يعرفونه عن الأزمة. كما قاموا في بعض الأحيان بتوجيه دعوات لضيوف من شاكلة عالم النفس الذي تحدث عن الأسلوب الأمثل الذي يجب انتهاجه عند الحديث إلى الأطفال عن الوباء. وفي إحدى المناسبات، حذروا من التضليل المعلوماتي؛ على سبيل المثال، العواقب القاتلة المحتملة لمحاولة مكافحة فيروس كورونا عن طريق شرب المبيضات. في مرحلة ما، كان 75% من الأيسلنديين يتابعون هذه الحلقات، وهو ما منح رينيسون وجوناسون ومولر شهرة واسعة، وصاروا يعرفون بـ “الثلاثي”، أو “الثالوث المقدس”.

في اليوم التالي، كنت على موعد مع مولر. وبعد أن تجاذبنا أطراف الحديث حول أوضاع كوفيد – 19 في الولايات المتحدة، فتحت جهاز الكمبيوتر المحمول خاصتها، لتعرض لي بعض الرسوم البيانية والجداول عن أيسلندا. أظهرت هذه الرسوم أن عدد حالات كوفيد – 19 في أيسلندا كانت تفوق نظيراتها في الدول الاسكندنافية، بل وإيطاليا وبريطانيا. . فقد كان هناك موجة تفشي في دار لرعاية المسنين في بلدة بولونجارفيك، في شمال غرب أيسلندا، وموجة أخرى في جزر ويستمان.

“كانت الأرقام في البداية مروعة”، كما قالت مولر. وعزت النجاح في حفض أعداد الحالات – من بين أشياء أخرى – إلى البداية المبكرة. كان “الثالوث المقدس” إلى جانب مسئولين من مستشفى جامعة أيسلندا، قد شرعوا في عقد اجتماعات في يناير.

“رأينا ما يحدث في الصين. ورأينا صورا لأشخاص يرقدون صرعى في أقسام الطوارئ، وأحيانا في الشوارع. كان واضحا أن شيئا مريعا يحدث على الأرض. وبالطبع، لم نكن نعرف إذا ما كان سينتشر في دول أخرى. وكان لا بد من اغتنام الفرصة. لذا بدأنا في الاستعداد “. على سبيل المثال، اكتشف المسئولون أن أيسلندا لا يتوافر لديها معدات وقاية كافية للعاملين في قطاع الرعاية الصحية، ومن ثم عكف المسئولون في المستشفيات على شراء هذه المعدات لتلبية احتياجات مؤسساتهم.

ايسلندا كورونا

في هذه الأثناء، بدأت مولر تشكيل فريق “دعم”. “الجميع هنا في أيسلندا يعرفون الجميع”، كما قالت، مضيفة: “لذلك، قمت بالاتصال برئيس ’الجمعية الطبية الأيسلندية‘ و’رئيس جمعية التمريض‘. وشجعنا الأطباء الذين تقاعدوا مؤخرا، والممرضات اللاتي تركن التمريض وذهبن إلى أعمال أخرى على التسجيل في الفريق”. ومع بداية تسارع وتيرة تشخيص حالات جديدة، بدأ “فريق الدعم”، إلى جانب الأطباء الذين أغلقوا مكاتبهم بسبب الوباء تقديم إرشادات عبر الهاتف. “إذا كان عمرك 70 عاما، أو إذا كنت مريضة بارتفاع ضغط الدم، يتم الاتصال بك يوميا. أما إذا كنت شابة وبصحة جيدة، فيتم الاتصال بك مرتين أسبوعيا”، كما أخبرتني مولر. وتابعت: “إنني على يقين من أن هذا الإجراء نجح بدرجة كبيرة في تقليل أعداد حالات الدخول إلى المستشفيات بوجه عام، وإلى العناية المركزة على وجه التحديد”.

يبدو أن هذا الإجراء أسهم أيضا في الحد من أعداد الوفيات. جدير بالذكر أن معدل الوفيات جراء كوفيد – 19 في أيسلندا يبلغ 1 من كل 180 حالة مؤكدة، أي ما يعادل 0.56%، وهو أحد أقل المعدلات في العالم. وقد أثار انخفاض هذا العدد بعض الشكوك. على إثر ذلك قررت الإدارة التي تترأسها مولر مراجعة أعداد الأيسلنديين الذين لقوا حتفهم لأي سبب من الأسباب منذ اندلاع أزمة تفشي الوباء. وتبين أن إجمالي معدل الوفيات في أيسلندا تراجع فعليا منذ وصول فيروس كورونا.

ولدى سؤالها عن أقنعة الوجه، أجابت مولر أن ارتداء قناع الوجه يمكن أن يكون مستحسنا للشخص المريض الذي يسعل، لكن هذا الشخص يجب ألا يتجول في أماكن عامة وسط الناس بأي حال من الأحوال. وتابعت: “نعتقد أنها لا تضيف كثيرا، وأنها يمكن أن تضفي إحساسا زائفا بالأمان”، مضيفة: “كما أن أقنعة الوجه قد تكون مفيدة لبعض الوقت، لكنها بعد ذلك تصاب بالبلل، ولا يكون لها قيمة على الإطلاق”.

إليزابيث كوليرت – كاتبة بمجلة The New Yorker، ومؤلفة كتاب The Sixth Extinction: An Unnatural History (الانقراض السادس: تاريخ غير طبيعي)، الحائز على “جائزة بوليتزر” في عام 2015

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock