فى السابع عشر من مارس عام 1923 ولد الفنان القدير صلاح منصور فى شبين القناطر بمحافظة القليوبية ورحل فى عام 1979 عن عمر يناهز 56عاما قضى معظمها بحثا عن فرصة تمثيل تليق بموهبته الإستثنائية وعندما بدأت تلوح فى الأفق معالم التحقق الفنى الذى جاء متأخرا كان “صلاح ” على موعد مع رحلة الألم ومسيرة المرض التى بدأت بنجله “هشام ” ثم تواصلت مع تردى وضعه الصحى بشكل كبير عقب وفاة نجله أثناء إجراء عمليه جراحية دقيقة .
قد يعلم المشتغلون بالفن قيمة “صلاح منصور ” التمثيلية منذ أن بدأت موهبته تتفجر على مسرح مدرسة العباسية بالاسكندرية حينما كان طالبا بها وكان العظيم “زكى طليمات ” مشرفا على المسرح المدرسى آنذاك .
بداية الموهبة
إنتبه “طليمات ” إلى ذلك الفتى المعجون بالتمثيل القادر على التقمص بشكل لافت ومنحه فرصة الإشتراك فى العروض المسرحية الرسمية للمدرسة
ورغم تحفظ الأب الذى كان يعمل موجها فى وزارة التربية والتعليم على مسلك الإبن وإتجاهه نحو الفن في حين كانت رغبة الاب أن يصبح ” صلاح ” محاميا مرموقا خاصة وأنه كان يمتلك قدرات فائقة فى الخطابة وهذا ما يؤهله للنجاح فى مهنة المحاماة لكن الأم انحازت لإختيار “صلاح ” ودعمت موهبته وشجعته على إتخاذ الفن طريقا وهدفا فى الحياة .
فى بدايات شبابه عمل” صلاح ” محررا صحفيا فى مجلة روزاليوسف وكان أول إنتاجه الصحفى هو حوار مع الفنانه أسمهان إلا انه لم ير نفسه سوى ممثلا فترك الصحافة وقرر “صلاح ” فى عام 1943 الإلتحاق بمعهد التمثيل وتخرج منه عام 1947 ضمن واحدة من الدفعات العظيمة فى مسيرة المعهد وكان من زملاء دفعته شكرى سرحان وفريد شوقى .
كان “صلاح ” قد تم تعيينه مدرسا للمسرح فى وزارة التربية والتعليم ليعمل مع مكتشفه الأول زكى طليمات .
الموهبة وحدها لا تكفى
بدأ صلاح منصور مسيرته الفنية أثناء دراسته بالمعهد وقدم عددا من الأدوار المسرحية لكن السينما لم تكن على وفاق مع موهبته العظيمة وتعثرت خطواته الأولى لشق طريقه نحو مكانة مستحقة خاصة بعد تقديمه لدور صغير فى فيلم “غرام وإنتقام ” عام 1944 وظل يقدم أدوارا صغيرة جدا فى أعمال مثل “شاطئ الغرام ” و” ساعة لقلبك ” و”أمير الإنتقام ” وغيرها وظلت السينما لا تقدر موهبته كما يجب و عانده الحظ فى أول بطولاته “عبيد الذهب ” عام 1946 فلم يكتمل المشروع بسبب خلافات بين فريق العمل ومنتج الفيلم أدت لتوقف التصوير وتبدد الحلم
وظل الفن السابع بعيدةاعن “صلاح ” خلال شبابه مما إضطره لقبول أدوار صغيره جدا وأحيانا كومبارس كما حدث فى فيلم “المليونير ” مع إسماعيل ياسين حين ظهر “صلاح ” فى إستعراض “العقلاء ” عام 1950 للمخرج حلمى رفله
قرر “صلاح ” اللجوء للإذاعة بعد أن عاندته السينما وظن أن حلمه لن يتحقق ونجح فى تقديم عدد كبير من الأعمال الإذاعية حتى أصبح “نجم الإذاعة الأول “
https://www.youtube.com/watch?v=0YIXkFnRTMA
العمدة عثمان يفتح الأبواب
وفى نفس المرحلة قدم صلاح عددا من الأعمال المسرحية سواء كممثل أو كمخرج وكون مع “توفيق الدقن ” فرقة ” المسرح الحر ” وكان صلاح يتولى إخراج كل عروض الفرقة وفى عام 1957 قام بالتمثيل فى مسرحية “الناس اللى تحت ” ليكشف عن طاقات غير عادية ويحدث دويا هائلا ويلفت الأنظار بقوة مما جعل “صلاح أبو سيف ” يستعين به فى فيلم “بداية ونهاية ” عام 1960 ليعود مجددا إلى السينما التى إنتظرها لأكثر من 15 عام
ويقدم فى الفترة من 1960 حتى 1967 أكثر من خمسة عشر عملا فى السينما من بينها اللص والكلاب وانا الهارب وأدهم الشرقاوى والمستحيل والشيطان الصغير إلا أن موهبة صلاح كانت على موعد مع المخرج صلاح أبو سيف دائما وفى عام 1967 قدم أحد أعظم أدواره فى السينما المصرية وهو شخصية “العمدة عثمان ” فى “الزوجة الثناية “
خرج غول التمثيل من داخل “صلاح ” ليبتلع كل من حوله من نجوم ويحفر الشخصية فى وجدان ملايين المشاهدين من مختلف الأجيال والمستويات
لم يكن دوره فى “الزوجه الثانية ” مجرد نقلة فنية كبيرة لممثل موهوب أدى إلى زياده أجره من 40 جنيه إلى ألف جنيه بعد شخصية العمدة عتمان ” فقط لكنه كان سببا في أن يقدم بعد ذلك عدد من أهم أدواره منها “قنديل أم هاشم ” و”البوسطجى ” و”العصفور ” و”وراء الشمس ” وغيرها من كلاسيكيات السينما المصرية .
المسرح وعشقه الصوفى
كان المسرح فى مسيرة “صلاح منصور ” عشقه الصوفى الذى يلجأ إليه كلما ضاقت به الشاشات وعجز عن التعبير عن موهبته عبرها فإذا بالمسرح يناديه فيلبى النداء ويقف على خشبته ليطلق عنان طاقته التمثيلية الهائله ويستعرض إمكانيات صوته وقدرته على الخطابة والتعبير الصوتى الأخاذ وقد قدم عددا من الأعمال المسرحية من بينها ” ملك الشحاتين “، ” برعي بعد التحسينات “، ” زقاق المدق “و ” و” رومولوس العظيم “و ” زيارة السيدة العجوز ” و” عبد السلام أفندي “و ” بين قلبين ” “
كما قدم مسرحية “يا طالع الشجره ” عن نص توفيق الحكيم والتى يعتبرها النقاد خليطا من الواقعية والرمزية ” وقدم “صلاح ” خلالها شخصية المقاول أبو الدهب وأثير جدل حين تم عرضها فى السبعينيات حول ما حملته من إسقاطات على شخصية “عثمان أحمد عثمان ” المقرب آنذاك من الرئيس أنور السادات .
شارك في الكثير من التمثيليات والمسلسلات التليفزيونيه وكان آخر أعماله فى التلفزيون المسلسل الديني “على هامش السيرة ” كما شغل منصب مستشار، في إدارة التربية المسرحية بوزارة التربية والتعليم .
وجع الفراق
فى عام 1971 تدهورت الحالة الصحية لنجل صلاح منصور “هشام ” الذى كان يعانى من مرض مزمن منذ طفولته هذا ما إضطر “صلاح ” إلى العمل ليل نهار وقبول كل الأعمال التى تعرض عليه بغض النظر عن قيمتها الفنيه أو مساحة مشاركته بها حتى يتمكن من تغطية نفقات علاج هشام ونتيجة عدم قدرته على توفير ذلك لجأ إلى الرئيس السادات الذى وافق على علاج “هشام” على نفقة الدولة خارج البلاد وبعد رحلة قاسية مع المرض رحل هشام فى عام 1976أثناء إجراء عمليه فى لندن وكأن هذا الحدث بمثابة لحظة الإنكسار الكبرى فى حياة صلاح منصور
فَقد توهُجه وغاب أَلقه الفنى وبدا كأنه كهل عجوز أكثر من أى وقت وظلت مرارة فقدان نجله تؤرق حياته و تسببت فى تعرضه لأزمة صحية عنيفة وإستمرت أزمة صلاح منصور النفسيه والبدنية حتى رحل فى يناير 1979 بعد مسيرة كان ملمحها الأساسي هو المعاناة والألم وكانت ذخيرتها هى موهبته المتفجرة وإيمانه الشديد بقدراته التمثيلية غير العادية رغم تأخر ظهورها وقصر فتره تحققة وإنتشاره إلا أن الأدوار الهامة التى قدمها من بين حوالى 600 فيلم شارك فيها خاصة تلك الأعمال التى شارك بها بعد “الزوجة الثانية ” تمثل علامة مهمة فى فن التمثيل كشفت عن مبدع شديد التميز والنضج وسيظل صلاح منصور حاضرا بأعماله العظيمة ومسيرته التى جمعت بين الألم والإصرار وبين الهزائم والتحدى .