رؤى

كيف يمكن لجو بايدن أن يتجنب الأخطاء في سياسته الخارجية في الشرق الأوسط؟!

أصدرت الإدارة بصورة لائقة إرشادات استراتيجية مؤقتة للأمن القومي من أجل الاستناد إليها في وضع سياستها الخارجية على المدى الطويل. وبوجه عام، تتسم التوجيهات الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط بالمعقولية، إذ تقوم على دعم إسرائيل وشركاء الولايات المتحدة الآخرين، والدفاع عن النظام الأمني العالمي، والتحرك على نطاق واسع في الشأن الإيراني، ومحاربة الإرهاب.

ويعتبر صوغ سياسة شرق أوسطية قائمة على هذه التوجيهات أمرا ملحا في ظل التحديات التي تفرض نفسها على المنطقة. وبخلاف ذلك، سيكون من الصعب التنبؤ برد الفعل الأميركي تجاه الأحداث. وكخطوة أولى، يجب أن تركز الإدارة على القضايا الاستراتيجية المتعلقة بالتهديدات والمصالح والموارد لتجنب تكرار أخطاء الماضي في التعامل مع هذه المنطقة، التي طالما كانت مقبرة للسياسات الخارجية.

تبرز في المنطقة العديد من التهديدات. الأول هو عدم الاستقرار الدائم كمحرك رئيس للإرهاب، والدول الفاشلة، والتدخلات الخارجية. ولم تفلح الجهود الغربية في التعامل مع هذه الحالة من عدم الاستقرار، ومن ثم فقد تم فعليا التخلي عنها تماما. كما تهدد إيران المصالح الأمريكية بالسعي من أجل الهيمنة عل المنطقة من خلال الإرهاب، وامتلاك برنامج نووي، وتطوير منظومة صواريخ.

وفي غضون ذلك، تسعى روسيا إلى بسط نفوذها العسكري والدبلوماسي على الدول الفاشلة مثل سوريا وليبيا لتقديم نموذج معادي لنظام الأمن العالمي المدعوم من قبل الولايات المتحدة. أما عن الإرهاب، فقد تم استيعابه بدرجة كبيرة، فيما عدا في أفغانستان، بسبب عوامل تتعلق بالصراع.

ويجب على الإدارة معالجة هذه المشكلات. وهنا تبرز العديد من الأسئلة: هل ستخدم مقاربة “رفع الأيدي” عن حالة عدم الاستقرار في المنطقة المصالح الأمريكية؟ وهل يجب على الولايات المتحدة تخصيص موارد كبيرة للمشكلات الكامنة في الشرق الأوسط، بما في ذلك قضية إسرائيل وفلسطين؟ وهل إيران، كما تساءل هنري كسينجر ذات يوم، دولة أم قضية؟

كما يجب أن تحدد الإجابات كلا من الوسائل والأولويات للتعامل مع هذا النوع من التهديدات متعددة الوجوه: هل يجب على الولايات المتحدة تجاهل روسيا، أم مقاومتها وهي تتحرك صوب المنطقة؟ وهل يمكن القضاء على الإرهاب حقا في المنطقة؟ وهل لا تزال الولايات المتحدة قادرة على قيادة الحملة العسكرية ضد الإرهاب بالنظر إلى التكاليف؟

إن المصالح الأمريكية، كما أشار الرئيس بايدن، يجب ان تكون في خدمة الشعب الأمريكي. ولا تقتصر هذه المصالح على توفير فرص العمل وتجنب الحروب الأبدية، وإنما تمتد أيضا، كما تعلن التوجيهات، لتشمل تعزيز الأمن، ودفع عجلة الرخاء، ودعم الحريات.

ويمثل هذا جهدا غير مباشر على المدى الطويل، ولا يمكن ترجمته بسهولة إلى مقاطع صوتية. إن الشرق الأوسط ليس مهما مثل آسيا أو أوربا، سواء على مستوى التحالفات العسكرية والاقتصادية، أو على مستوى التهديدات الوجودية التي تميز هاتين المنطقتين من العالم.

إلى جانب ذلك، تتراجع التجارة في الشرق الأوسط عن نظيرتها في آسيا وأوربا. كما أن دول المنطقة لا تمتلك تأثيرا دبلوماسيا وأمنيا خارجها. وتتضمن المصالح الأميركية التقليدية ضمان صادرات النفط، ودحر الإرهاب، وإبطاء انتشار أسلحة الدمار الشامل. وتحتفظ الولايات المتحدة بنظام أمني جماعي للشرق الوسط لدعم مصالحها، ولتعزيز الاستقرار العالمي الذي غالبا ما يتأثر بالأزمات التي تحدث في المنطقة.

وإزاء ذلك، يجب وضع إجابات حاسمة على أسئلة من قبيل: ما التأثير على الولايات المتحدة وشركائها العالميين، وعلى السياسات المناخية، الذي يمكن دفعه عن طريق الهيمنة غير الودودة على موارد النفط، واضطرابات تدفقه، واهتزاز أسعاره؟

وما “الصادرات” الضارة الأخرى التي يمكن أن تبعث بها المنطقة، والتي تتراوح من الإرهاب وانتشار اسلحة الدمار الشامل، إلى تدفقات المهاجرين، التي يمكن أن تؤثر على المصالح الحيوية العالمية؟ وما مدى مركزية حفظ الأمن في منطقة الشرق الأوسط بالنسبة إلى الثقة في الالتزامات الدولية للولايات المتحدة؟

إن عملية تحديد الموارد تتم بحسب العرض والطلب لمواجهة التهديدات. وتتسم الموارد الأمريكية المخصصة للشرق الأوسط بالوفرة، بما في ذلك أكثر من 50 ألف جندي، ومعظم منح المساعدات الأمنية التي تقدر بحوالي 10 مليار دولار سنويا، والحصة الأكبر من مبيعات الأسلحة، برغم أن هذه المنطقة تمثل شريكا تجاريا أقل أهمية، إذ لا يتناسب السوق المالي فيها مع الأولويات الجيوسياسية للولايات المتحدة.

ويبقى المورد الدبلوماسي الرئيسي هو مشاركة المسؤولين الرئيسيين. أما المورد الدبلوماسي الثاني فيكمن في الشركاء في منطقة الشرق الأوسط، الذين يتمثلون في العديد من الدول التي تربطها علاقات عسكرية بالولايات المتحدة، وحلفائها في أوربا، والذين يمتلكون مصالح في المنطقة.

وتبقى أسئلة أخرى على درجة من الأهمية لوضع سياسة خارجية أمريكية ناجحة تجاه منطقة الشرق الأوسط، مثل: هل الوجود والبرامج العسكرية المتاحة الآن في المنطقة كافية وفعالة أم أنها لا تفي بحماية المصالح الأمريكية؟ وما هو التوازن المطلوب تحقيقه بين الإتاحة العسكرية في أماكن أخرى والتكلفة الجيوسياسية للانسحاب من المنطقة؟ وإلى أي مجموعة من قضايا الشرق الأوسط يريد قادتنا تكريس الوقت والمال؟ وهل من الواقعي لشركائنا في المنطقة وفي أوربا أن يحققوا التوازن، أو أن يستبدلوا الجهود الأمريكية بأخرى؟ وهل تستطيع الولايات المتحدة التنازل عن مصالح أخرى، بما في ذلك تحسين السلوك الداخلي للحلفاء في المنطقة، للحصول على هذا الدعم؟

يتعين على الإدارة الأمريكية التعامل مع كل قضية من هذه القضايا من أجل تحقيق ما يشبه النجاح في الشرق الأوسط.

___________________

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock