نقد أفكار المودودي جاءت من علماء هنود من نفس المدرسة الفكرية مثل أبو الحسن الندوي( 1914-1999) الذي قدم كتابه ” التفسير السياسي للإسلام ” والذي لم يكن معروفا لدي الحركة الإسلامية في مصر رغم أنه مترجم إلي العربية عام 1979 م ، وقد أزعجه منهج المودودي في استخدام السياسة كأداة لفهم الدين والتركيز علي الحاكمية ووضعها في ترتيب أهم من غيرها مما رتبه الله سبحانه وتعالي ورتبه النبي صلي الله عليه وسلم ورتبه الفقهاء من بعدهم ، وأزعجه تأثر سيد قطب في الظلال بأفكار المودودي الذي كتب المصطلحات الأربعة لأعضاء الجماعة الإسلامية بباكستان من أتباعه ، وقد انزعج الندوي من تحول الكتاب إلي أيديولوجيا للمنتسبين لتلك الجماعة يقتصرون عليها في التلقي دون غيرها من المصادر الأخري وهو ما يخلق عقلا مقطوع الصلة بمصادر الدين الأولي وغاياته مع الانخراط المزعج في مشروع سياسي تتحول فيه الصلوات والعبادات إلي أدوات لتحقيق ذلك المشروع السياسي وهو الدولة الإسلامية التي تكون فيها الحاكمية العليا لله.
نقد أبو الحسن الندوي
ألف الندوي كتابه ” التفسير السياسي للإسلام ” باللغة الأوردية سنة 1978بعنوان ” تفسير الدين وتفهيمه في العصر الحاضر ” ثم تُرجم إلي العربية عام 1979 بعنوان ” التفسير السياسي للإسلام “كما أوضحنا ، وفي كتابه أشار إلي تأثر سيد قطب بالمودودي والتقاطه لفكرة الحاكمية واعتبارها الفكرة المركزية لجوهر الدين وأن الأنبياء والمرسلين كان هدفهم وغايتهم هي الحكومة الإلهية ولذا سعو إلي إحداث الانقلاب السياسي من أجل تأسيس المدنية والحضارة علي أسس من الخير والفلاح ، بينما يوضح الكتاب العزيز أن دعوة الأنبياء والمرسلين كانت تقوم بشكل أساسي علي توحيد الله في العبادة ونبذ عبادة الأنداد والشركاء ، فتضخم ظاهرة الحاكمية في فكر المودودي وسيد قطب ووضعها باعتبارها الغاية الرئيسية لدعوة الأنبياء والمرسلين وجعل هدف المسلم وغايته هي تحقيق مشروع دنيوي في التحليل النهائي وهو قيام السلطة السياسية والخلافة الإسلامية دون تقدير للآثار التي تتركها العبادة علي النفس من الصدق والإخلاص والحب والخوف والرجاء ونور النفس وإضائتها بتجليات العبادة وآثارها وتحقيق العبودية والرضا لله سبحانه وتعالي ومن ثم فمن زُحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز.
نقد وحيد الدين خان
انتقد كتاب المودودي ” المصطلحات الأربعة ” عالم هندي كبير آخر هو وحيد الدين خان (ولد 1925- ) كان عضوا في الجماعة الإسلامية بباكستان في كتابه المهم ” خطأ في التفسير ” ، ثم ما لبث أن أصدر ملخصا لكتابه ذلك بعنوان ” التفسير السياسي للدين ،، ملخص التفسير الخاطئ ” ، وقد طبع في مصر متأخرا في مطلع التسعينيات وفيه يناقش بتفصيل فلسفي وعلمي متمكن اعتراضه على التفسير السياسي للدين الذي يعد المودودي إمامه ومؤسسه ورافع لوائه وعن طريقه انتقل كتفسير للدين وكنظرية شاملة إلي سيد قطب وإلى جماعات الإسلام السياسي بكل فروعها وتشكيلاتها الجهادية والسلفية والسياسية في العالم العربي ، ويورد تفصيلات واستشهادات من آثار المودودي وكتبه الفكرية المتنوعة والتي تؤكد صبغ الدين بصبغة سياسية كتفسير كلي له وليس مجرد اعتبار أن السياسة هي جزء من الإسلام ،، لقد جعل السياسة هي منظوره الكلي للدين الإسلامي بما في ذلك عمل الأنبياء والمرسلين وعمل الأمة المسلمة والأمم السابقة التي آمنت بدعوات الأنبياء والمرسلين .
يقول وحيد الدين خان ” لقد فسر الدين ليصوره في تفسير جامع فبرزت الناحية السياسية كوحدة أساسية للدين ، لا يعرف هدف الرسالة النبوية بدون السياسة ولا يفهم المعني الكامل للعقائد ، ولا تظهر أهمية الصلاة و سائر العبادات ولا تقطع مراحل التقوي والإحسان ولا يُعقل الهدف من سفر المعراج إلا بالسياسة .
ويضيف في موضع آخر من الكتاب الهام ” إن خطأ المودودي ليس كخطأ أولئك الذين ينادون بإنقاص جزء من الدين أو الزيادة فيه كرفض السنة أو ادعاء النبوة ، إن زلته الحقيقية تكمن في أن فلسفة الدين قد تغيرت عنده والأخطاء التي تظهر في مؤلفاته هي حصاد هذه البذرة “
ونستمر مع وحيد الدين خان في كتابه ” التفسير السياسي للدين ” فيقول ” أشير إلي نتيجة حدثت في الدين بسبب تفسير المودودي وهي أن صورة التاريخ الإسلامي قد تغيرت ويشهد علي ذلك مؤلفان للمودودي أولهما ” المصطلحات الأربعة للقرآن ” وثانيهما تجديد الدين وإحياؤه ” ففي الكتاب الأول يعتبر المودودي أن ” القدامي لم يفهموا الدين فهما صحيحا ” ، بسبب جهلهم بالمعاني السياسية للمصطلحات الأربعة كما فهمها المودودي وهو ضرورة تحقيق الانقلاب الإسلامي بإقامة الحكومة الإلهية ، ولذلك يعتبر أن كل المجتهدين من السابقين له كانوا مجتهدين جزئيا بدون استثناء ، ففي كتابه ” موجز تاريخ تجديد الدين وإحياؤه ” يشير إلي أن المجدد في المستقبل الذي سيقيم الحكومة الإلهية ويحدث الانقلاب المرتقب سيكون قد حقق ما لم يستطع موسي عليه السلام تحقيقه وحتي ما لم يستطع النبي صلي الله عليه وسلم أن يحققه في حياته علي أقل تقدير ” لأن إتمام الدين وكماله ليس في تحقيق البلاغ بالرسالة إلي الناس جميعا وإنما في تحقيق إقامة الدولة الإسلامية التامة التي بقيامها يكون الدين قد حقق اكتماله ، وهي وفق تصور المودودي وفلسفته لم يتحقق اكتمالها بعد .
ويشير وحيد الدين خان في نهاية كتابه أن تفسير الجماعة الإسلامية في باكستان لآية ” أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ” علي خلاف ماهو متفق عليه بين جميع المفسرين وهو أقيموا الأساس المشترك بين الأنبياء جميعا وليس شرائع كل دين ، وذهابهم إلي أن أقيموا الدين أي تنفيذ كافة القوانين والشرائع الإسلامية وذلك لا يمكن تحقيقه إلا بإقامة الدولة ومن ثم تصبح المهمة الأولي لإقامة الدين هي معارضة الحكومة القائمة وانتزاع السلطة منها وتطبيق النظام الشرعي الكامل ، وفي البلدان التي توجد بها أقلية مسلمة حيت لا تتواجد فرصة للكفاح من هذا النوع يمكن العمل بهذا التفسير عن طريق إقامة الحملات الخطابية وتوزيع النشرات والمطبوعات ، أما في البلدان ذات الأكثرية المسلمة التي تتوفر فيها فرص متعددة سلكت طابع الهجوم المباشر علي الحكومات المسلمة القائمة مما أدي إلي الحرب الأهلية والخسائر الفادحة في الأرواح والممتلكات فضلا عن قتل روح التقارب والقضاء علي الوحدة الدينية التي كانت الهدف الحقيقي للأمر بإقامة الدين ، وقد حدث كل ذلك باسم إقامة الدين.