في عام ١٩٧٠ تصدر جريدة “محمد يتحدث” الناطقة باسم منظمة “أمة الإسلام” الأمريكية التي كان يتزعمها آنذاك الداعية الأمريكي الأسود إلايجا محمد مانشيت لافت وهو “فقد المسلمون السود صديقاً عظيماً”.
لم يكن “الصديق العظيم” الذي أشار إليه مانشيت الجريدة سوى الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي توفي في الثامن والعشرين من شهر سبتمبر من نفس العام.
في رثاء الزعيم
تضمن عدد الجريدة مقالاً افتتاحياً بقلم إلايجا محمد تحدث فيه عن علاقته بالزعيم المصري الراحل وأوضح أنه التقى بعبد الناصر في عام ١٩٥٩ في العاصمة المصرية إبان زيارته لها وأنه وجد في حاكم مصر صديقاً وحليفاً لحركة المسلمين السود في الولايات المتحدة.
وأشار إلى أن ناصر طلب منه البقاء في أفريقيا وتعليم الأفارقة – في إطار سياسته الداعمة لحركات التحرر في القارة السمراء- لاسيما في غرب افريقيا حيث كان الاستعمار الفرنسي لايزال يهيمن على بلدان افريقية أغلب سكانها مسلمون.
إلا أن محمد رفض عرض الرئيس عبد الناصر في ذلك الوقت معللاً رفضه بأن الوقت لم يحن بالنسبة له بعد لمغادرة الولايات المتحدة وترك مهمته هناك.
وأشاد محمد في مقاله بالترحاب الذي وجده لدى ناصر وأعضاء الحكومة المصرية في ذلك الوقت مؤكداً أنه لقي من الحفاوة وحسن الاستقبال ما يلقاه الملوك والحكام الأجانب.
وأضاف محمد أن “ناصر وضع الأساس لقاعدة صناعية في مصر” واتخذ “خطوات عظيمة لوضع مصر على طريق التصنيع” وأنه “بذل جهداً كبيراً لمساعدة الفقراء” سواء في بلاده أو في المنطقة أو في أفريقيا بشكل عام.
وخلص محمد في نهاية مقاله إلى أن حركة المسلمين السود في الولايات المتحدة قد فقدت صديقاً عزيزاً وعظيماً بوفاة ناصر.
الدوائر الثلاث.. ونقاط الإلتقاء
وبالطبع لم يكن موقف محمد أمراً مستغرباً لمن تابعوا جريدته في ذلك الوقت ، اذ كانت “محمد يتحدث” تُفرد بشكل مستمر مساحة لتغطية أخبار القارة الافريقية وبطبيعة الحال كانت تشيد بسياسة مصر وزعيمها تجاه حركات التحرر هناك.
ففي عام ١٩٦٥ ثمَّن أحد أعداد الجريدة سياسة مصر تجاه الأزمة في الكونغو عقب استقلالها واحتفى بمنح ناصر أسرة السياسي الكونغولي باتريس لومومبا حق اللجوء في مصر قبل أن يتم اغتيال هذا الأخير في انقلاب عسكري دعمته كل من بلجيكا المستعمر السابق للكونغو والولايات المتحدة.
واعتبرت الجريدة ايضاً أن محاولة اغتيال قيادات أفريقية مثل ناصر أو الإطاحة بهم أصبحت هدفاً ذا أولوية قصوى بالنسبة لمن أسمتهم عملاء الولايات المتحدة وأوروبا.
ويبدو أن الإعجاب بتجربة مصر في تلك الفترة قد امتد من الايجا محمد الى تلميذه النجيب وأحد أبرز رموز حركة المسلمين السود بأمريكا مالكولم اكس الذي التقى عبد الناصر أيضاً واعتبر في خطاب له أن ناصر لا يقل في “افريقيته” عن أي افريقي أسمر اللون في الكونغو وأن الاستعماريين يعتبرون ناصر أحد ألد خصومهم في الشرق.
وفي عام ١٩٦٤ وفي أثناء زيارته لعدة أقطار عربية وإسلامية عقب عودته من رحلة الحج إلى مكة المكرمة نشر مالكوم اكس مقالاً في صحيفة الايجيبشيان جازيت المصرية الناطقة باللغة الإنجليزية اعتبر فيه أن الاستعماريين “لا يستطيعون خوض منافسة متكافئة ولهذا تحديدا تزعجهم دعوة جمال عبد الناصر لتأسيس دولة عربية اشتراكية موحدة”.
وترى الكاتبة الصحفية والمؤرخة السورية الأمريكية ميثاء الحسن في دراسة لها أن مالكولم اكس تأثر بفكرة “الدوائر الثلاث” التي طرحها ناصر في كتابه “فلسفة الثورة” الذي صدر عام ١٩٥٥.
حيث حدد ناصر “دوائر ثلاث ” لسياسة مصر الخارجية عقب ١٩٥٢ وهي الدائرة العربية والافريقية والإسلامية وان اكس اعتبر أن على المسلمين السود والمجتمع الأفرو- أمريكي في الولايات المتحدة بشكل عام التحرك في نفس الدوائر وربط نضالهم ضد ما اعتبره “استعماراً داخلياً” تمارسه حكومة الولايات المتحدة ضد مواطنيها السود بحركات التحرر من الاستعمار الأجنبي في كل من أفريقيا والعالميْن العربي والإسلامي.
مشيرة إلى أن ناصر كان ضمن القيادات الافريقية التي رأى فيها مالكوم اكس حليفاً محتملاً تماماً مثل بومدين في الجزائر و نكروما في غانا وغيرهم.
وفي أعقاب عدوان عام ١٩٦٧ على مصر ودول الطوق العربي أبرزت جريدة “محمد يتحدث” تبرع الايجا محمد بمبالغ مالية للهلال الأحمر المصري لمساعدة المهجرين من مدن القناة الثلاثة بفعل الغارات الصهيونية على هذه المدن.
ورغم رحيل القادة الثلاثة (ناصر- مالكولم – محمد) إلا أن فندق تيريزا في قلب حي هارلم ذي الأغلبية السوداء في مدينة نيويورك الأمريكية الذي زاره ناصر خلال وجوده في المدينة مطلع الستينات للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة واستُقبل فيه استقبالاً حافلاً يبقى شاهداً على أواصر الارتباط والتضامن الكبير التي جمعت ذات يوم بين حركة التحرر العربي ونظيرتها الأفرو- أمريكية.