إرهاصات فن التصوير الفوتوغرافي المصري
بدأ التصوير الشمسي في مصر متزامناً مع بداية اختراع آلة التصوير واستخدامها في فرنسا عام 1839 وكانت أول صورة تلتقط في مصر لمحمد على باشا يوم 7 نوفمبر 1839 في الإسكندرية بواسطة فردريك جوبيل فيسكه، الذى وثّق في أحد مؤلفاته ،كما يذكر الكاتب ياسر بكر في الفصل المعنون ب “عصـر الصـــورة في مصر الحديثة “من كتابه “أخلاقيات الصورة الصحفية” (إصدار خاص2012) المنظر الأول الذى التقط على أرض مصر بقوله: “….وجه محمد على مشحون بالاهتمام، عيناه تكشفان عن حالة من الاضطراب، ازدادت عندما غرقت الغرفة في الظلام استعداداً لوضع الألواح فوق الزئبق، خيّم صمت مقلق ومخيف علينا. لم يجرؤ أحد منا على الحركة أبداً، وأخيراً انكسرت حدة السكون باشتعال عود ثقاب أضاء الأوجه البرونزية الشاخصة وكان محمد على الواقف قرب آلة التصوير يقفز ويقطب حاجبيه ويسعل، وقد تحول نفاد صبر الوالي إلى تعبير محبب للاستغراب وصاح: هذا من عمل الشيطان، ثم استدار على عقبيه وهو لا يزال ممسكاً بمقبض سيفه الذى لم يتخل عنه ولو للحظة، وكأنه يخشى مؤامرة أو تأثيراً غامضاً وأسرع لمغادرة الغرفة دون تردد”..
كانت حضارة مصر الغنية المغوية هي سر اجتذابها للمصورين الأجانب وقد استقر عدد من المصورين الأجانب في مصر منذ منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر.. أقدمهم الفرنسي مونيه و الإيطالي أنطونيو بياتو (1825 ـ 1903) و الفرنسي جوستاف لوجراي (1820 ـ 1882) ومنذ سبعينات القرن التاسع عشر، نزح المصورون من رعايا الدولة العثمانية من الأروام والأرمن و الشوام واليهود من الآستانة إلى القاهرة وعملوا جنباً إلى جنب مع الجنسيات الأجنبية في إنتاج الصور وتسويقها، وكان هؤلاء المصورون قد تعلموا التصوير على يد الرعيل الأول من المصورين الأوروبيين المقيمين في الآستانة عقب حرب القرم مثل الأخويْن اليونانيْن زنجاكى الذين اشتهروا بعد ذلك في مدينة بورسعيد المصرية، وفى الإسكندرية كان أرجيرو بولو وجون سيجالا و جيورجى لاداكيس وفى القاهرة كلاميتا..
منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر، نزح المصورون الأرمن من الآستانة إلى القاهرة، وبرزت بينهم ثلاثة أسماء شهيرة هم: عبد اللَّه إخوان ـ ليكيجيان ـ صباح.. أما المحاولات المصرية في مجال الفوتوغرافيا، فلم تبدأ إلا بعد مرور سبعين عاماً على دخول التصوير الشمسي مصر؛ بسبب اللغط الذى أثير حول شرعية وحرمة التصوير الشمسي وكان أحد أسباب هذا التأخير عدم اتفاق الفقهاء على رأى قاطع في هذه القضية ومع قيام الحرب العالمية الأولى في أغسطس 1914 وترحيل السلطات البريطانية للمصورين الألمان والنمساويين ، أخذ المصريون يقتحمون سوق التصوير الشمسي تدريجياً حتى أنهم شكلوا نسبة 33.3% من المصورين بنهاية الربع الأول من القرن العشرين.
رياض باشا .. وتمصير التصوير
يعد المصور رياض شحاتة (توفى1942) رائداً للتصوير الفوتوغرافي المصري إذ كان لأنشطته الفنية بصمات عملية وملموسة على تمصير التصوير الشمسي وصبغه بالأنفاس المصرية وقد دخل سوق التصوير الشمسي عام 1907 وهو أول مصور مصري يسافر إلى الخارج ليحترف الفن الذي عشقه حيث ذهب إلى فرانكفورت بألمانيا ودرس هناك التصوير الفوتوغرافي، كما تعددت سفرياته لكل أنحاء العالم بحثاً عن الصور النادرة وتجلى إنتاجه في فعاليات المعرض الصناعي عام 1912 و التي نالت إعجاب الخديوي عباس حلمي الثاني فمنحه رتبة الباشوية وخرجت الصحافة وقتها تطالب المصريين بأن يقدروا هذا الفنان الوطني قدره كما فعل أميرهم.. بعدها صار هو المصور الشخصي للملك فاروق، المكلف بتصوير ما يجسد حياة الأسرة المالكة في مصر فيُذكَر مثلاً قيامه بإعداد ألبوم فوتوغرافي مميز بمناسبة مولد الأميرة فوزية ابنة الملك فاروق كما كان مختصاً بتصوير المناسبات الملكية مثل حفلات التتويج والزواج ومناسبات الخاصة الملكية مثل الزفاف الشهير للأميرة فوزية والشاه محمد رضا بهلوي…وكان أستوديو التصوير الخاص به يقع في ميدان الأوبرا بوسط البلد وظل مفتوحاً بعد وفاته في عام 1942 وقد قام رياض شحاتة بتصوير البابا كيرلس الخامس في حفل أقيم بمناسبة اليوبيل الذهبي لرسامته في مقر البطريركية المرقسية بكلوت بك- وسط القاهرة- مع تلميذه حبيب جرجس وتعد هذه الصور هي أشهر الصور التي تم التقاطها للبابا كيرلس الخامس. ومن أهم وأبرز آثار هذا الفنان المحترف قيامه بتأليف أول كتاب مرجعي عن التصوير الشمسي الحديث، وقد نشرته دار المعارف عام 1910 وتذكر الكتابات التي تؤرخ للمصورين الصحفيين ،رياض شحاتة كرائد للتصوير الصحفي المصري حيث أن من سبقوه في هذا المجال كانوا جميعاً من الأجانب مثل زخاري و هانزمان وشارل وزولا.
دولت رياض شحاته، رائدة المصورات المصريات
حالت التقاليد والعادات المصرية دون تصوير النساء، وكان أول من تمكن من التقاط صورة لـ “باب قصر حريم الوالي محمد على” هو المصور الفرنسي إميل فرنيه عام 1839 وكان لهذه الصورة فعل السحر في فرنسا لكونها خاصة بعالم المرأة الشرقية، الذى يتميز في الغرب بالغموض والإثارة والجاذبية .وهو ما جعل المصورين يعلنون عن استعدادهم للذهاب لتصوير النساء في المنازل، ولم يتقبل المصريون ذلك، مما دفع عبد اللَّه إخوان للإعلان أنهم أحضروا سيدة من الآستانة، وخصصوا لها مكاناً محتجباً في محلهم لتصوير الهوانم والخواتين..
و تعد دولت رياض شحاته رائدة للمصورات المصريات النساء، وقد كان لها السبق في هذا الميدان، بعد أن تعلمت فن التصوير على يد والدها رياض شحاته ودرست أسراره على أيدى مصورين ألمان، واحترفت هذه المهنة في محل والدها، وعندما أعلنت أم المصريين صفية زغلول قرينة سعد باشا زغلول و هدى هانم شعراوي وابنتا مرقص بك حنا ثورتهن على النقاب في عام 1922 كان ذلك من خلال صور شمسية التقطتها لهن دولت شحاتة ونشرتها الجورنال دي كير الفرنسية.