رؤى

مكافحة الإرهاب في تونس.. نجاحات وإخفاقات

عرض وترجمة: أحمد بركات
إلى جانب الاقتصاد المتعثر والانتقال السياسي الفوضوي، ترك عقد من الزمان، بدأ مع اندلاع ثورة عام 2011، تونس في مواجهة مشكلة إرهابية تطل برأسها على فترات متقطعة، لكنها تتسم في الوقت نفسه بالشراسة والعنف.

ففي 6 سبتمبر الماضي، شهدت البلاد حدثا صارخا يجسد هذه الإشكالية، عندما قتلت قوات الشرطة التونسية بالرصاص ثلاثة مسلحين قاموا بطعن اثنين من ضباط الشرطة في ميناء القنطاوي، بالقرب من مدينة سوسة الساحلية، مما أودى بحياة أحدهما. يأتي هذا الهجوم في أعقاب هجوم مارس، عندما قام مسلحَين على دراجة بخارية بتفجير نفسيهما بالقرب من السفارة الأمريكية في تونس العاصمة. كما حصد هجومان تفجيريان في العاصمة تونس حياة شرطي آخر وأسفر عن إصابة مدنيين في يونيو 2019.

وبرغم ما أسفرت عنه هذه الهجمات، إلا أنها لا تزال أقل عنفا مقارنة بما شهدته تونس في السنوات الأخيرة. ففي مارس 2015، اقتحم مسلحون  المتحف الوطني في باردوبتونس، مما أسفر عن مقتل 20 شخصا. وفي ذاك الصيف- في نفس المدينة التي شهدت طعنات سبتمبر -قتل مسلح وحيد 38 شخصا، أغلبهم سائحين في منتجع شاطئي. وفي نوفمبر من العام نفسه، قتل انتحاري 12 من أعضاء الحرس الرئاسي، ليطوي صفحة عام مثل في مجمله اختبارا قاسيا للتحول الديمقراطي في تونس.

https://www.youtube.com/watch?v=BvoF8b6ElDk

الجماعات المتمردة في الجبال

تمثل الهجمات الإرهابية على أهداف مدنية الوجه الأكثر وضوحا للمعضلة الأمنية التونسية، والذي يترك تداعيات عميقة على صناعة السياحة ويلقي بظلال قاتمة على آفاق الاستثمار في البلاد. كما تخوض تونس على الجبهة الأخرى، بعيدا عن الخط الساحلي المتمدن على ساحل البحر الأبيض المتوسط، صراعا أكثر ضراوة؛ حيث تخوض مجموعات مسلحة تمردا منخفض الكثافة ضد الحكومة التونسية في السلسلة الجبلية الواقعة بطول الحدود مع الجزائر.

كانت هذه الجماعات المسلحة قد حققت نجاحا لافتا في أن تخلق لنفسها موطئ قدم في تونس في أعقاب حالة عدم الاستقرار التي ضربت البلاد في أعقاب الثورة الشعبية في عام 2011، حيث أعاق انهيار البنية الأمنية في حقبة ما بعد بن علي قدرة الحكومة في هذا الفترة المضطربة على مراقبة المناطق الحدودية ومنع تسلل الجماعات المسلحة القادمة من الجارة الجزائرية.

وتمكن مقاتلون منتمون إلى “تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي” من التسلل إلى تونس، وتكوين جماعة محلية أطلقت على نفسها “كتيبة عقبة بن نافع”، تنطلق من جبال الشعامبي بالقرب من مدينة القصرين. كما أسست جماعة أخرى تعرف بـ “جند الخليفة” لوجودها العملياتي بالمنطقة، وبايعت تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وقد نجحت الجماعتان في اجتذاب مقاتلين أجانب، برغم أن هيكلها الأساسي – كما يُعتقد – يقوم على مجندين تونسيين بالأساس.

ومثلت فعالية هذه الجماعات وما حققته من معدلات قتل مفاجأة صادمة لقوات الأمن التونسية. إضافة إلى ذلك، كان الجيش التونسي في أثناء معظم فترة حكم زين العابدين بن علي في حالة ضعف دائم بسبب – من بين عوامل أخرى –خوف الأوتوقراطيين التونسيين من وقوع انقلابات عسكرية في البلاد. وقد سمح هذا التهميش للمؤسسة العسكرية ببقاء الجيش غير مسيس، وهو ما أسهم في المحافظة على قدر من الاستقرار في أعقاب ثورة عام 2011. لكنه كان يعني – في الوقت نفسه – أن القوة العسكرية المنوط بها مجابهة التمرد الإسلاموي كانت ضعيفة ولم يسبق اختبارها، وأنها لا تزال في طور التكيف مع دور جديد لم تعهده من قبل.

وقد تجلت نتيجة ذلك أكثر ما تجلت في سقوط أعداد كبيرة نسبيا من القتلى والجرحي في صفوف القوات التونسية، وبخاصة في السنوات الأولى من التمرد. فمنذ عام 2011، أدى هذا الصراع إلى مقتل وإصابة 300 من عناصر الأمن التونسي – بما في ذلك ضباط وجنود وعناصر من الحرس الوطني – في مقابل 150 من المتمردين. وبرغم استهداف المدنيين بكثافة، إلا أن المسلحين كانوا يسعون بالأساس إلى زيادة الخسائر في صفوف الجيش وقوات الحرس الوطني.

رغم ذلك، تعد أعداد الضحايا في صفوف الجيش وقوات الحرس الوطني قليلة نسبيا إذا ما قورنت بما أسفرت عنه حركات تمرد أخرى أكثر عنفا وأطول عمرا. لكن، في نهاية المطاف، تمكنت هذه الجماعات من زعزعة قوات لم يسبق لها الانخراط في صراعات من هذا النوع. وكان لاستخدام الألغام المصنوعة يدويا على وجه التحديد أعمق الأثر على قوات الأمن التونسية، وامتد هذا التأثير من الإصابات الجسدية إلى معنويات الجنود والقيادات.

https://www.youtube.com/watch?v=vhSBQtMq1Hg

مقاومة الدولة

رغم ذلك، شهدت السنوات الأخيرة تراجع حجم الخسائر في صفوف القوات التونسية، التي استهدفت بشكل فعال البنى المسلحة للجماعات المتمردة، ونجحت في تقليص مناطق نشاطاتهم العملياتية. وقد تحقق ذلك من خلال مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع الجيش الجزائري، وتكثيف التدريبات العسكرية مع قوات أجنبية والحصول على مزيد من المعدات القتالية المتطورة، وزيادة حجم التعاون والتنسيقبين الشرطة التونسية والحرس الوطني والجيش.

كما لعبت المساعدات العسكرية الأجنبية – وأغلبها من الولايات المتحدة وأوربا – دورا حاسما في دعم جهود مكافحة التمرد. فقد قامت القوات الخاصة الأمريكية بتدريب ودعم القوات التونسية بشكل سري، وشاركت – حسبما تفيد بعض التقارير – في معركة واحدة على الأقل بالأسلحة النارية ضد المسلحين في عام 2017. كما تقوم الولايات المتحدة أيضا بتشغيل قاعدة للطائرات بدون طيار من مدينة بنزرت التونسية.

ومنذ عام 2010، زاد حجم الإنفاق العسكري التونسي من 572 مليون دولار سنويا إلى مليار دولار سنويا في عام 2019، مما ساعد على امتلاك مزيد من المعدات العسكرية الحديثة، تضمنت 12 مروحية من طراز “بلاك هوك” أمريكية الصنع بقيمة إجمالية 700 مليون دولار، وحاملات جنود مصفحة، وصواريخ من طراز “هيلفاير”. كما سمحت عقود عسكرية سابقة كانت القوات المسلحة التونسية قد تمكنت من إبرامها بشراء 52 عربة من طراز “همفي”، وطائرتي نقلمن طراز “سي – 130 جيه”.

وارتفع عدد الجنود التونسيين من أقل من 25 ألف في عام 2011 إلى حوالي 45 ألف في عام 2016. كما لعب رد الفعل المؤسسي دورا بارزا أيضا في هذا الصراع. ففي عام 2015، أنشأت الحكومة التونسية لجنة وطنية لمكافحة الإرهاب أسهمت بشكل فعال في تجميد الأصول المالية ذات الصلة بتمويل الإرهاب، كما شكلت وحدة خاصة من القضاة للتعامل مع قضايا الإرهاب.

https://www.youtube.com/watch?v=4Hwg0LUr3Eo

رغم ذلك، ليس مستغربا أن تستمر نجاحات المتمردين في زعزعة الاستقرار في بعض الجيوب بالمناطق النائية في تونس. فعلى عكس المدن الساحلية الي تدعمها السياحة والصناعة، عانت المناطق الداخلية لفترة طويلة من الإهمال الحكومي وتراجع الاستثمار. ويُتوقع أن تتسبب جائحة كوفيد – 19 والأزمة الاقتصادية المرتبطة به في تراجع الاقتصاد التونسي بنسبة 7% في هذا العام، مما سيفاقم من المشكلات القائمة بالفعل. كما يضاعف ذات الإهمال الذي أدى إلى اندلاع ثورة عام 2011 من خطر تأجيج المشكلات الأمنية في تونس وزعزعة تحولها السياسي. وسيعتمد الكثير أيضا على ما يحدث في دول الجوار التونسي، خاصة في الجزائر وليبيا.

ــــــــــــــــــــــــــــ

فرانسيسكو سيرانو – كاتب متخصص في شئون شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ومؤلف كتاب A Capture de Abdelkarim (2013)، حول ثورات الربيع العربي.

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock