رؤى

صمود الخلافة.. تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا

عرض وترجمة: أحمد بركات
تضم ولاية غرب أفريقيا التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) جماعتين تعملان بشكل مستقل في منطقتي بحيرة تشاد وليبتاكو – غورما في غرب أفريقيا. وللتمييز بين الجماعتين يشير الباحثون الذي أجروا الدراسة التي تحمل عنوان Outlasting the Caliphate: The Evolution of the Islamic State Threat in Africa (صمود الخلافة: تطور تهديد الدولة الإسلامية في أفريقيا) إلى الحركة التي تتخذ من منطقة بحيرة تشاد مقرا لها بـ “ولاية تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا” (ISWA Core)، وإلى نظيرتها في منطقة ليبتاكو – جورما بـ “تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى”.

ولاية تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا

منذ ظهورها في مارس 2015، كانت ولاية تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا أكبر الولايات التابعة لتنظيم الدولة، وأكثرها فتكا وقدرة على الحكم في قارة أفريقيا، وهو ما استمر حتى بعد مقتل أبو بكر البغدادي في أكتوبر 2019.

فعندما بايع قائد جماعة “أهل السنة للدعوة والجهاد” (المعروفة باسم “بوكو حرام”)، أبو بكر شيكاو، في 7 مارس 2015، أبو بكر البغدادي، وقبل تنظيم الدولة الإسلامية بالبيعة بعد ستة أيام، مما أخذ بالجماعة إلى مكانة “الولاية الرسمية”، كان هذا إيذانا بميلاد رباط رسمي بين اثنين من أكثر التنظيمات المتشددة فتكا في العالم.

وبينما مارست جهود مكافحة الإرهاب في السنوات التالية ضغوطا متزايدة على ولاية تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا الوليدة، واجهت الجماعة مخاطر انقسامات أيديولوجية داخلية لا تقل عن تلك التي واجهتها جراء حملات مكافحة الإرهاب.

ففي 2 أغسطس 2016، أعلنت مجلة “النبأ” التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية تعيين قائد جديد على رأس ولاية تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا، هو – وفقا للمجلة – أبو مصعب البرناوي، نجل القائد المؤسس لجماعة “بوكو حرام”، محمد يوسف، بديلا عن شيكاو.

وفي سلسلة من التسجيلات الصوتية والوثائق التي نشرها البرناوي لاحقا، تم الكشف عن أن شيكاو كان قد طُرد من ولاية غرب أفريقيا بسبب مخالفته لفتاوى البغدادي، خاصة فما يتعلق بمواصلة استخدام انتحاريات من النساء، وطرد منتقديه الداخليين، واختلاسه المزعوم لموارد تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية غرب أفريقيا، و– بحسب تنظيم الدولة الإسلامية المركزي (داعش) – تأويلاته التكفيرية الموسعة التي تبرر للتوسع في استخدام العنف ضد المسلمين المدنيين.

وفي أعقاب انقسام تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا في أغسطس 2016 بين الموالين لـ “أبو مصعب البرناوي ونظرائهم الموالين لـ “أبو بكر شيكاو”، واصل كل فصيل تمرده في منطقة بحيرة تشاد عبر منهجيات مختلفة.

فبالنسبة إلى تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا، اتبعت الجماعة توجيهات تنظيم الدولة الإسلامية المركزي من خلال تصدير صورة عن تشاركها مع المدنيين في العديد من الأنشطة الدعوية والتوعوية، وبقصر توجيه العنف على الأهداف العسكرية المحصنة فقط (كما يتضح من اجتياح الجماعة لأكثر من 20 قاعدة عسكرية في شمال شرق نيجيريا في عامي 2018 و2019) بدلا من توجيهه ضد أهداف مدنية، على غرار ما كان عليه الحال بدرجة كبيرة في ولاية شيكاو.

بينما قد يبدو ظاهريا منذ عام 2017 أن ولاية تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا كانت تتبنى نفس الإطار الأيديولوجي والسياسي الذي كان يتبناه تنظيم الدولة الإسلامية المركزي، إلا أن الجماعة – على المستوى الداخلي – مرت بحالة من السيولة الأيديولوجية الواضحة. ففي 21 أغسطس 2018 شهدت الجماعة تمردا أدى إلى مقتل أحد أهم قياداتها، وهو مؤمن نور، واستبدال البرناوي بـ “أبو عبدالله إدريس”، الذي كان يشار إليه بـ “با إدريسا”.

وبينما لم تكشف ولاية تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا عن الأسباب التي دفعت بها إلى القيام بذلك، قدرت تقارير حكومية نيجيرية أن جنود الجماعة قد اصابهم قدر غير قليل من الإحباط جراء القيادة الأيديولوجية “المعتدلة التي انتهجها البرناوي ونور.

في الواقع، رغم مبايعة الجماعة مجددا زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، أبو إبراهيم الهاشمي القريشي، الذي حل محل “أبو بكر البغدادي” في أعقاب مقتل الأخير في غارة جوية أمريكية في 8 نوفمبر 2019، يبدو أن ولاية تنظيم الدوة الإسلامية في غرب أفريقيا بدأت تنحرف بعيدا عن الإطار الأيديولوجي لتنظيم الدولة.

ففي ظل قيادة با إدريسا، واصلت الجماعة أعمال العنف ضد المدنيين، بما يخالف توجيهات تنظيم الدولة المركزي، وهو ما اتضح عندما قام مقاتلو التنظيم في غرب أفريقيا بقتل 81 من القرويين في بلدة جوبيو في 9 يونيو 2020.

ويدعم هذا العمل، الذي يتماهى إلى حد كبير مع طريقة عمل فصيل شيكاو، الذي تنصل منه تنظيم الدولة، الرأي القائل بأنه اعتبارا من يونيو 2020، دانت الهيمنة داخل ولاية غرب أفريقيا للأعضاء الأكثر تطرفا.

وبرغم هذه الانقسامات الأيديولوجية، لم يتأثر تواتر عنف تنظيم الدولة الإسلامية بموت البغدادي. وقد عكس تحليل نشره مؤخرا “مركز مكافحة الإرهاب”، التابع للأكاديمية العسكرية الأمريكية “ويست بوينت”، في دوريته الشهرية The CTC Sentinel حجم العنف الذي ارتكبته الجماعات المواية لتنظيم الدولة الإسلامية في قارة أفريقيا.

ووفقا للتحليل المذكور، فقد أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا مسئوليته عما يقرب من 177 هجوما في عام 2019، موزعة بالتساوي على العام.

عملية انتحارية في نيجيريا
عملية انتحارية في نيجيريا

لذلك، لا يبدو أن الكوارث التي عانى منها تنظيم الدولة الإسلامية المركزي في عام 2019 قد تركت آثارا تذكر على المسار الجهادي لتنظيم الدولة في شمال شرق نيجيريا ومنطقة بحيرة تشاد. ومن ثم فإن قدرة الجماعة على المحافظة على (وربما زيادة، إذا أخذنا ادعاءاتها المسئولية عن تنفيذ هذه الهجمات على محمل الجد) إيقاعها العملياتي، إلى جانب رغبة جديدة في تضمين مدنيين في ملف استهدافاتها، يمكن أن تضاعف مما هو بالفعل أزمة إنسانية كارثية  في شمال شرق نيجيريا، ومنطقة بحيرة تشاد بوجه عام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جاسون فارنر – أستاذ مساعد في قسم العلوم الاجتماعية في الأكاديمية العسكرية الأمريكية “ويست بوينت”.
ريان أوفاريل – باحث متخصص في القضايا الأمنية في أفريقيا والشرق الأوسط
هيني نسيبيا – باحث أول في “مشروع موقع الصراع المسلح وبيانات الأحداث” (ACLED)
ريان كومنجز – مدير شركة “سيجنال ريسك” الاستشارية لإدارة المخاطر السياسية والأمنية

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock