في شهر رمضان الماضي كنت بشكل يومي أنتظر موعد بث المسلسل الدرامي العربي “حارس القدس” الذي كان يتناول سيرة مطران القدس الراحل المطران هيلاريون كبوجي ونضاله الطويل في سبيل القضية الفلسطينية.
كانت إحدى أهم العناصر الفنية التي تزيدني تعلقاً بهذا المسلسل ومتابعة لأحداثه هو ذلك الصوت العذب الذي كان يتغنى في مقدمة كافة الحلقات بقصيدة “أبتي” التي كتبها الشاعر الراحل يوسف الخطيب وأهداها الى المطران كبوجي في سنوات سجنه.
لم يكن ذلك الصوت الجميل سوى صوت ميادة بسيليس٫ المطربة السورية المخضرمة التي أثرت الساحة الغنائية في بلادها وفي العالم العربي بشكل عام على مدار نحو أربعين عاماً.
https://www.youtube.com/watch?v=t_JKrt7ESFM
كان صوت بسيليس هو بحق ضمير المسلسل والمعبر عن المشاعر المختلفة التي تختلج في صدر بطله خاصة وهي تترنم بمزمور “رفعت عيني الى الجبال” بكل ما فيه من روحانية خالصة.
وُلدت مياده بسيليس في العام العصيب ١٩٦٧ في مدينة حلب السورية٫ في ذات المدينة العريقة التي أنجبت المطران كبوجي وهي ذات المدينة التي أهدت سوريا والأمة العربية بشكل عام بعضاً من اجمل الاصوات العربية مثل صبري مدلل وصباح فخري وحسن حفار وغيرهم كثيرون.
وبرزت موهبة بسيليس منذ سن مبكرة من خلال تغنيها بالترانيم الكنسية وفي ١٩٧٦ نجحت في مسابقة للهواة في إذاعة حلب ونالت فيها المركز الاول واثارت اعجاب الكثيرين بعد تقديمها لدور “أصل الغرام”.
وتوالت الجوائز في حياة بسيليس منذ ذلك الحين٫ ففي عام ١٩٧٨ نالت جائزة أجمل صوت في مهرجان الطلائع وصارت من الاصوات المعتادة للمستمع في إذاعة حلب منذ ذلك الحين.
وفي عام ١٩٨٦ أصدرت بسيليس البومها الاول “يا قاتلي بالهجر” الذي جمع بين الطرب الأصيل والأغاني التراثية السورية٫ ثم توالت ألبوماتها حتى وصل رصيدها الى ١٤ البومًا.
وتنوعت أغنيات بسيليس في تلك الألبومات الموسيقية ما بين الترانيم الدينية والأغاني الوطنية وتلك المقتبسة من التراث.
وبداية من التسعينات ارتبط صوت بسيليس ارتباطاً وثيقاً بأغاني الأعمال الدرامية السورية التي بدأت حينها في الانتشار في العالم العربي من خلال القنوات الفضائية المتعددة٫ حيث قدمت بسيليس أغنيه المقدمة في المسلسل التاريخي الملحمي “إخوة التراب” للمخرج نجدت إسماعيل انزور وكذلك أغنية مسلسل “أيام الغضب” للمخرج باسل الخطيب وغيرها من الأعمال الدرامية المميزة.
ومن اللافت أن بسيليس وعلى عكس كثير من المطربات في تلك الآونة لم تعتمد سوى على صوتها المميز٫ باستثناء أغنية
“كذبك حلو” التي قدمتها عام ١٩٩٩ وصورتها بطريقة “الفيديو كليب” فلم تلجأ بسيليس إلى تصوير أغنياتها إلا في أضيق الحدود.
ومع تزايد شعبيتها في وطنها الأم٫ قامت بإحياء حفلات في دول عربية عدة في مقدمتها مصر والتي قدمت فيها “الليلة السورية” على مسرح دار الأوبرا المصرية عام ١٩٩٨ وشاركت في مهرجان المدينة في تونس بحفلتين في المسرح البلدي ثم تم ترشيحها لإحياء حفلات خارج حدود العالم العربي، حيث غنت على مسرح الأوبرا في مدريد، وغنت أيضًا في مسرح قصر الفنون في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية وغيرها.
وفي فبراير الماضي٫ وفي أوج تألقها٫ تلقى جمهور بسيليس خبراً مفزعاً عن مطربتهم٫ حيث كشف زوجها الموسيقار سمير كويفاتي ان زوجته مصابه بمرض السرطان.
وفي ١٧ مارس ٢٠٢١ وبعد أن سعت جاهدة للنضال ضد المرض الخبيث بفنها وصوتها أسلمت مياده بسيليس الروح عن عمر ناهز ٥٤ عاماً٫ تاركة وراءها إرثاً من الغناء البديع الذي كانت فيه بحق سفيرة الأغنية السورية إلى العالم كله.