رؤى

معركة التنظيم النقابي..بين بايدن وأمازون

في إحدى حلقات المسلسل الكارتوني الأمريكي “ساوث بارك” تنقل شركة أمازون أحد مخازنها إلى مدينة ساوث بارك الصغيرة في ولاية كولورادو وعن طريق ذلك المخزن يتم تلبية الطلب المتزايد عبر شبكة الإنترنت.

صورة كوميدية خيالية

يُبرز المسلسل وضع العمال في المخزن وهم يتعرضون للمخاطر يومياً فيما يفترض أنها مهمة يدوية بسيطة وهي تغليف وتعليب طلبات العملاء وإيصالها إليهم٫ إلا  أن الطلب المتزايد واليومي واعتماد المشترين على الطلب عن طريق موقع أمازون الالكتروني يجعل العمال في حالة من اللهاث الدائم لتلبية هذه الطلبات مما يزيد من خطر الإصابة وربما حتى الوفاة للعمال في موقع العمل.

ومع تزايد حالات الإصابة والوفاة يقرر العمال الإضراب عن العمل ويقودهم في ذلك- و بما يتفق مع طبيعة المسلسل الكوميدية – صندوق يضم أعضاء أحد العمال المصابين والذي يقتبس بشكل مستمر ومتكرر من الأدبيات الاشتراكية مثل كتابات كارل ماركس وفردريك انجلز وغيرهم من منظري الفكر الاشتراكي.

وهنا يُبرز المسلسل شخصية جيف بيزوس مؤسس موقع أمازون بشكل ساخر كشخص لا يعبأ بالعمال ويسعى لوقف إضرابهم عن طريق الضغط على الساسة في المدينة الذين يتحكم  فيهم  بشكل تام.

أيضا يقدم المسلسل عملاء أمازون كأشخاص طغت عليهم ثقافة الاستهلاك والامتلاك اعتادوا – إلى حد الادمان- على تلقي طلباتهم بشكل سريع٫ وبالتالي فهم لا يبالون بالعمال ولا بمطالبهم بقدر ما يعنيهم أن يعود العمال الى العمل في أسرع وقت ممكن حتى يمكنهم تسلم طلباتهم.

محاولات عمالية على أرض الواقع

الطريف في الأمر أن ما بدا كموقف خيالي في هذا المسلسل الكارتوني – وتحديداً في هذه الحلقة التي قدمت أواخر عام ٢٠١٨ تحول الى واقع هذا العام.

حيث قرر أكثر من خمسة آلاف عامل في  أحد  مخازن شركة أمازون في ولاية ألاباما الامريكية التصويت على قرار بالانضمام إلى الاتحاد العام لعمال متاجر البيع بالجملة والتجزئة.

بدا هذا القرار مفاجئا  لكثيرين ممن يعرفون تاريخ شركة أمازون وموقفها من التنظيم النقابي للعاملين فيها٫ حيث عكفت إدارة الشركة التي تعد ثاني أكبر شركة في الولايات المتحدة من حيث عدد العاملين فيها على رفض أي شكل من أشكال “النقابية” من قِبَل عمالها وبالتالي أخفقت محاولات العمال المتكررة للتنظيم والتي كان آخرها عام ٢٠١٤.

ووفقا لوكالة “أسوشيتيد برس” فإن إدارة أمازون سعت لإقناع العمال أن الانضمام الى اتحادات عمالية لن يفيدهم في شيء بل على العكس سيكلفهم قسماً من راتبهم الشهري٫ وكانت المتحدثة باسم الشركة راشيل لايتي أكدت أن الشركة تمنح العمال بالفعل ما يريدون  تحقيقه  بمحاولتهم  الانضمام للاتحاد مثل الرعاية الصحية وأجور تبدأ من ١٥ دولاراً في الساعة الواحدة.

لكن العمال يرون أن الانضمام الى الاتحاد سيمنحهم صوتاً جماعياً يحتاجون إليه بشدة في أية مفاوضات مقبلة مع إدارة الشركة خاصة في ظل ظروف عمل تجبرهم على البقاء واقفين على أقدامهم لعشرة ساعات متواصلة في اليوم ناهيك عن خضوعهم لرقابه صارمة عند الاستراحة أو دخول دورات المياه.

ولعل هذا ما دفع العمال في ألاباما إلى اللجوء الى الاتحاد  العام لعمال متاجر البيع بالجملة والتجزئة خلال الصيف الماضي آملين في أن يتمكن الاتحاد من انتزاع حقوق أخرى إضافية  لهم مثل أخذ عدد أكبر من أوقات الاستراحة يومياً التي تحددها الشركة حالياً باستراحتين في اليوم مدة كل منهما ثلاثون  دقيقة وأيضاً منع إدارة الشركة من فصل العمال بشكل تعسفي.

ويسعى العمال من خلال هذه الخطوة إلى التساوي مع أقرانهم من عمال مخازن أمازون في القارة الأوروبية الذين تمكنوا من تنظيم صفوفهم في نقابات واتحادات عمالية مختلفة.

دعم رئاسي

وفي أواخر فبراير٫ حظي العمال الذين يسعون للتنظيم بدعم من جهة لم يتوقعوها وهو الرئيس الامريكي الجديد جو بايدن الذي كانت إحدى أبرز وعوده الانتخابية هي الوقوف الى جانب الحركة العمالية في البلاد.

وعبر مقطع فيديو نشره على حسابه على موقع تويتر أكد بايدن أنه لازال ملتزماً بهذا الوعد الانتخابي وأكد أنه يؤيد حق العمال في تنظيم أنفسهم معتبراً أن ما يقوم به عمال أمازون٫ رغم تجنبه ذكر اسم الشركة٫ هو أمر “بالغ الاهمية” في وقت “تصارع فيه الولايات المتحدة جائحة كورونا”.

ورغم هذا الدعم الرئاسي -إذا صح التعبير- لا تزال نتيجة المعركة بعيدة عن الحسم٫ حيث يستمر التصويت لصالح الانضمام الى الاتحاد من عدمه حتى التاسع والعشرين من شهر مارس الجاري ٫ ويحتاج العمال إلى أغلبية مطلقة لتحقيق هدفهم وهو ما تسعى إدارة الشركة لعرقلته٫ مما يُبقي كافة الاحتمالات مفتوحة في بلد كان ولازال للشركات الكبرى فيه تاريخ عريق في قمع الحركة  العمالية ومحاولاتها للتنظيم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock