رؤى

طالبان والقاعدة.. علاقات غير قابلة للانفصام

عرض وترجمة: أحمد بركات
“حافظت حركة طالبان الأفغانية على علاقة وثيقة بتنظيم القاعدة برغم تعهدها بوقف التعاون مع الجماعات الإرهابية، ما سمح لمسلحي التنظيم بإجراء تدريبات في أفغانستان ونشر مقاتليهم في صفوف إخوانهم الطالبانيين”، وفقا لرئيس لجنة تابعة للأمم المتحدة لمراقبة طالبان والجماعات الإرهابية في أفغانستان.

علاقة مستمرة

واستمرت علاقة طالبان بالقاعدة حتى برغم توقيع الحركة اتفاقا مع الولايات المتحدة قبل عام يقضي بعدم التعاون مع، أو استضافة، جماعات إرهابية برغم ما أكده وزير خارجية إدارة ترامب، مايك بومبيو، في مارس الماضي من أن طالبان “انفصلت” تماما عن دوائر الجماعات الإرهابية.

في هذا السياق، قال إدموند فيتون براون، منسق لجنة الأمم المتحدة المسؤولة عن متابعة طالبان والجماعات الإرهابية في أفغانستان، إنه “توجد علاقات وثيقة ومتشابكة بين القاعدة وطالبان”. وتستند تقارير  فريق الدعم التحليلي ومراقبة العقوبات التابع للأمم المتحدة جزئيا إلى معلومات نشرتها أجهزة استخبارات حكومات أجنبية.

وبحسب آخر تقرير صدر عن فريق المراقبة التابع للأمم المتحدة في يناير الماضي،  فإن هناك  عددا يتراوح بين 200 إلى 500 من مقاتلي تنظيم القاعدة  موجودون في حوالي 11 ولاية أفغانية. ويؤكد الخبراء أن فصل جماعتين عاشتا وقاتلتا إلى جانب بعضهما البعض لعقود سيكون صعبا للغاية.

وكان تحالف طالبان مع تنظيم القاعدة، الذي تأسس منذ فترة طويلة، حاضرا بقوة على جدول أعمال وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي الذين التقوا في نهاية فبراير لبحث الموعد النهائي لسحب القوات الأجنبية من أفغانستان في مايو القادم، بحسب ما ينص عليه الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان.

ويتطلع الحلفاء الأوربيون إلى وزير دفاع الرئيس جو بايدن، لويد أوستن، لاستطلاع خطط الإدارة الأمريكية الجديدة ، وكيفية ضمان التزام طالبان بالاتفاق.

في هذا السياق، أكد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولنبرغ، أن طالبان بحاجة إلى إظهار حسن نواياها بشأن التزاماتها باتفاق 2020 لفتح الطريق أمام الانسحاب الكامل للقوات الأجنبية.

الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولنبرغ
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولنبرغ

وتمتلك الولايات المتحدة حوالي 2500 جندي في أفغانستان، ويمتلك حلفاؤها بقيادة حلف شمال الأطلسي 9600 جندي. وبموجب بنود اتفاق 2020، تعهدت الولايات المتحدة بسحب ما تبقى من قواتها بحلول مايو القادم. لكن إدارة بايدن قالت إنها لم تتخذ بعد أي قرار بشأن أعداد القوات وإن المسؤولين يُجرون حاليا تقييما بشأن ما إذا كانت طالبان أوفت بالتزاماتها أم  لا؟

وقال مسؤولون استخباراتيون أمريكيون إن القاعدة وجماعات إرهابية أخرى لا يزالون يمثلون تهديدات نشطة داخل أفغانستان.

وأشار تقرير المفتش العام للكونجرس حول المهمة العسكرية الأمريكية في أفغانستان إلى أنه “من غير الواضح ما إذا كانت طالبان ملتزمة بالاتفاق، نظرا لوجود أعضاء من القاعدة في صفوف القيادات الطالبانية”.

وتصر طالبان على التزامها بالاتفاق مع الولايات المتحدة، والذي نص على دخول  الحركة  في محادثات سلام مع خصومها في الحكومة الأفغانية مقابل سحب القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو.

ويتطلب الاتفاق أن “تقوم طالبان بإرسال رسالة واضحة” مفادها أن جميع من يفرضون تهديدا على أمن الولايات المتحدة وحلفائها ليس لهم مكان في أفغانستان، وأنها تحظر التعاون مع الجماعات التي تهدد أمن  أمريكا . ومن ثم، فإن طالبان ملتزمة بمنع الجماعات الإرهابية من “التجنيد والتدريب والتمويل”، كما يُحظر عليها استضافتهم في أرض أفغانستان.

وتؤكد طالبان، رسميا، عدم وجود مقاتلين أجانب في أفغانستان، وأن عناصر تنظيم القاعدة هربت من البلاد بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، وما استتبعه ذلك من التدخل الأمريكي. لكن الحكومات الأجنبية والمحللين الإقليميين يرفضون هذه الادعاءات باعتبارها “محض افتراء”.

لكن  قادة طالبان في أفغانستان عادوا واعترفوا  بوجود مقاتلين أجانب، لكنهم تعهدوا بعدم قيام أي منهم، بما في ذلك عناصر تنظيم القاعدة، بتخطيط أو تنفيذ أي هجمات إرهابية ضد الولايات المتحدة.

على الجانب الآخر أكد فيتون براون أن تنظيم القاعدة يؤدي تدريبات في المناطق الخاضعة لسيطرة طالبان برغم عدم وجود دليل واضح على قيامهم بمحاولات جادة لتجنيد عناصر أو جمع أموال.

وبحسب قادة طالبان يقدم المقاتلون الأفغان المأوى والطعام والمال لأغلب “ضيوفهم الأجانب”. ويقاتل عناصر تنظيم القاعدة إلى جانب نظرائهم الطالبانيين في أفغانستان لدعمهم في حربهم ضد الحكومة الأفغانية المدعومة أمريكيا.

ويلفت فيتون براون إلى أن تتنظيم القاعدة يأتي خلف طالبان من حيث العدد والقوة والموارد، ومن ثم فهو يعتمد على مضيفيه لتوفير مظلة حماية في ظل الضغوط الأمريكية والغربية، لأنه يمثل، في نهاية المطاف، الحلقة الأضعف في هذه العلاقة.

ومع ذلك، يبدو قادة حركة طالبان مترددين في الدخول في مواجهة مع تنظيم القاعدة، إذ يعلمون أن هذا من شأنه أن يثير استياء عناصرهم في صفوف الحركة.

حقائق على الارض

وفي  أول  مارس من العام الماضي ، قال وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك، مايك بومبيو، إن طالبان “انفصلت الآن” عن الجماعات الإرهابية، و”وافقت ” على فصم عرى هذه العلاقة وتعهدت بالعمل إلى جانبنا لتدمير تنظيم القاعدة، ومحاصرة موارده وإجباره على مغادرة هذا المكان”.

https://www.youtube.com/watch?v=a3XYqrHKFb8

لكن كثيرين من  المسؤولين الأمريكيين يؤكدون أن العلاقات بين طالبان والقاعدة متجذرة وعميقة، إذ تعود إلى ثلاثة عقود من الزمان، كما أن مقاتلي القاعدة متزوجون من قبائل الباشتون في المناطق التي تسيطر عليها طالبان.

ومن ثم، يشير دوجلاس لندن- الذي عمل لأكثر من ثلاثين عاما في الخدمة السرية في وكالة الاستخبارات الأمريكية ويمتلك خبرات موسعة في جنوب ووسط آسيا – إلى أن “أي توقع بأن قادة طالبان قادرون على فصل مقاتليهم عن القاعدة يتعارض على خط مستقيم مع الحقائق الثقافية والواقع العملي”.

“من حيث التصميم، بنى مدربو ومقاتلو وقائدو تنظيم القاعدة علاقات حميمية مع نظرائهم الطالبانيين، كما ترابط التنظيمان بعلاقات مصاهرة تؤكد الإخلاص المتبادل والالتزام القائم على المعايير الثقافية عند الباشتون”، كما ذكر لندن، مؤلف كتاب The Recruiter: Spying and the Lost Art of American Intelligence.

وأضاف لندن، الباحث غير المقيم في “معهد الشرق الأوسط”، “حتى لو أراد قادة طالبان طي صفحة القاعدة – رغم أن خبراتي بإدارة عمليات مكافحة الإرهاب في وكالة الاستخبارات الأمريكية ترجح ألا يفعلوا – سيكون من المستحيل عمليا أن نتوقع أن يتخلى مقاتلو طالبان عن بناتهم وأحفادهم وأصهارهم”.

وأضاف: “الآن، تضرب هذه العلاقة بين القاعدة وطالبان في عمق ثلاثين عاما من الزمان، والآن أيضا يتقلد أبناء الجيل الثاني من هذه الزيجات بين عناصر الطرفين مواقع قيادية في كل من القاعدة وطالبان”.

_________________

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock