يدخل “نادر ” بطل رواية أشرف العشماوى الجديدة ” بيت القبطية” .. وهو وكيل النيابة القاهرى المنتدب إلى قرية بمحافظة بنى سويف الي الاستراحة ومكتبتها التى تتضمن مجلدات ومراجع القانون الجنائى والنقض.. فيجد من بينها روايتىْ الحكيم “يوميات نائب فى الأرياف” و”عدالة وفن”، وهنا تتوقع سيناريو مشابها يرتكز على جرائم الشرف والصدام الأزلى بين أعراف مجتمعين ظل كلاهما لافظاً للآخر : إصرار المدينة على النظرة الدونية وإتهامات الجهل والتصلب والرجعية / فى مقابل نظرة القرويين المتهكمة على تخلي ابناء المدن عما يعدونه ثابتا لا يبليه زمن وتفريط ابناء المدن فيما يحسبونه [وتد ] ثابت في الارض لا تقتلعه رياح مهما بلغت حدتها وقوتها.
الفضول الذى قتل رمسيس
“رمسيس” حاجب الإستراحة.. الكائن اللزج صاحب الابتسامة المصطنعة.. يحاصر الزائر الجديد بأسئلة غرضها مفضوح متعللاً بحجج ساذجة.. يستميت كى يتأكد من ديانة هذا “النادر” واسمه المحايد وحتى إذا ما اقتنص الاسم بالكامل بعد مناورات من طرفه وللوهلة الأولى غمزته الصنارة ولكنه لم يبتلع الطعم.
” نادر فايز كمال” الاسم الذى زاد من حمى فضوله ولكى يخمد حرارتها أجاز “رمسيس” اللعب لصالح فريقه.. فلربما أضحى تيمة حظهم فى مباراة مجهول عدد أشواطها ومبهمة أهدافها.
طالما تأخرت الوعود وبكرت البلايا
وبالتوازى تتقاسم “هدى” الحكى مع “نادر” ليصيرا قطبى الحكاية.. “هدى” التى طالما تطن بأذنها الجملة التى تعلمتها بالمدرسة وأستعصى عليها فهمها “الله لا يستجيب لكل طلباتنا.. ولكنه ينفذ وعوده كلها”.. البلايا التى حطت عليها واحدة تلو أخرى.. يرحل أمانها مبكراً.. يتركها والدها وحدها لتواجه وحشية زوج الأم.. وحشية نهشت بكارتها بلا حراك من أحد.. بلا قصاص ولا حتى دفاع إلى ان صار نهشها طقسا عاديا وإغتصابها شيئا مألوفا.. كل ما فى الأمر إن الدفة انتقلت إلى زوجها..فاصبح تأديبها أو بالأحرى تعذيبها مقننا بموجب الشرع وبمباركة العرف، “خضر” يوفر لها بمنزل الزوجية طقوسا تليق بواد من جهنم.. يذيق جسدها صنوفا شتى من العذاب.. ولحظة حمى المكواة وهم بكيها بلغ رعب “هدى” ذروته الي حد إنقلابه إلى جرأة لم تعهدها بنفسها قبلاً.. تحرر ماردها فلم تع إلا والدم يندفع نوافيرا من رأسه بعدما هوت عليها بعصا الرحايا.. العصا التى أودعتها تاريخها المهين منذ تيتمت.
وفى الطايعة يجتمع الشهود
حين كشف العشماوى عن مفارقة زواج “هدى يوسف حبيب” المعلمة القبطية ممن على غير ديانتها بعد إجبارها من قبل أهلها.. الذين إستساغوا خروجها من ملتهم مادام فى صالحهم!. فزيجة على هذه الشاكلة حتما ستخفى بل وربما تغفر فقدانها عذريتها، وتمخضت جريمة [الغصب] فأنجبت جريمة [قتل ] ولم يبق من حل سوى الهرب .. الركض بأقصى سرعة.
ولأول مرة يصيبها سهم حظ
فتنجو هدى من براثن خادم المسجد.. فبعدما اضطرت لمغادرة القطار فحطت بقرية الطايعة آوت كرها إلى المسجد.. استقبلها الشيخ “رجب” أبرز الرعاة الرسميين لزرع الكره والبغض ورفض الآخر .. فلا تخلو خطبة من الدعاء على الآخر جهراً.. الشيخ “رجب” الذى يرغمك على الإستماع إلى درسه ونصحه وإرشاده قائما أوقاعداً.. متيقظاً أونائماً.. متعافياً أومريضاً بل وحتى حياً أو ميتاً.. فمكبر الصوت لن يترك لك خياراً آخر.. هذا مع التأكيد على إستباحة مالهم وحتى أعراضهم.. ولهذا أعتبر “هدى” غنيمة إذ لم تفلح محاولات المسكينة إخفاء صليبها المدقوق.. قدمها إلى خادمه ولكن الحظ يجعلها تكشف خطته بوضع مخدر لها فى الشاى.. ليعود الهروب خيارها ثانية ولتواصل الركض بأقصى سرعة.
ومن سهم الحظ إلى سهم كيوبيد
تؤول إلى “رمسيس” فيعتبرها عوضاً عن اللاعب الذى فقده تواً.. “نادر” الذى صفعه بالوضوء والتوجه إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة.. فيرد الصفعة بإستبدال اجازة الجمعة بالأحد، فيجد فى “هدى” الزوجة التى تناسب “رزق”.. أقترنا سريعاً.. “رزق” الذى أضناه طول العزوبية عدها هديته فأغدقها بمشاعر طالما حُرمت منها ونست بحلو معشره مر ومرارة خضر “.
ولا بأس ببعض من كوميديا
تخفف من جرعة الحقيقة.. فيتطرق العشماوى إلى قضية “محمد حسن علوان”.. الحارس بحديقة الحيوان بالجيزة والذى يسرق طاووسا فيقدمه قربان محبة إلى زوجته التى بعمر ابنته.. وهى بدورها تصنع له أغلى طبق ملوخية على مرقه، وبعدما ينقذه “نادر” بالحيلة تتخلى عنه زوجته وينتهى أمره بأن يلقى بنفسه مشتعلاً من فوق سطح بيته.
التستر خلف الأسطورة
لذا لا تحمل حادثة “محمد حسن علوان” أى دهشة لأهل الطايعة.. فأسطورة نور الطايع جعلتها بلا شبهة جنائية.. “نور” ابنة أول عمدة لقريتهم بالتزامن مع ثورة يوليو والذى يشيعون أن شبحها إذا ما ظهر لأحدهم دفعه لإضرام النار بنفسه، ولكن مع إختفاء دفاتر حيازات الأراضى وتعاقب البيعات على نفس الدار كنوع من التمويه والتدليس وتوالى حوادث غالباً ما تقيد ضد مجهول.. يكتشف الطبيب الشرعى إن الوفاة بفعل فاعل ويتأكد من موت تم اختناقا .
أسطورة تموت وأخرى تُولد
بطلتها “هدى” ليصبح دارها وقد لُقب ببيت القبطية قبلة للتبرك.. تتمسح بها نسوة يتدلى من أعناقهن سلسلة [بما شاء الله] ..وأخريات مدقوق برسوغهن الصليب.. وحدها الأسطورة نجحت بجعلهم يدا واحدة تدق بابها وتتعلق بعتباتها.
نفس الأيدى التى تعلقت هي نفسها التي قوضت أركان بيت القبطية حين ظهر “هلال” شقيق زوجها السابق “خضر” بعد شهور قليلة من زيجتها بالطايعة وفضح أمرها.. وإكتشافها نجاة “خضر” وعدم موته والذى يقتص منها بإتهامها بالزنا.. تزول الأسطورة بينما تبقى القسوة والغلظة.. وتأبى “هدى” السقوط وإستجداء العطف وطلب العفو فتحذو حذو الخيل فى شموخها حتى النهاية “للخيل عزة لا يفهمها المرء بسهولة، تحزن ولا تبوح.. تتألم ولا تنكسر.. ولما يفيض بها الكيل تموت.. لكنها تموت واقفة”.
العدالة معصوبة العينين برأتها
بينما أدانتها كل الأطراف “كلهم رفضوا التبرع بدمائهم.. كلهم صاروا ذلك المجهول الذى يقتل واحداً منا أمام أعيننا كل يوم.. كلهم صاروا قضاة وجلادين، ثم بكوا بحرقة كأنهم ضحايا” فنزفت “هدى” حتى الموت بعد وضعها توأمها اللذين أوصت بتسميتهما “نادر” و”كمال”.. “نادر” الذى أصطفته لتفضى إليه بسرها فهرع يفوض القاضى ليحكم.
ليست أكثر من اسماء مجوفة
قرية السلام أو الطايعة أو التايهة أو أبو صليبة.. ستظل القرية التى لطختها الفتنة بالدم.. حتى وأن ذبح “خليفة” “صليب” فى وضح النهار وعلى مرأى من الناس ثم أقروا بأن القاتل مجهول.. حتى وأن أنتهت المجزرة بتبرئة الجميع.
“اِللِّي تِغْلِبْ بُهْ اِلْعَبْ بُهْ”
خطيبة “نادر” ورغم إختصار العشماوى حضورها فى بضع مهاتفات وزيارات خاطفة إلا إنه استخدمها للتأكيد على قناعة فئة ليست بالقليلة بالفساد علي انه شطارة .. عبر تباهيها بزوج شقيقتها.. رجل القانون وسيد من يخرقه مستغلاً منصبه ومتعدياً على حقوق الغير وسط تصفيق حار.. وعلى إعتباره “معلم ومنه الكل يتعلم”.. ولربما هذا ما جعل خطيبته لا تدع فرصة إلا ووافت هذا الساذج بنجاحات عديله المستقبلى أولا بأول عله يستحى ويتعلم.
ولا عزاء للشرفاء
وحتى بعد القبض على العديل.. ليصير قاب قوسين من فصل وسجن وتجريس لا ترتدع الخطيبة فتظل على موقفها من التباهى مضيفة إلي ماسبق قدرا هائلا من الدفاع عنه.. وكان مايثير الفضول هو استمرارية “نادر” فى خطبة كهذه.. فلا شئ يجمعهما ولا حتى الحب.. ولعل آخر رسالة بعثها “نادر” إليها ومن بعدها أغلق هاتفه المحمول والتى لم يكشف العشماوى عن محتواها تضع نهاية لهذه العلاقة.
حَمَلة مفاتيح الجنة والنار
غفير الإستراحة “نبوى” الفار من الثأر والذي لفظ طرفا الفتنة جثمانه المُخترق بالرصاص.. وأخيراً تستره مقابر الصدقة بعد أن يصلى عليه الشيخ “رجب” ممتعضاً وعلي مضض .. ليتجاور وجثمان هدى فكلاهما لم يبت بأمرهما أهل الأرض ممن يعدون أنفسهم نواب السماء.
وتستمر المباراة
طالما ظل القانون غائبا أو مغيبا.. لتعتاد الجماهير التعامل بوحشية وتتمادى بإعتباره فرض عين.. ولكن بالطبع عين معصوبة.