فن

“زعماء منسيون”.. لماذا تم تجاهل “عرابي ” “وسعد زغلول” و “محمد فريد” فنيا؟

في تاريخ الأمم زعماء وقادة كان لهم دورا كبيرا في مصيرها، في التحرر والاستقلال أو الحرب والانتصار، ويتم تأريخ هذا المشوار والنضال من خلال الكتب والروايات وأيضا الدراما تخليدا لدورهم وتقديم حياتهم كقدوة للأجيال الجديدة كي يقتدوا بهم، وفي تاريخنا الكبير زعماء وقادة قدموا للوطن أرواحهم وناضلوا من أجل الاستقلال والحرية، التاريخ لم ينسى ما قدموه ورصد مشوار حياتهم و كفاحهم، لكن هل الدراما اهتمت بهم ورصدت مشوار حياتهم وكفاحهم ؟ للأسف لا ، هناك في تاريخنا أسماء كبيرة لم تهتم بها الدراما كما يجب وتجاهلتها في أعمالها البعض جاء بشكل ثانوي في خلفية أحداث الفيلم والبعض الآخر لم يُذكر من الأساس على الرغم من تعدد الأفلام التي تتحدث عن نضال الشعب المصري ضد الاحتلال بحثا عن الاستقلال والتحرر.

مع بداية ونشأة السينما المصرية اهتمت بالأفلام التي ترصد واقع المجتمع المصري والتفاوت بين طبقاته وعدد آخر من الأفلام ذهب للتاريخ و قدم أعمالا عن كليوباترا وصلاح الدين وعمرو بن العاص، وابتعد عن تقديم أي شخصية معاصرة، ربما هربا من مقص الرقيب وخوفا من المنع والحجب.

وفي عام 35 كانت البداية عندما أنتج وأخرج أحمد بدرخان فيلم “مصطفى كامل” والذي تم منعه بدون إبداء الأسباب رغم محاولات بدرخان مع كل المعنيين بالسينما وقتها وبمساعدة نقيب الممثلين في هذا الوقت “يوسف وهبي”وبعد قيام ثورة 52 تقدم بدرخان بالتماس لعرض الفيلم وتم تكليف أنور السادات بمشاهدة الفيلم والذي سمح بعرضه في ديسمبر 52، واللافت للنظر أن أحداث فيلم مصطفى كامل تدور حول ثورة 1919 ثم فلاش باك عن نضال الشعب المصري و دور مصطفى كامل و كل الأحرار والذي أدى لقيام الثورة !! دون ذكر أي دور لـ سعد زغلول.

بعد ثورة 52 ومن خلال المؤسسة العامة للسينما تم تقديم أكثر من 50 فيلما يتحدث عن فترة الحكم الملكي والاحتلال الإنجليزي وكفاح الشعب المصري ضدهم بحثا عن الحرية و الاستقلال، ومع ذلك خلت كل هذه الأعمال من أي ظهور لعدد من الزعماء مثل ( أحمد عرابي، سعد زغلول، محمد فريد، مصطفى النحاس) وكان فيلم مصطفى كامل هو الظهور الأول والأخير لزعيم مصري ناضل ضد الاحتلال والطغاة،

في فيلم بين القصرين إنتاج عام 64 ، دارت أحداث الفيلم في وقت ثورة 19 أيضا وحضر سعد زغلول في خلفية الأحداث وفي هتافات المظاهرات ولم تظهر شخصية سعد زغلول سواء كـ بطل العمل أو حتى دور ثانوي في الفيلم، من خلال اجتماع مع رجاله أو بخطاب  لتحريض للجماهير على مواصلة الكفاح.

أحمد عرابي، تعرض لظلم كبير حيا وميتا، تم تقديم أكثر من فيلم تحدثوا عن الثورة العرابية إما بشكل مباشر أو ضمن أحداث الفيلم وجميعها لم يظهر فيها شخصية أحمد عرابي دون مبرر أو سبب، من هذه الأفلام “ألمظ وعبده الحامولي” إنتاج عام 62 والذي دارت أحداثه حول الاسمين الأشهر في عالم الغناء في هذا الوقت ومحاولة خطف الخديوي لـ ألمظ وغضب عبده الحامولي مما يضطره للانضمام لمظاهرات ثورة عرابي وينتهي الفيلم بانتصار المصريين حيث يقف ألمظ وعبده الحامولي وأحد شباب الثورة في قصر الخديوي تعبيرا عن رجوع الوطن لأصحابه، ورغم أن ألمظ وعبده الحامولي عاصروا الخديوي إسماعيل وهو الذي كان يُولي اهتماما بـ ألمظ، و أن الثورة العرايبة كانت في الأساس ضد الخديوي توفيق إلا أن الفيلم أغفل كل هذا وقدم الصراع على ألمظ ينتهي بالثورة العرابية ومع ذلك لم يظهر شخص أحمد عرابي ولو بشكل عارض في الفيلم.

وفي عام 66 تم تقديم فيلما يُجسد سيرة فنان الشعب سيد درويش ودوره الكبير في ثورة 19 حتى وفاته، ومع ذلك لم يظهر في أحداث الفيلم زعيم الثورة التي تدور أحداث الفيلم عنها، ذكر الفيلم دور سيد درويش ولم يذكر دور سعد زغلول !!

واستمر هذا التجاهل للعديد من الزعماء والرموز الوطنية رغم اختلاف العصور والحكومات حتى تم تقديم فيلم “ناصر 56” إنتاج عام 1996 لـ محمد فاضل، وفيلم “جمال عبد الناصر” إنتاج عام 1999 لـ انور القوادري، ثم فيلم “أيام السادات” لـ محمد خان إنتاج عام 2001 ومن بعدها لم يتم تقديم أي عمل سينمائي عن أيًا من الزعماء الكبار في تاريخنا بسبب الاهتمام بالفيلم التجاري والإيرادات خاصة مع خروج الدولة من الإنتاج السينمائي المباشر والاكتفاء بالإنتاج الدرامي في التليفزيون، ولولا إصرار أحمد زكي على تقديم أعمال عن عبد الناصر والسادات ومشاركته في الإنتاج لما ظهرت هذه الأعمال.

واللافت للنظر أن الأسماء التي تم تجاهلها فنيا، لها كل تقدير واهتمام في التاريخ ويتم تدريس حياتهم ونضالهم في المدارس للتلاميذ، والحديث عنها وعن حياتها ليس ممنوعا أو مرفوضا، ومع ذلك قدمت الدراما فيلما ومسلسلين عن بطولة أدهم الشرقاوي و فيلمين عن حسين توفيق (قاتل أمين عثمان) ولم تقدم عملا واحدا عن أحمد عرابي و سعد زغلول ومحمد فريد و مصطفى النحاس !!

حتى في الدراما التليفزيونية والتي يتسم إنتاجها بالغزارة مقارنة بالسينما كما أنها ومن خلال تليفزيون الدولة تحديدا غير باحثة عن الربح بل هدفها ثقافي وتنويري،ورغم أنها قدمت أعمالا عن أسماء كثيرة لها دورا هاما في تاريخنا ( أم كلثوم، مشرفة، قاسم أمين، هدى شعراوي،بيرم التونسي، جمال عبد الناصر، العقاد، طه حسين) وغيرها من الرموز الخالدة في التاريخ الحديث و التاريخ القديم أيضا، لكن ظلت الأسماء السابقة بعيدة عن اهتمام صُناع الدراما بشقيها، حتى إنه تم إنتاج مسلسلا عن “عبد الله النديم” شاعر ثورة عرابي وظهر عرابي في المسلسل بشكل هامشي وغير مؤثر، ولم يتم تقديم عملا عن عرابي نفسه، كما ظهر سعد زغلول أيضا بشكل هامشي في مسلسلات “جمهورية زفتى” والتي دارات أحداثها حول ثورة 19 كما ظهر أيضا في مسلسل هدى شعراوي (تم تغيير اسمه إلى مصر الجديدة بناء على طلب من سوزان مبارك حتى لا يكون هناك رائدة لتحرر المرأة غيرها) وظهر أيضا محمد فريد في مسلسل حديث الصباح والمساء وربما يكون الظهور هو الوحيد لهذا الزعيم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock