عرض وترجمة: أحمد بركات
لا يبدو أن العام المروع الذي عانى منه “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” في عام 2019، والذي خسر خلاله آخر البقاع التابعة لخلافته الإقليمية في العراق وسوريا، وقتل زعيمه أبو بكر البغدادي، كان له تأثير واضح على المسار العملياتي العام للتهديدات التي فرضتها الجماعات والولايات التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في أفريقيا.
فبعد عام 2019، واصلت ولاية غرب أفريقيا، التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية المركزي في العراق وسوريا، من نفس المستوى المرتفع من العنف، بينما ظلت ولايات الدولة الإسلامية في ليبيا وسيناء والصومال تشكل تهديدات خطيرة برغم احتوائها بشكل عام.
وفي بعض أجزاء أفريقيا، استفحل التنظيم كتهديد. وصعد جناحاه المهمان، وهما ولاية وسط أفريقيا الجديدة، وتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، التابع لولاية غرب إفريقيا حملتهما العنيفة بعد عام 2019. ولا تزال ولاية تنظيم الدولة الإسلامية في الجزائر، على المستوى الفعلي، أثرا من الماضي، وبرغم فشل فرع تنظيم الدولة الإسلامية في تونس في شن هجمات كبرى، إلا أنه بقي نشيطًا وفعالا.
والحقيقة أن المرونة والصمود الشاملين اللذين أظهرهما تنظيم الدولة الإسلامية في المناطق المختلفة من القارة الأفريقية لا ينبغي أن تكون ضربا من المفاجأة، فهي تؤكد حقيقة ثابتة في دراسة تطور تهديد تنظيم الدولة الإسلامية في أفريقيا مفادها أنه في حين تم بناء الروابط بين تنظيم الدولة الإسلامية المركزي في العراق وسوريا وفروعه في أفريقيا، حيث يوفر الطرف الأول، في بعض الأحيان، درجة معينة من التوجيه الاستراتيجي والتنسيق والمساعدة المادية، تطورت الأطراف الأخيرة تاريخيا بقوتها الذاتية الخاصة، ومارست عملها بدرجة كبيرة من الاستقلالية.
ينطبق هذا، من بين أشياء أخرى، على ولاية تتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال. فبينما لم تكن هذه الجماعة واحدة من أكبر الولايات الأفريقية التابعة للتنظيم المركزي في العراق وسوريا، أو أكثرها عنفا وفتكا، وتأتي في مرتبة متدنية عند مقارنتها من جميع الوجوه تقريبا بنظيرتها المحلية التابعة لتنظيم القاعدة، وهي حركة “الشباب”، إلا أنها مثلت تهديدا مستمرا في الداخل الصومالي، حتى برغم، كما سيتبين لاحقا، أنه كان هناك تباطؤ قليل في إيقاعها العملياتي في الفترة من نهاية عام 2019 وحتى منتصف عام 2020.
ظهرت ولاية تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال في شكلها ما قبل الولاية في أكتوبر 2015. في هذا الشهر، بايع عبد القادر مؤمن، وهو أحد منظري حركة الشباب، وولد في بريطانيا ويعيش في شمال الصومال، أبو بكر البغدادي، قائد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، والذي نصبه التنظيم خليفة للمسلمين بعد إعلان قيام دولة الخلافة في منتصف عام 2014. بإعلان البيعة، انفصل مؤمن عن وحدته التابعة لحركة الشباب في شمال الصومال، وتبعه ما يقرب من 20 مقاتلا من مقاتلي الحركة في منطقتي بونتلاند والصومال.
وبعد قرابة عام من إعلان البيعة، اجتاح مؤمن ومقاتلوه بلدة قندالا، التابعة لبونتلاند، واحتلوها لمدة شهرين تقريبا في الفترة من أكتوبر 2016 حتى نهاية ذلك العام، قبل أن يتم طردهم من قبل القوات الصومالية والدولية. بعد ذلك بدأ تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال تنفيذ سلسلة هجمات ضد أهداف شرطية وعسكرية بالأساس. وكانت بداية هذه العمليات من بونتلاند قبل أن تمتد، على نحو متزايد، صوب الجنوب حتى وصلت إلى مقديشيو وأفجوي.
أثار هذا التقدم ردود أفعال أمريكية، حيث بدأت الولايات المتحدة استهداف الجماعة عن طريق غارات جوية في أكتوبر 2017. وفي عام 2018، بلغ عنف ولاية الدولة الإسلامية في الصومال ذررة إيقاعه العملياتي، حيث تمكنت الجماعة من تنفيذ 66 عملية موزعة على ذلك العام، وفقا للبيانات التي جمعتها “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية”، ونشرتها مجلة “لونج وور جورنال”.
لم يكن من قبيل المصادفة، من أغسطس 2018، بعد سنوات من اعتراف لم يبلغ حد التعامل معها كولاية مستقلة، بدأ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بشكل رسمي وعلى نحو مستمر، الإشارة إلى المقاتلين في الصومال، كأعضاء في ولايته الرسمية. وقبل مقتل البغدادي في نهاية أكتوبر 2019 في غارات جوية أمريكية على شمال سوريا، تم تكليف تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال من قبل تنظيم الدولة افسلامية المركزي في العراق وسوريا للعمل كهيئة إشرافية تابعة له على جميع أنشطة الدولة الإسلامية في شرق أفريقيا.
ومنذ مقتل البغدادي، قلل تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال من وتيرته العملياتية، وبرغم أن الجماعة لم تكن شديدة الفتك، إلا أنها ظلت تشكل تهديدا داخل الصومال. وعلى مدى عام 2020، لم يتجاوز عدد الهجمات التي نفذها تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، وفقا لمجلة “لونج وور جورنال”، أربع هجمات في كل شهر، ولا يمكن التحقق من العديد من هذه الهجمات.
أحد الأسباب المحتملة لهذا التراجع ربما يتمثل في الخسائر الفادحة على مستوى الأفراد التي تكبدها التنظيم في عام 2020. تضمنت هذه الخسائر، من بين أشياء أخرى، مقتل قائد تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال في يناير 2020 على يد قوات أمن بونتلاند، وغارات أخرى نفذتها مجموعة من قوات أمن بونتلاند أو وكالات استخباراتية صومالية، والتي ألقت القبض على أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، وقائدها الجنوبي في مارس وابريل 2020.
كما أسفرت مداهمة في مايو 2020 عن القبض على العديد من أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، وشملت القائمة سائق أبو بكر مؤمن، والعديد من أعضاء جهاز الشرطة الداخلية التابع للتنظيم. وشهد الشهر نفسه العديد من الغارات التي استهدفت مخازن الأسلحة.
وإلى جانب ضغوط مكافحة الإرهاب الرسمية، عانى التنظيم أيضا من الهجمات التي شنتها عناصر حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة، حيث اندلعت الصدامات بين الجماعتين منذ ضهور تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال في نهاية عام 2015.
وبرغم التهدئة التي فرضها تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال على إيقاعه العملياتي، يبقى هذا التراجع أقل من أن يمثل تحولا في المسار نجم عن الخسائر التي مُني بها تنظيم الدولة الإسلامية المركزي في العراق وسوريا، وإنما يرجع على الأرجح إلى تكثيف استهدافه من قبل قوات الأمن المحلية وحركة الشباب القاعدية المعادية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جاسون فارنر – أستاذ مساعد في قسم العلوم الاجتماعية في الأكاديمية العسكرية الأمريكية “ويست بوينت”.
ريان أوفاريل – باحث متخصص في القضايا الأمنية في أفريقيا والشرق الأوسط
هيني نسيبيا – باحث أول في “مشروع موقع الصراع المسلح وبيانات الأحداث” (ACLED)
ريان كومنجز – مدير شركة “سيجنال ريسك” الاستشارية لإدارة المخاطر السياسية والأمنية
هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الصلي باللغة الإنجليزية من هنا