فن

وداعاً يوسف شعبان.. “باشا” الفن المصري

عن عمر ناهز التسعين رحل الفنان القدير يوسف شعبان بعد مسيرة فنية حافلة امتدت نحو ستين عاماً كاملة أثرى خلالها الراحل السينما والمسرح والدراما التليفزيونية بأعمال قيمة وقدم فيها مختلف الأدوار والشخصيات التي تعلق بها الجمهور العربي.

وُلد يوسف شعبان عام ١٩٣١ ونشأ في حي شبرا في قلب القاهرة في أجواء مرحلة ميزها نضال الشعب المصري في سبيل نيل الاستقلال عن الاستعمار البريطاني الذي جثم على صدر البلاد نحو سبعين عاماً.

وخلال دراسته الجامعية في جامعة عين شمس٫ التقى الراحل بفنان آخر من أبرز مبدعي جيله ممثلاً ومخرجاً هو كرم مطاوع الذي أدرك منذ تلك المرحلة المبكرة أنه بصدد موهبة متفردة  ، فنصح شعبان بالاتجاه إلى التمثيل عن طريق فريق المسرح في الجامعة وهو ما فعله شعبان بالفعل.

ورغم معارضة أسرته إلا أن حب  يوسف شعبان الطاغي للفن دفعه إلى ترك الدراسة في كلية الحقوق والالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية والذي تخرج منه عام ١٩٦٢.

حضورٌ سينمائي

وخلال دراسته في معهد الفنون المسرحية  والتي برزت خلالها  موهبته استطاع شعبان تقديم عدد من الأدوار المميزة – على صغر حجمها – في السينما بداية من الفيلم التاريخي “سهم الله” عام ١٩٥٨ ثم لعب دور أحد الشبان الوطنيين في فيلم “في بيتنا رجل” عام ١٩٦١.

وفي عام ١٩٦٣ تألق في واحد من أبرز أدواره على الشاشة الفضية أمام النجمة شادية في فيلم “زقاق المدق” المأخوذ  عن رواية  أديب نوبل الكبير نجيب محفوظ٫ وعاد للتعاون مع كل من شادية والعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ في الفيلم الرومانسي “معبودة الجماهير” عام ١٩٦٧.

أما دوره الأبرز في تلك المرحلة فكان في فيلم آخر مأخوذ أيضاً عن رواية لنجيب محفوظ هو “ميرامار”  أمام النجمة  شادية أيضاً٫ حيث قدم شعبان دور سرحان البحيري الشاب الانتهازي الوصولي القادر على تكييف ذاته مع كافة الأنظمة المتعاقبة على حكم مصر.

وجاءت السبعينات لتكون فترة نشاط فني مكثف لشعبان٫ ففي السينما تألق في أفلام مثل زائر الفجر عام ١٩٧٣ وحمام الملاطيلي في نفس العام والذي قدم فيه دور رؤوف الرسام ذي الميول المثلية.

ومع موجة “الطيور المهاجرة” في منتصف السبعينات أو توجه الممثلين المصريين الى دول الخليج لتقديم أعمال درامية هناك٫ كان شعبان أحد أبرز هؤلاء “المهاجرين”  بفنهم  حيث قدم أعمالاً درامية في أكثر من قطر عربي مثل المسلسل البدوي ” ” وضحا وابن عجلان” في الأردن عام ١٩٧٥ والمسلسل التاريخي “الزير سالم” في الكويت عام ١٩٧٧.

محسن ممتاز

وأهلت خلفيه شعبان المسرحية ولغته العربية السليمة الفنان الراحل لتقديم أكثر من عمل تاريخي مميز مثل مسلسل “سليمان الحلبي” عام ١٩٧٦ و”عنترة” عام ١٩٧٨ و”محمد رسول الله” عام ١٩٨١.

كما برز في الدراما الاجتماعية مثل مسلسل “عيلة الدوغري” المقتبس عن مسرحية للفنان الفرنسي موليير والذي تقاسم بطولته مع الفنان القدير عماد حمدي عام ١٩٨٠ إضافة إلى دور حافظ رضوان في المسلسل المميز “الشهد والدموع”  عام ١٩٨٣ والذي تناول الصراع  حول الميراث  داخل عائلة مصرية  على مدار ثلاثين عاماً منذ الاربعينات وحتى مطلع السبعينات تقريباً.

وبداية من عام ١٩٨٨ قدم شعبان أحد أهم أدواره على الشاشة الصغيرة وهو دور محسن ممتاز ضابط المخابرات المصرية في مسلسل “رأفت الهجان” الذي صاغه الكاتب الراحل صالح مرسي عن قصة حقيقية من ملفات المخابرات المصرية٫ وعلى مدار أجزاء هذا العمل الملحمي رصد المسلسل العلاقة بين ممتاز وبين رأفت (محمود عبد العزيز) الشاب المصري الذي انتقاه ودربه وتمكن من زرعه في الدولة الصهيونية ليكون عيناً لمصر عليها على مدار عشرين عاماً  قدم خلالها  لمصر   خدماته الوطنية العظيمة .

وفي عام ١٩٩٢ قدم شعبان دوراً آخر لا يقل تميزاً من خلال مسلسل “المال والبنون” وهو دور الحاج سلامة٫ التاجر الذي أثرى من تجارة آثار بلاده وأدت ثروته الحرام في نهاية الأمر إلى تفكك أسرته وانفضاض أولاده عنه.

كما قدم شعبان الدراما المقتبسة عن السير الشعبية في مسلسل “السيرة الهلالية” عام ١٩٩٧ والذي جسَّد فيه شخصية فارس العرب رزق بن نايل والد البطل الشعبي ابو زيد الهلالي.

ومع مطلع الألفية الجديدة تميز شعبان بتقديم عدد متتال من الأعمال  ذات الطابع التاريخي مثل “مصر الجديدة” عام ٢٠٠٤ و”على باب مصر” عام ٢٠٠٦ و”أسمهان” عام ٢٠٠٨ و”كليوباترا” عام ٢٠١٠.

أما على خشبة المسرح فلشعبان الكثير من المسرحيات المميزة مثل “دماء على ستار الكعبة” للشاعر فاروق جويدة ومسرحية “رجل في القلعة” التي لعب فيها دور محمد علي باشا والي مصر.

ومع تغير الأوضاع في الوسط الفني على مدار السنوات العشر الأخيرة٫ بدا شعبان مقلاً في أعماله وإطلالاته على الشاشتين الصغيرة والفضية وأرجع ذلك في حوار أجري معه لما اعتبره نوعاً من “عدم الوفاء” لجيله.

https://www.youtube.com/watch?v=URwGEiYSrdM

رحل يوسف شعبان مخلفاً تركه حاشدة من الإبداعات التي رسخت في ذاكرة الجمهور العربي وشكلت علامات فارقة في المسرح والدراما والسينما المصرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock