رؤى

عنصرية لقاحات كورونا.. طريق جديد نحو التمييز العنصري ينتهجه العالم (1 – 2)

عرض وترجمة: أحمد بركات
يعتقد سينام أجبيسي، الذي يعيش في لندن، أن بإمكانه الحصول على اللقاح المضاد لفيروس كورونا هذا الشهر، لكنه يشعر بقلق بالغ حيال والده، ياو، الذي يعيش في أكرا، غانا، ولا يعلم شيئا عن وقت حصوله على اللقاح الذي يحتاج إليه بشدة، في الوقت الذي تشير فيه التوقعات إلى أن الغالبية الغالبة من الشعب الغاني لن تتلقى اللقاح قبل عام 2023، بينما ستضطر دول جنوب الصحراء إلى الانتظار حتى عام 2024.

لن تضطر الدول الفقيرة فقط إلى الانتظار حتى يصيبها الدور، لكنها ستجد نفسها أيضا تتحمل تكلفة أعلى بكثير. على سبيل المثال، أعلنت أوغندا عن صفقة تسمح لها بالحصول على ملايين اللقاحات من شركة “أسترازينيكا” بسعر 7 دولارات للجرعة الواحدة؛ أي أكثر من ثلاثة أضعاف ما سيدفعه الاتحاد الأوربي لنفس الجرعة. وبإضافة مصاريف النقل، فستتكلف أوغندا 17 دولارا مقابل تطعيم كل أوغندي.

لذا، تتوالى تحذيرات العلماء والنشطاء من أن العالم يسير الآنحثيثا على طريق “عنصرية اللقاحات”، حيث يتلقى سكان النصف الجنوبي من العالم اللقاح بعد سنوات من أقرانهم في الغرب.

ستكون عواقب هذا النوع الجديد من التمييز العنصري وخيمة. فالنموذجة التي أجرتها جامعة نورث إيسترن” تشير إلى أنه إذا تم توزيع أول ملياري جرعة من لقاحات كوفيد – 19 بما يتناسب مع عدد السكان في كل دولة، فإن معدل الوفيات في جميع أنحاء العالم سيتراجع بنسبة 61%. أما في حالة احتكار هذه اللقاحات من قبل الـ 47 دولة الأغنى في العالم، فستنخفض نسبة الوفيات إلى 33% فقط.

بينما كان الاتحاد الأوربي يتشاجر مع “أسترازينيكا” في الأسبوع الماضي من أجل تأمين مزيد من اللقاحات، راح قادة الاتحاد يرددون شعار “لا أحد آمن حتى يصبح الجميع آمنين”. لكن التوزيع غير العادل للقاح سيخلق جيوبا في جميع أنحاء العالم يمكن أن تنشأ فيها وتنتشر منها فيروسات متحورة ربما أكثر خطورة. وفي أزمة انخراط أوروبا في صراعات داخلية على اللقاحات، ستظل القارة البيضاء تسير كالنائم حتى تستيقظ على عالم يعاني من مزيد من الحالات، والفوضى الاقتصادية، وأعداد الوفيات.

البقاء للأسرع

في غمرة الاندفاع لتأمين لقاحات لمواطنيها، وقبل معرفة أنواع اللقاحات التي ستكون أكثر فعالية، سارع عدد من الدول إلى إبرام صفقات للحصول على مليارات الجرعات، حتى أن الشركات المصنعة للقاحات باعت حتى الآن 12. 7 مليار جرعة، بما يكفي لتطعيم حوالي 6.6 مليار شخص. ورغم أن جميع اللقاحات التي تم الموافقة عليها حتى الآن تتطلب جرعتين، إلا أن بعض الدول طلبت لقاحات من جرعة واحدة لم تحصل على موافقات حتى الآن.

وقامت الدول الغنية وحدها بشراء أكثر من نصف هذه الكمية من الجرعات لـ 1.2مليار شخص فقط، تم تأمين 4.2 مليار جرعة منها مع وجود بند يسمح بشراء 2.5 مليار جرعة أخرى.

على سبيل المثال، اشترت كندا جرعات تكفي لتطعيم جميع الكنديين 5 مرات، بينما اشترت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوربي وأستراليا ونيوزيلندا وتشيلي ما يكفي لتطعيم مواطنيها مرتين على أقل تقدير، برغم أن بعض هذه اللقاحات لم يتم ترخيصها في هذه الدول بعد.

لم يدع هذا الكم الهائل من طلبات الشراء فرصة للدول الفقيرة للحصول على جرعات، مما أثار أسئلة عديدة حول ما إذا كانت “كوفاكس” (منظمة تم إنشاؤها خصيصا لضمان حصول الدول الفقيرة على اللقاحات)، ستتمكن من تحقيق هدفها بتطعيم هؤلاء الذين يواجهون خطورة أكبر في جميع أنحاء العالم.

كانت الدول متوسطة ومنخفضة الدخل قد أبرمت صفقات مباشرة مع شركات الأدوية، لكنها لم تحصل حتى الآن سوى على 32% من المعروض العالمي من اللقاحات لتغطية 84% من سكان العالم.

ففي إسرائيل، التي نفذت أسرع برنامج تطعيم في العالم، تلقى أكثر من ثلث عدد السكان جرعة واحدة، وأكثر من خمس السكان كلتا الجرعتين. على الجانب الآخر، لا تزال الأراضي الفلسطينية في انتظار وصول لقاحات “كوفاكس”، رغم أن إسرائيل أعلنت مؤخرا أنها ستقوم بتحويل 5000 جرعة لتطعيم العاملين في الخطوط الأولى في قطاع الصحة الفلسطيني.

https://www.youtube.com/watch?v=N0Ew5PtId_c

“إننا نواجه أزمة مستفحلة”، كما قالت فاطمة حسن، مؤسسة “مبادرة العدالة الصحية” في جنوب أفريقيا، مضيفة: “إذا لم يتم تطعيم حتى نصف السكان في جنوب أفريقيا في أسرع وقت، فلا أستطيع أن أتخيل كيف ستتعامل دول أخرى مثل زيمبابوي وناميبيا، وغيرهما من دول القارة مع هذا الوباء. وإذا استمرت هذه الأوضاع لثلاث سنوات أخرى، فإن العالم لن يحقق أي نوع من الحصانة القارية، ناهيك عن العالمية”.

الطلب يفوق العرض

يرجع هذا الصراع المستعر على اللقاح إلى محدودية المعروض. فبعد أن طورت شركات الأدوية لقاحاتها، صار يتعين عليها أن تجري بعض التعديلات على منتجها حتى يكون قابلا للتصنيع على نطاق واسع، قبل نقل التكنولوجيا إلى المصانع المرخصة في جميع أنحاء العالم.

في هذا السياق، قامت “أسترازينيكا”، الشركة التي طورت لقاحها بالتعاون مع جامعة أكسفورد، بترخيص 10 شركات أخرى في المملكة المتحدة والهند والبرازيل واليابان وكوريا الجنوبية والصين وأستراليا وأسبانيا والمكسيك والأرجنتين لصناعة منتجها، إضافة إلى مصانعها في المملكة المتحدة وأوربا.

وبينما تم الترخيص لأغلب هذه الشركات لإنتاج اللقاح لمناطق جغرافية محدودة، إلا أن هذه الخطوة تمثل على الأقل محاولة لتصنيعه على نطاق عالمي. ومن ثم، فقد انتقد النشطاء شركات أدوية عملاقة أخرى لإخفاقها في ترخيص المزيد من الشركات المصنعة في مناطق مختلفة من العالم.

وبدلا من ذلك، راحت بعض هذه الشركات تصب جل تركيزها على توفير اللقاح للغرب وحده. فقد كشف مركز بحوث “بوبليك سيتيزين” في الولايات المتحدة الأمريكية، أن “كوفاكس” لم تحصل سوى على 2% من اللقاح الذي أنتجته شركتا “فايزر” وبيونتيك”. كما أكد أشخاص مطلعون على خطط شركة “مودرنا” في العام الماضي أن الشركة الأمريكية كانت تنوي منح الأولوية للدول ذات الدخول المرتفعة. وفي يناير، قالت حكومة جنوب أفريقيا إن “مودرنا” ليس لديها أية نية لتسجيل لقاحها لديها.

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock