فن

على الشريف…… الطريق إلى الفن عبر “سجن الواحات”

كانت الساعة تقترب من السادسه صباح يوم الحادى عشر من فبراير 1987 وبينما أشعة الشمس تخترق النوافذ إيذانًا بيوم جديد كان “على الشريف” يقف فى شرفة منزله مناديا بصوته الأجش “مدد يا حسين… ” بعد أن قضى ليلته يقرا فى قصية مصرع الحسين ويجهش بالبكاء .

دخلت عليه زوجته فإندهشت وعرضت عليه المساعدة وطلبت منه أن ينال قسطا من النوم ولو سويعات فقال لها: “صحى الأولاد عشان أشوفهم وخدى أجازة من الشغل النهاردة لأنى هأموت بعد شوية ” .

رغم محاولات الزوجة التخفيف مما قال وإعتبارها مزحه إلا أنها نفذت له ما أراد وأيقظت الأبناء السته واستمعت منه لكل ما قاله فى دقائق حول ماعليه من إلتزامات ماليه وماله من حقوق … وفجأة صمت (على) عن الكلام المباح وغاب عن عالمنا  مع أشراقة يوم جديد من عام 1987 عن عمر يناهز 53 عام قضاها بين النضال السياسى والعطاء الفنى.

لم يكن هذا المشهد التراجيدى هو الوحيد فى مسيرة دراما حياة  “على ” فحياته تمثل حالة درامية متكاملة بكل ما فيها من مواقف وتضحيات وإيثار بلا حدود.

مولده ونشأته

فى الثالث من يناير عام 1934 ولد على فى أسرة متوسطه بميت عقبة بالقاهرة وفى صباه المبكر بدأت علاقته بالقراءة فى التاريخ والفلسفة والإقصتاد ولم يكن يتخيل أو يتخيل  أحد من حوله أن هذا الفتى ذو الملامح الخشنه والصوت الأجش سيكون ممثلا يوما ما ولم يخطر ببال ” على ” الذى انخرط فى صفوف الحركة اليساريه المصرية منذ بداية الشباب أن يحترف التمثيل وهو الذى وهب حياته تماما للنظال السياسى وقرر ترك كلية الهندسه بعد أن قضى فيها عامين لأنها تحتاج إلى وقت ويجب عليه أن يلتزم بالجانب العملى بها وهذا ما يعوقه عن نضاله السياسى داخل وخارج الجامعة فإختار الإنتقال إلى كلية التجارة .

فى العام الثانى من الكلية وبالتحديد فى عام 1959 شهدت مصر حملة اعتقالات ضمت أعداد كبيرة من رموز اليسار الماركسي والمنتمين إليه وكان من بينهم الشاب “على الشريف “.

المناضل “على الشريف “

ست سنوات كامله قضاها “على” معظمها فى سجن الواحات  الذي سيصبح فيما بعد [محل ميلاد الممثل على الشريف ]الذى قدم عشرات الأعمال المميزة فى السينما والتلفزيون والمسرح

تمثل تجربة المعتقل (1959 – 1965 ) واحدة من التجارب الكاشفه بقوة عن كنوز انسانية فى شخصيتة كما أنها شهدت تفجر موهبة عظيمة فى التمثيل لم يكن هو شخصياً يلتفت لها .

وحول الجوانب الإنسانية خلال تلك التجربة – المريرة – يمكن اختصارها فى ما قاله الكاتب “محمود السعدنى” أن على كان (مخلص فى الإعتقال )

وقد أكد عدد كبير من رفاقة فى تجربة الواحات أن “على ” كان أحد أنبل من دخل الواحات وكانت قدرته غير العادية فى الذود عن رفاقه مدهشه فقد كان يتحمل متطوعا عن زملائه الأقل قوة والأضعف صحة وبنيان والأكبر سنا قسطا من الأشغال الشاقة فى جبال الواحات حين كانوا يكسرون الحجارة ويحملونها فوق ظهروهم كجزء من العقوبة المقررة حماية لأصدقائه وزملائه من ضعاف البنية مثل “فؤاد حداد ومحمود أمين العالم والدكتور اسماعيل صبرى عبدالله وغيرهم من رفاق سجنه .

“الواحات ” محل ميلاد جديد

فى تلك الأثناء أقام المعتلقون مسرحًا داخل السجن وقاموا بعرض عدد من الأعمال لصلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الشرقاوى وغيرهم وفى أحد العروض كان يجب ان يتقمص أحد المشاركين دور سيدة فى عرض مسرحى فإذا به فتطوع للقيام بالدور وهو الذى لم يعرف فن التمثيل على الإطلاق لكنه بمجرد أن ظهر وبدأ فى تقديم الشخصية – السيدة – أثار دهشة واعجاب كل المتابعين وكان بينهم رفيق زنزاته الفنان التشكيلى والكاتب “حسن فؤاد ” .

أنتهت رحلة السجن المريرة وخرج على إلى النور ليستأنف حياته العادية من جديد وكان قد أنهى دراسته فى كلية التجارة والتحق بالعمل فى بنك التسليف الزراعى بقرية ” وردان ” بالجيزة .

“دياب ” البداية القوية

كان “حسن فؤاد ” قد انتهى من كتابة سيناريو فيلم “الأرض ” عن الرواية الشهيرة للكاتب عبد الرحمن الشرقاوى وبالفعل عقد عدة جلسات عمل مع المخرج يوسف شاهين الذى إستقر على كل فريق العمل بينما ظل يبحث  عن ممثل مناسب لشخصية “دياب ” فقال له حسن فؤاد إنه لديه وجه جديد مناسب إذا وافق شاهين على ذلك وبالفعل تحدد موعد بين “الشريف وشاهين ” دون أن يعرف الشريف سبب هذا اللقاء وبمجرد أن رأى شاهين الشريف قال له “إزيك يا دياب ” فإندهش الشريف ورد “أنا مش دياب أنا على ” فضحك شاهين وفؤاد وبدات مرحلة جديدة من حياة على الممثل المتميز الموهوب دون أن يدرى.

لم يتخيل أى ناقد فنى أو مشاهد مهتم بالسينما أن هذا الممثل الجديد الذى يقوم بدور “دياب ” بملامحه التى تشبه الأرض فى بكارتها وعفويتها وعنفوانها  انه يمثل أمام الكاميرا لأول مرة لكنها الموهبة المتدفقه والمخزون الحياتى الغنى الذى ساعد الشريف على استحضار الشصخية والإمساك بتلابيها.

كانت شخصية “دياب ” ميلادا لممثل كبير ظهرت قدراته فى أول عمل يشارك فيه ولعل “الشريف ” كان محظوظا أن يكون ظهوره مع يوسف شاهين وفى عمل بحجم وقيمة ” الأرض” لكن قدرته المبهرة على اتقان الشخصية جعلته مشاركا فى عدد كبير من أعمال شاهين التاليه ( الإختيار – عودة الإبن الضال – العصفور – وداعا بونابرت ) كما تعاون مع صلاح أبو سيف فى فيلم “فجر الإسلام ” كما يمثل تعاونه الكبير مع صديقه “عادل إمام ” علامة مهمة فى مسيرته الفنيه حيث قدم معه معظم أعماله إمام فى تلك المرحلة من بينها الأفوكاتو” شخصية الشاويش عبد الجبار – واحدة من أهم ما قدم الشريف – والمتسول ،وحب فى الزنزانه وغيرها الكثير من الأعمال التى حققت نجاحا كبيرا .

قدم “على الشريف “حوالى 180 عمل للسينما وعشرات الأعمال المسرحية والتلفزيونية رغم مسيرته الفنيه القصيرة نسبيا وكأن نهمه الشديد للفن كان تعبيرا عن احساس لديه بقصر العمر وقرب الأجل .

https://www.youtube.com/watch?v=lZ4jWzypWyU

الأسره أولا

جمع “الشريف ” بين الوعى الشديد بحكم قراءاته المتعددة وإنخراطه فى العمل السياسي وبين فطرة شديدة النبل والرومانسيه والطيبة وقد عرف عنه ذلك فى الوسط الفنى فقد كان شديد الإلتزام شديد التواضع والبساطه منحاز للبسطاء الذين خرج من بين صفوفهم وناضل من أجلهم ودفع سنوات من أجمل مراحل عمره من أجل ما يعتقد أنه صحيح .

بعد تجربة الإعتقال المريرة وما تركته من آثار نفسيه على كل من تعرض لها حرص “على ” أن يُعوض ما فاته من سنوات فتزوج متـاخرا كان عمره 36 عاما من السيدة ” خضرة محمد إمام ” عام 1967 وأنجب اول ابنائه وأطلق عليه إسم مكتشفه ورفيق زنزاته “حسن فؤاد “

وصار “الشريف ” لا يهتم سوى بأسرته وعمله الذى كان يستهلك معظم وقته تقريبا وكأنه فى سباق مع الزمن وظل حتى آخر لحظة مؤمنا بأفكاره التى دخل من أجلها المعتقل ومتمسكا بحلم العدل الإجتماعى بين ضلوعه .

تعرض “الشريف ” للظلم مرتين الأولى عندما قضي ست سنوات فى معتقل الواحات والثانيه بعد وفاته وما يتعرض له من تجاهل نقدى رغم موهبته الكبيرة فلم ينل ما يستحق من تكريم أو تناول نقدى يرقى لعطائه الفنى والإنسانى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock