هل توقع الكاتب المسرحي المبدع الراحل سعد الله ونوس ما حدث في عالمنا العربي بداية من عام ٢٠١١ من انتفاضات شعبية باتت تعرف في الإعلام العربي والأجنبي على حد سواء باسم “الربيع العربي”؟
لا أملك أن أطرح هذا السؤال كلما طالعت مسرحيه “الملك هو الملك” التي أبدعها ونوس وتناول فيها قضية السلطة والمٌلك في العالم بشكل عام وفي منطقتنا العربية بشكل خاص.
قُدمت هذه المسرحية مرات عدة على خشبة المسرح في كل من سوريا موطن ونوس وفي مصر على يد المخرج مراد منير في عمل جمع عددا كبيرا من النجوم في مقدمتهم صلاح السعدني والمطرب محمد منير وآخرين وحققت المسرحية نجاحًا جماهيريًا كبيرًا خاصة مع قيام الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم بصياغة نص مواز لنص ونوس بالعامية المصرية تمثل في الإشعار والأغاني التي قدمها منير.
يطرح ونوس في هذه المسرحية سوالًا افتراضيًا: ماذا لو أن ملكًا ما قرر أن يضع على عرشه واحدًا من عامة الشعب لمدة يوم واحد لا أكثر؟ والطريف في هذا السؤال أنه قد طرح من قبل في قصص الأدب الشعبي كما قدمه الفنان الراحل نجيب الريحاني في عمل مسرحي بعنوان “حكم قراقوش”.
لكن ونوس يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك في مسرحيته من خلال ما يسميه -منذ البداية- لعبه يلعبها الممثلون مع الجمهور على خشبة المسرح.
تبدأ اللعبة بملك يشعر بالضجر الشديد٫ إذ لا يٌرضي غروره شيء وقد مل نفاق الخاصة والمقربين منه٫ ولذا فإن المتعة الوحيدة التي ترضيه وتملأ فراغ حياته اليومية هو “أن يلاعب البلاد والعباد” على حد تعبيره.
وتفتق ذهنه عن لعبة خطيرة٫ يختار أحد العامة الذي يحلم أن يكون ملكًا٫ ولا أصلح لذلك من “أبو عزة” الذي يلقبه الناس بـ”الأبله”٫ فهو تاجر ثري فقد ثروته في مكيدة دبرها كبار التجار ولما لم يستطع تقبل فكرة أنه قد انحدر إلى درك الفقر والحاجة٫ لجأ إلى عالم الأحلام ليهرب من الواقع٫ وفي أحلامه يصبح الملك المتوج وينتقم من كل من ظلموه يومًا.
يقرر الملك أن يحقق لأبي عزة حلمه ويضعه على العرش يومًا بحثا عن الفكاهة٫ لكن ما يلي من الأحداث لا يشي بالفكاهة إطلاقًا بل بالمأساة.
فأبو عزة الذي لم يتخلى يومًا عن انتمائه لطبقة الأثرياء يتحول إلى ملك أكثر شراسة بمجرد جلوسه على العرش حيث يونب مسؤول الأمن لأنه تقاعس في القبض على المعارضين لحكمه وبدلا من الانتقام من الشهبندر والإمام٫ رمزا المؤسستين الاقتصادية والدينية٫ اللذان ظلماه ذات يوم فإنه يقربهما ويحكم لصالحهما لإدراكه التام أنهما”أركان دولته” على حد تعبيره.
تنتهي اللعبة وقد شارف الملك السابق على الجنون واستقر الأمر لأبي عزة٫ لتكون الرسالة واضحة : أن تغيير الفرد لا يغير من جوهر المٌلك شيىا فطالما بقي العرش والتاج والصولجان فإن الملك سيبقى “هو الملك” أيا كان شخصه.
أغلب ظني أن العمر لو كان امتد بونوس وشهد بعينيه الانتفاضات الشعبية العربية بما في ذلك ما حدث في بلده الأم سوريا٫ لكان أدرك مدى تطابق أحداث مسرحيته مع الواقع.
فأغلب الانتفاضات العربية اكتفت كـ”لعبة” المسرحية بتغيير الأفراد لا أكثر لكن أيًا منها لم يستطع تغيير جوهر الأنظمة.
وهذا هو تحديدًا ما يدركه بطلي “الملك هو الملك”: عبيد وزاهد وللأسماء هنا دلالتها حين تصل اللعبة إلى منتهاها٫ حيث أن تغيير الملك بأبي عزة لم ينتج أي تغيير يذكر بل إن أبا عزة لم يصبح امتدادا للملك فحسب بل ذهب إلى ابعد منه بكثير حين يصادر حلم العامة في اللعب والخيال والأحلام٫ لتأكده أن حتى هذه المتع البسيطة باتت خطرًا عليه وعلى عرشه.
وهنا يتقدم شخوص المسرحية من الجمهور موجهين خطابهم له بشكل مباشر وينزعون أرديتهم وملابس الشخصيات التي يجسدونها ويروون قصة عن شعب ضاق ذرعًا بقهر الملك٫ لكنهم لم يكتفوا باستبدال الملك بآخر بل مزقوا رموز المُلك نفسها وبعد فترة “تساوت الناس وراقت الحياة” ولم يبق هناك ما يدعو لأن يتنكر الملك ولا تتنكر العامة.