لعل أحد أبرز ردود الافعال التي شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي في إطار التعليق على مسلسل “الملك” الذي يتناول سيرة الملك أحمس الأول هي تلك المقارنة التي عقدها البعض بين الإعلان الترويجي للمسلسل الذي شابته وفقاً للمتخصصين سقطات تاريخية عدة وبين أعمال فنان آخر كان شديد الولع بمصر القديمة هو المبدع الراحل شادي عبد السلام.
فروق شاسعة
لكن المقارنة في وجهة نظرنا مستغربة خاصة وأن عبد السلام سبق هذا المسلسل بسنوات طوال وطرح فكرة تقديم أعمال تتناول الحضارة المصرية القديمة بكل ما يميزها من ألق٫ وتجلى ذلك في إبداعات عدة قدمها ذلك الفنان المتعدد المواهب مثل “شكاوى الفلاح الفصيح” و”كرسي الملك توت عنخ آمون” اضافة الى فيلمه المهم “المومياء”.
الا ان تناول شادي عبد السلام لتاريخ بلاده القديم وحضارتها العريقة في هذه الأعمال تميز عن مسلسل احمس بعدة أمور من بينها:
لم يعتمد عبد السلام على نصوص روائية في تناول تلك الحقبة من تاريخ مصر وحتى حين قدم رؤية سينمائية لنص ادبي مصري قديم هو “الفلاح الفصيح” فإنه التزم الى حد كبير بنص البردية التي تروي هذه القصة دون محاولة للإضافة إليها إلا في أضيق الحدود٫ أما في حالة صناع مسلسل “الملك” فقد اختاروا أن يرووا قصة الملك أحمس وأسرته من خلال رؤية الأديب الكبير الراحل نجيب محفوظ لهذه الفترة في أول أعماله الأدبية وهو رواية “كفاح طيبة”.
ثانياً: اختار شادي عبد السلام في اغلب اعماله التي قدمها عن مصر القديمة أن تكون لغة الحوار لغة رفيعة٫ فلجأ الى تقديم الحوار باللغة العربية الفصحى كما في فيلم “شكاوى الفلاح الفصيح” حيث جاء الحوار بين الشخصيات لا سيما شكاوى الفلاح بلغة لا تقل رقياً عن نص البردية الأصلي والأمر ذاته ينطبق على فيلم المومياء حيث عهد شادي بمهمة كتابة الحوار الى الاديب والمترجم الراحل علاء الديب الذي أدرك تماماً جوهر السيناريو الذي كتبه شادي بالانجليزية عن احداث حقيقية تمت عام ١٨٨١ واستطاع ان يضع على لسان كل شخصية من الشخصيات ما يعبر عن مكنونها.
أما مسلسل “الملك” والذي أعد له السيناريو الأَخوَان شيرين وخالد دياب فقد اعتمد العامية المصرية لغة للحوار وبدا الحوار في بضع مقاطع الاعلان الترويجي وقد طغت عليه الخطابية الشديدة.
ثالثاً: كان شادي شديد الاهتمام بملاءمة ملامح ممثليه -الذين كان يختارهم في أغلب الأحيان من الممثلين الشباب غير المعروفين بعد للجمهور- للملامح التي رسمها المصريون القدماء لأنفسهم على جدران المقابر والمعابد٫ وكانت لقطاته تسعى إلى التأكيد على هذا التشابه كما في أحد مشاهد فيلم “المومياء” حين تبرز كاميرا شادي شخصية ونيس (الراحل احمد مرعي) بملامحه الشديدة المصرية وفي الخلفية تمثال لملك مصري قديم وونيس يماثل ملامح الملك لا في الشكل فقط وإنما في النظرة الصارمة وقبضة اليد٫ وفي أحيان كثيرة كانت ملامح الممثلين تشكل اساساً لاختيارهم كما في مشروعه الذي لم يكتب له الاكتمال “مأساة البيت الكبير” الذي يتناول سيرة الملك اخناتون حيث اختار كل من محمد صبحي لدور اخناتون وسوسن بدر لدور زوجته نفرتيتي.
في المقابل٫ فان احد ابرز انتقادات المتخصصين لمسلسل “الملك” كانت ملامح الممثلين المشاركين٫ إذ لم يبد أن هناك ملامح محدده لطرفي الصراع في العمل : المصريين من اهل طيبه (الاقصر حالياً) والمحتلين الهكسوس٫ حيث ان قائد جيش الهكسوس مثلاً والذي يجسده الفنان ماجد المصري يظهر بشعر اسود ولحية كثيفة في حين تظهر اميره الهكسوس (ريم مصطفى) بشعر اشقر٫ والأمر ذاته ينطبق على المصريين ففي حين يظهر الملك “سقنن رع” كرجل اسمر فإن ولده احمس (عمرو يوسف) يظهر بشعره الأشقر وعينيه الزرقاوين فضلاً عن لحية كثيفة وهذه اللحي تحديداً كانت موضع نقد شديد حيث يرى المتخصصون في علم المصريات والاثار المصريه القديمه ان المصريين كانوا حليقي اللحى لاسيما الكهنه ورجال الدين في حين أن إطالة اللحي كانت من صفات أعدائهم.
ويبقى وجه آخر يبرز الفارق هو اهتمام شادي عبد السلام الشديد بالأزياء التي كان يصممها بنفسه مستفيداً من خبرته الطويلة كمصمم للديكور والأزياء في افلام مثل “الناصر صلاح الدين” وغيره كثير.
استطاع شادي ان يوظف هذه الخبرة في افلام مثل “شكاوى الفلاح الفصيح” فكانت ملابس كل شخصيه ملائمة لها تماماً فظهر الفلاح (احمد مرعي) بملابس تعكس بساطته الشديدة في حين كانت ملابس الحاكم (أحمد عنان) شديدة الفخامة لا سيما تاجه الذهبي وصولجانه.
لكن الأمر بدا مختلفا في مسلسل الملك حيث ظهر الملك سقنن رع مثلاً بتاج مختلف تماماً عن ذاك الذي كان يرتديه ملك طيبة وغاب عن ملابس المصريين بشكل عام الكتان الأبيض الذي اشتهروا به.
ومع قرار الشركة المنتجة لمسلسل الملك بوقف العمل لا يملك المرء سوى أن يتساءل : هل يتدارك صناع المسلسل هذه الأخطاء مستفيدين في ذلك بتجربة شادي عبد السلام الرائدة؟