لقراء “اصوات أون لاين ” .. نقدم هذه الحكايات الحقيقية حصريا بقلم صاحبتها المصرية الصميمة السيدة الأستاذة سمية زكريا .. التي تعمل معلمة بالمدارس الأمريكية وفيها تكشف وجوها عديدة لحياة المهاجرين المصريين إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
1- 1- حكايتي مع شايان Shayan
1 – حينما اشتريت هدية فرعونية لشايان
إقتربت منى طالبة جميلة فى الصف الأول الثانوى قالت لى “ألا تذكريننى!! أنى شايان وقد كتبتِ لى إسمى باللغة العربية والحروف الأبجدية عندما كنت فى المرحلة الإبتدائية. لازلت أحتفظ بهذه الورقة.
لم أصدق ماسمعته. الفتاة أصبحت شابة جميلة.. رغما عنى لا أذكرها. فالمدارس كثيرة، والطلبة أكثر ووقت طويل قد مضى.
ظلت صورة “شايان” حاضرة فى ذهنى. أبحث عنها أحيانا عندما أذهب إلى مدرستها، أتذكرها وأحيانا أجدها تقف أمامى. تقول لى “عرفت يا ميس سومة انك موجود ة النهاردة فى المدرسة.. جيت أسلم عليكِ”.
ماأجملك ياشايان!! ماأرق كلماتك وأعذب صوتك وطيبة قلبك.. جعلتينى أحب مدرستك وأذهب إليها لكى ألقاك. تبثين فىَّ روحا إيجابية ومشاعر جميلة. دون أن تقصدي تجعلينى أشعر بالألفة والمودة التى تجمع البشر دون جدران رغم الكثير والكثير جدا من الإختلافات.
فى المدارس لايعرفون شيئا عن اللغة العربية – لغة الضاد. أحيانا يطلب البعض أن أنطق بضع كلمات باللغة العربية. تزداد حيرتهم حينما أكتب لهم أسماءهم بالعربى..أو أدون لهم حروفنا الأبجدية. منهم من يحاول أن يكتب إسمه بالعربى مبتدئًا من الشمال إلى اليمين!!
يسعدنى رد فعلهم الذى لم يتغير أبدا – جميل كأنك ترسمين ” cool, it is like drawing” . تزداد حيرتهم حينما يروننى أمسك بضفتى كتاب عربى.. يقولون فى تعجب “بتعرفى تقرأى ده” ثم يضيفون أنى أقرأ وأكتب “بالشقلوب”. فأقول أنى أكتب بشكل مختلف .
كم أتمنى أن أعلمهم بعض العربى.. كم أتمنى أن أصحبك معى ياشايان إلى مصر.. لتعرفى أننا بلد عظيم عريق رغم كل مامر ويمر به.
رغم تحفظنا على التعليم فى مصر إلا أننا نتعلم أكثر من لغة حتى فى المدارس التجريبية أو حتى المدارس الحكومية، فرنسى أو ألمانى بجانب العربية والإنجليزية، لكن التلاميذ هنا لا يتعلمون سوى اللغة الأسبانية فى الصف الأول الثانوى، وهى اللغة الثانية فى أمريكا. ثم ينسونها عندما ينهون المرحلة الثانوية طالما لم يستعملوها.
قررت فى زيارتى الأخيرة لمصر أن اشترى هدية لشايان من خان الخليلى. من حسن الحظ أنى ذهبت إلى مدرستها للعمل بعد عودتى من مصر. للأسف لم أتذكر في أى فصل تكون. فى نهاية اليوم وجدتها تدخل الفصل الذى أعمل به. رغم برودة الجو كانت تتصبب عرقا. قالت لى فى تلقائيتها المعتادة.. “كنت فى رحلة مدرسية.. علمت بوجودك اليوم فى المدرسة”!! ماأجملها، أحتضنتها.. أعطيتها هديتها، كانت مغلفة فى ورق.. أخذتها بسرعة وقالت إنها متعجلة تريد أن تلحق بفصلها لتعرف مايجب عليها فعله.
تمنيت فى قرارة نفسى لو كانت فتحت الهدية.. فهى شنطة فرعونية من شنط خان الخليلى، لكى أرى تأثير المفاجأة عليها. فالهدية لاتسعد من يتلقاها بل من يحضرها كذلك. تشعره أنه قادر على إدخال البسمة على الآخرين
لكنها شايان.. إبنتى الجميلة الرقيقة. عادت إلى بعد دقائق وقبل إنتهاء اليوم الدراسى وهى تضع “الشنطة” الصغيرة فى ذراعها وتمطرنى بأحلى القبلات. الله.. ماأجملك ياشايان!!
2- حكاية لها ألف معنى .. هم ونحن ..
طرقت باب الفصل عاملة النظافة فى المدرسة. شابة فى مقتبل الأربعينيات من عمرها. بيضاء البشرة..مشربة بالحمرة. شعرها بنى طويل”..تعقصه “فى رباط. ترتدى بنطالا واسعا مشجرا وقميصا مشجرا..تتناسق الألوان مع بعضها. تتناسب مع خضرة عينيها التى تشبه الزرع الطازج فى الحقول.
اعرفها منذ فترة ونتبادل الأحاديث القصيرة كلما ذهبت إلى هذه المدرسة. قالت وابتسامتها الحلوة تعلو وجهها..” ممكن إبنى يجى معاى..يلم أكياس الزبالة من الفصول التانية ويرجع بسرعة “. قبل ان التفت كان الولد الذى تشبه ملامحه ملامح أمه – .في السنة الرابعة الإبتدائية يسألنى..”ممكن اروح وآجى بسرعة”.!
خرج مع والدته..وبعد فترة وجيزة عاد..وجلس فى الفصل ليكمل الدرس، كأن شيئا لم يحدث.
الولد..أمه تعمل عاملة نظافة فى المدرسة..يذهب لمساعدتها كل يوم..لا هو يخجل من عمل أمه.. ولا هى تشعرك بالشفقة وتريد أن تدس فى جيبها عدة جنيهات..ولا زملاؤه يشعرونه بأنه أقل منهم..ولا هو يشعر بأى دونية او إختلاف عنهم.
بعد عدة أيام عملت فى مدرسة أخرى. فى اثناء فترة الغداء..ذهبت مع التلاميذ لتناول الطعام جلسنا جميعا على طاولة الطعام؛ عمال النظافة وبعض العاملين فى قاعة الطعام (الكافيتريا) والمدرسون. ببنما التلاميذ فى الطاولات المخصصة لكل فصل.
يحدث هذا فى أعتى بلاد الرأسمالية. بلد بها أغنياء لديهم قصور وزوارق وسيارات فاخرة ، وبعض يكفى قوت يومه بالكاد. ..لازال يوجد فى أمريكا إحتقان وسوء فهم بين االبيض والسود، ..لكن توجد مظاهر كثيرة للمساواة والعدل.
الأديان تحض على المساواة..وخلقنا الله سواسية كأسنان المشط..وخيركم أتقاكم. لكن هل يمكن أن يحدث ذلك فى مصر!! أذكر أن الدنيا قامت ولم تقعد لأن فتاة فى الثانوية العامة تفوقت ووالدها عامل بسيط.، تبارت البرامج الحوارية في التحدث عن الفتاة
اعترف أن قليلى/محدودى الدخل هنا لايشعرون بالدونية او الفقر..ولايشعرونك أنهم اقل منك. لاتوجد على وجوههم نظرة الغُلب التى قد تشعر بها فى مصر. هم يؤدون عملا مثل أى احد وفقا لإمكانتهم وتعليمهم وكذلك رغبتهم.
القليل جدا منا من يعتبر ان المربية التى تعمل فى البيت هى من افراد الأسرة. اجد صعوبة فى ان ارى الكل فى المدرسة يصطف لتناول الطعام.. لقد نسينا قول الرسول “لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح
هل سيأتى يوم نتفاخر بالعمل اليدوى وعمل آبائنا وأمهاتنا مهما كان بسيطا!! وهل ستبنى جسورا من الثقة بين الفقراء والأغنياء!! وهل ستساهم الحكومة فى تقليص الفجوة!! كما يحدث هنا.
ففي ولاية الأباما على سبيل المثال ندفع 10% ضرائب على كل شئ. تنفق هذه الأموال على نظافة الشوارع، و إنشاء الحدائق العامة ..
وتوفير اماكن لاحصر لها “لركن” السيارات واخيرا مساعدة محدودى الدخل..فى دفع ما عليهم من فواتير و إعطائهم كوبونات للطعام food stamps. حتى قيل أن الفقراء لايريدون أن يعملوا بجد..لأنهم يحصلون على فوائد جمة من الحكومة.
هل ستتغير ثقافتنا ونظرتنا إلى بعضنا البعض ..لا نقيم شخصا ونحكم عليه بمقدار ثروته ونوع سيارته!!
يجب..وحتما..وسريعا علينا أن نغير من أنفسنا فالأمم لاترقى إلا بعقول وقلوب أبنائها