عرض وترجمة: أحمد بركات
مع اتساع نطاق حضور تنظيم الدولة الإسلامية في جميع أنحاء القارة الأفريقية في الفترة من 2014 إلى 2019، بدأت مواقع القيادة المركزية في العراق وسوريا في الانهيار. وفي مارس 2019، فقد تنظيم الدولة الإسلامية المركزي آخر ما تبقى له من أقاليم في الشرق الأوسط بسقوط بلدة الباغوز في ريف دير الزور الشرقي في سوريا.
وتضاعفت خسائر تنظيم الدولة الإسلامية بمقتل قائده أبو بكر البغدادي على يد قوات خاصة أمريكية في شمال غرب سوريا في أكتوبر 2019. وبالنظر إلى ما أحدثته هذه الضربة المزدوجة من ضعف في جسد تنظيم الدولة المركزي على المستوى العملياتي، إلى جانب صورته العالمية، كان من المنتظر أن تؤدي هذه التطورات إلى فتور حماس الولايات الأفريقية التابعة له، إلى جانب الجماعات التي لم ترق إلى مستوى الولايات، لمشروع تنظيم الدولة الإسلامية، وتراجع وتيرتها العملياتية.
لكن – في واقع الأمر – كان تاثير خسائر تنظيم الدولة المركزي محدودا للغاية، على الأقل على المستوى الظاهري، على ولاياته والجماعات التابعة له في أفريقيا، وعلى إيمانها بمشروع الخلافة الإقليمية.
ولاية وسط أفريقيا.. النشأة والجذور
تعتبر “ولاية تنظيم الدولة الإسلامية في وسط أفريقيا” هي أحدث ولايات التنظيم على الإطلاق، سواء في قارة أفريقيا، أو على المستوى العالمي. وتتألف هذه الولاية من جماعتين منفصلتين ومتمايزتين جغرافيا، تتمركز أولاهما في شرق جمهورية الكونغو الأفريقية، وتتخذ الثانية من شمال موزمبيق مقرا لها، برغم اندماجهما في النهاية اسميا في ولاية واحدة. ومن المثير للدهشة والفريد من نوعه بين جميع الجماعات الموالية لتنظيم الدولة الإسلامية، أن أول استخدام رسمي لاسم ولاية وسط أفريقيا كان في أبريل 2019، أي بعد سقوط آخر معاقل الدولة الإسلامية في بلدة الباغوز في سوريا في مارس 2019.
أصول الجناح الكونغولي لولاية وسط أفريقيا
أول جناحي ولاية تنظيم الدولة الإسلامية في وسط أفريقيا هو “قوات الحلفاء الديمقراطية”، وهي جماعة إسلاموية نشأت في أوغندا في بداية تسعينيات القرن الماضي. وفي أعقاب التمرد الفاشل الذي ضرب غرب أوغندا في عام 1995، اضطر أعضاء الجماعة الوليدة إلى الهرب إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث انخرطوا في ديناميات الصراع المحلي الناشب هناك. وأدى هجوم عسكري شنه الجيش الكونغولي في عام 2014 إلى إلحاق أضرار جسيمة بالجماعة وأجبر قائدها المتربع على عرشها منذ فترة طويلة، جميل موكولو، على الفرار إلى تنزانيا، حيث ألقي القبض عليه في وقت لاحق، وتم تسليمه إلى السلطات في أوغندا.
وأعاد خليفته، موسى بالوكو، بناء جزء كبير من قوة الجماعة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وقام بتنفيذ مذابح انتقامية أودت بحياة 3000 من الكونغوليين المدنيين في الفترة من أكتوبر 2014 إلى أكتوبر 2019، في الوقت الذي كان يرسخ فيه لخطاب “قوات الحلفاء الديمقراطية” وهويتها بعيدا عن التركيز المحلي على أوغندا وصوب تدشين حركة جهادية عابرة للحدود.
أصول الجناح الموزمبيقي لولاية وسط أفريقيا
تعود جذور الجناح الثاني من جناحي تنظيم الدولة الإسلامية في وسط أفريقيا إلى التمرد المستمر الذي اندلع في شمال موزمبيق في أكتوبر 2017 كحركة انشقاقية سلفية، والتي أدت إلى انطلاق حملة تمرد مستمرة ضد الحكومة بعد عدة سنوات من تصعيد المواجهات. وتصاعدت التوترات بين حركة الشباب الراديكالية من جانب ورجال الدين المدعومين من الحكومة من جانب آخر عندما بدأت المطالبات من قبل الحركة بتطبيق حكم إسلامي، وتعالت الأصوات الرافضة لنظام حزب فريليمو العلماني الحاكم.
وبعد القبض على أعضاء حركة الشباب في مدينة موسيمبوا دا برايا بناء على طلب من رجال الدين المدعومين حكوميا ، هاجمت الحركة قوات الشرطة في جميع أنحاء المدينة في 5 أكتوبر 2017. وبينما لم تنجح هذه الهجمات إلى حد كبير في البداية، بدأت الحركة تصعيد تمردها بصورة مطردة في المناطق الريفية. ووجد هذا التمرد مدادا له في شعور التهميش الذي كان مسيطرا على المسلمين في المناطق بطول خط الساحل، والذي تطور من الشعور بالتمييز العرقي على يد حزب فريليمو ضد قبيلتي مواني ذات الأغلبية المسلمة، وماكيوا التي تضم ديانات مختلفة، الساحليتين لحساب قبيلة ماكوند ذا الأغلبية المسيحية، والتي تعيش في المدن الداخلية.
وزاد الأمر تعقيدا تفشي شعور بالإحباط من إمكانية أن يحظى المهمشون بعملية تنمية اقتصادية سريعة في أعقاب اكتشاف ثالث أكبر احتياطي للغاز في أفريقيا في عام 2009، حيث وعد الحزب الحاكم بتوفير وظائف وبنية تحتية للسكان الذين وجدوا أنفسهم، بدلا من ذلك، في مواجهة عمليات إخلاء قسري وموجات نزوح من قراهم الساحلية دون الحصول على تعويضات تذكر.
وبينما كانت هناك مؤشرات منذ يوليو 2018 على الأقل على تطور العلاقات بين “تنظيم الدولة الإسلامية في وسط أفريقيا” و”قوات الحلفاء الديمقراطية” في جمهورية الكونغو الديمقراطية، كان إعلان “ولاية وسط أفريقيا” في أبريل 2019 هو الإعلان الأول عن إنشاء ولاية جديدة منذ سقوط الباغوز في مارس 2019. كان هذا الإعلان يهدف بلا شك إلى تمرير رسالة مفادها أن تنظيم الدولة الإسلامية لا يزال قادرا على “البقاء والتمدد”، برغم خسارة الإقليم الذي يحكمه، والذي كان مكونا بالغ الأهمية في صورته العالمية.
وعلى الفور خرج عنف الولاية الجديدة إلى السطح، حيث أعلنت “قوات الحلفاء الديمقراطية” مسئوليتها عن الهجوم الذي وقع في 18 أبريل 2019 على منصات الإعلام التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، في حين ادعى جناح حركة الشباب في موزمبيق، التابع لولاية تنظيم الدولة الإسلامية في وسط أفريقيا، مسئوليته عن الهجوم الذي وقع في 4 يونيو 2019. وبين إعلان المسئولية عن الهجوم الأول في ابريل 2019 ونهاية هذا العام نسبت وسائل الإعلام التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية 23 هجوما في جمهورية الكونغو الديمقراطية و14 هجوما في موزمبيق لولاية وسط أفريقيا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جاسون فارنر – أستاذ مساعد في قسم العلوم الاجتماعية في الأكاديمية العسكرية الأمريكية “ويست بوينت”.
ريان أوفاريل – باحث متخصص في القضايا الأمنية في أفريقيا والشرق الأوسط
هيني نسيبيا – باحث أول في “مشروع موقع الصراع المسلح وبيانات الأحداث” (ACLED)
ريان كومنجز – مدير شركة “سيجنال ريسك” الاستشارية لإدارة المخاطر السياسية والأمنية
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الصلي باللغة الإنجليزية من هنا